الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبيل مراعاة سائر الفواصل السابقة واللاحقة في النص القرآني، ليتم له بذلك موسيقاه الخاصة
…
لا في سبيل ذلك فحسب، ولكن في سبيل إحكام المعنى كذلك، أو بعبارة أخرى: يأتي القرآن الكريم بغير تلك الفاصلة إيثارا لما هو ألصق بالمعنى، وأشد وفاء بالمراد، قال الله تعالى: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (67)[سورة البقرة، الآية 67].
فقد يقع في النفس أن تأتي الفاصلة يستعيذ فيها موسى- عليه السلام من أن يكون من المستهزئين .. ولكن عدل إلى مادة «الجهل» إشارة إلى أن الاستهزاء بالناس جهل وسفه لا يليق أن يصدر من صاحب خلق ودين، بالإضافة إلى أن الفواصل السابقة هي: «الخاسرين، خاسئين، للمتقين
…
».
أما التوشيح فهو أن يكون «معنى» الآية مشيرا إلى هذه الفاصلة؛ كقوله تعالى:* إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (33)[سورة آل عمران، الآية 33].
«فإن معنى اصطفاء المذكورين يعلم منه الفاصلة؛ إذ المذكورون نوع من جنس العالمين» (1).
ومثّلوا له كذلك بقوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)[سورة يس، الآية 37].
ثالثا- لمحة عن أنواع الفاصلة:
تبيّن لك من خلال الشواهد التي عرضنا لها في هذا الفصل مدى إسهامها في النظم الموسيقى في القرآن. وقد يشتد هذا التقارب الموسيقى في الفواصل، حتى تتحد الفاصلتان- أو الفواصل- في الوزن والقافية، كما في قوله تعالى:
(1) البرهان 1/ 95.
وَالطُّورِ (1) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4)[سورة الطور، الآيات 1 - 4]. وقوله تعالى: فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (14)[سورة الغاشية، الآيتان 13 - 14]. وقوله تعالى في ختامها: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (26)[سورة الغاشية، الآيتان 25 - 62].
وقد تختلفان في الوزن، ولكنهما تتفقان في حروف السجع، كقوله تعالى:
ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (14)[سورة نوح، الآيتان 13 - 14].
وقد تتساوى الفاصلتان في الوزن دون التقفية كقوله تعالى: وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)[سورة الغاشية، الآيتان 15 - 16].
وقوله تعالى: وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118)[سورة الصافات، الآيتان 117 - 118].
وقوله تعالى: كَلَّا إِنَّها لَظى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (16) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعى (18)[سورة المعارج، الآيات 15 - 18].
وهذا النوع في القرآن كثير، وفي المفصّل خاصة في قصاره (1).
وأخيرا، قد تختلفان وزنا وقافية، ولكنهما تتقاربان كقوله تعالى: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)[سورة الفاتحة، الآيتان 3 - 4].
وقوله: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)[سورة ق، الآيات 1 - 2].
وهذا لا يسمّى سجعا لأن السجع ما تماثلت حروفه.
ويمكن أن نعود بهذه الأنواع إلى قسمين: ما تماثلت حروفه في المقاطع، أي
(1) البرهان 1/ 77.