الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحين أوهم كلام لابن عطية أن هذا القدر الذي رتبه الصحابة أكثر من هذا
…
استدرك عليه بعض العلماء المحققين؛ قال ابن عطية- رحمه الله:
قال أبو جعفر النحاس: «الآثار تشهد بأكثر مما نصّ عليه ابن عطية، ويبقى منها قليل يمكن أن يجري فيه الخلاف» .
رابعا- حكم مخالفة ترتيب المصحف:
إن هذا الترتيب الذي نجده في المصاحف، مبدوءا بسورة الفاتحة، ومختتما بسورة الناس
…
قد تم كما رأينا في العهد النبوي وفي الصدر الأول من الإسلام، ومضت الأمة على الالتزام بالعمل به هذه القرون المتطاولة من الزمان
…
فصار العمل به والوقوف عنده لازما لا يجوز التحوّل عنه أو المصير إلى غيره، بل لا يجوز ذلك حتى لو كان مستند هذا الترتيب اجتهاد الصحابة- رضوان الله عليهم أجمعين-.
لا يجوز إذن طبع المصحف، أو «تأليف سوره في الرسم والخط خاصة» (2) بحسب عبارة بعض العلماء، على غير هذا الترتيب. أما تلاوة القرآن في الصلاة، وتعليم سوره في المساجد أو دور العلم
…
فيجوز فيهما مخالفة هذا الترتيب؛ قال أبو الحسن بن بطّال: «ولا يعلم أن أحدا قال: إن ترتيب ذلك واجب في الصلاة، وفي قراءة القرآن ودرسه، وأنه لا يحل لأحد أن يتلقن الكهف قبل البقرة، ولا الحج قبل الكهف! ألا ترى قول عائشة- رضي الله عنها للذي سألها:
(1) المحرر الوجيز لابن عطية 1/ 54 طبع قطر.
(2)
راجع القرطبي 1/ 61.
لا يضرّك أيّة قرأت قبل، وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة السورة في ركعة، ثم يقرأ في ركعة أخرى بغير السورة التي تليها».
ويضيف أبو الحسن قائلا: «وأما ما روي عن ابن مسعود وابن عمر أنهما كرها أن يقرأ القرآن منكوسا، وقالا: ذلك منكوس القلب! فإنما عنيا بذلك من يقرأ السورة- الواحدة- منكوسة، ويبتدئ من آخرها إلى أولها، لأن ذلك حرام محظور
…
وفيه إفساد للسورة ومخالفة لما قصد بها» (1).
أما ترتيب سور القرآن بحسب النزول، لا للتدوين في المصاحف، ولكن في كتب التفسير، أو بغرض التفسير فقد ذهب إلى جوازه بعض العلماء. وإن كنا نرى أنه غير مستساغ لأن فيه خدشا «لصورة» الإجماع السابق، وقد لا يكون كذلك ممكنا بغير قدر من التجاوز، لأن السورة من القرآن لم تكن تنزل دائما مرة واحدة، أو لم تكن تنزل آية أو آيات من سورة ثانية إلا بعد أن يكتمل بناء السورة السابقة، فالترتيب بحسب النزول لا يمكن وصفه بالدقة .. إلى جانب ما فيه من تضخيم مرحليّة البناء، وتضييق ساحة النص القرآني الذي أراد الله تعالى له أن يكون عاما شاملا، يعين تنجيمه وأسباب نزوله على مزيد من الفهم، لا على الانغلاق في حدود البيئة أو الزمان، ولهذا فإننا نكره العبارات القائلة: المكّي ما وقع خطابا لأهل مكة، والمدني: ما وقع خطابا لأهل المدينة
…
ونحو ذلك من العبارات والمواقف التي ملئت بها كتب التفسير!! ولعل هذا أن يكون أحد الأسباب الحاسمة في ترجيح رأي من يقول إن ترتيب السور جميعها كان بتوقيف. حيث تعاقبت السور المكية والمدنية في المصحف. أو تبادلت هذا التعاقب، بل الذي بدئ فيه بأربع سور مدنية طوال تتألف من قرابة ثمانمائة آية .. لم يتقدمها من الآيات المكية سوى سورة الفاتحة، التي تمثل خلاصة العهد المكي، وتتألف من سبع آيات قصار، والله تعالى أعلم.
(1) القرطبي 1/ 61.