الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالوحي أو التنزيل عند اليهود والنصارى، وأن الحيف الشديد قد لحق بالتوراة والإنجيل حتى كاد أن يعصف بهما، بل عصف بهما على الحقيقة! كل ذلك من أجل الوقوف على جانب أو طرف من المزيّة الإسلامية في حفظ القرآن الكريم من التحريف والتبديل، إلى جانب عدم الخلط بينه وسائر النصوص النبوية والمصادر الأخرى في تاريخ الثقافة الإسلامية والفكر الإسلامي.
ونكتفي لبيان ذلك بالملاحظات التالية على كل من العهد القديم والعهد الجديد:
العهد القديم: تعريف وملاحظات:
1 -
يتألف العهد القديم من تسعة وثلاثين سفرا، موزعة على الأسفار التالية:
(أ) الأسفار الناموسية أو الموسوية، وعددها خمسة أسفار وهي: سفر التكوين وسفر الخروج وسفر التثنية وسفر اللاويين (الأحبار) وسفر العدد «وتشتمل هذه الأسفار الخمسة على التوراة في نظر اليهود» ولهذا أطلق عليها لفظ «الناموسية» أي الموحى بها بطريق الناموس الذي نزل على موسى- عليه السلام.
(ب) الأسفار التاريخية، وهي اثنا عشر سفرا تعرض لتاريخ بني إسرائيل بعد استيلائهم على بلاد الكنعانيين، وبعد استقرارهم في فلسطين، وتفصل تاريخ قضاتهم وملوكهم وأيامهم والحوادث البارزة في شئونهم.
(ج) الأسفار الشعرية أو أسفار الأناشيد، وعددها خمسة أسفار
…
وهي سفر أيوب، ومزامير داود، وأمثال سليمان، والجامعة من كلام سليمان، ونشيد الإنشاد. وواضح من تسمية هذه الأسفار، ومن مضامينها، أنها كتبت بلغة شعرية، وأنها أناشيد ومواعظ. مع الإشارة إلى ما تضمّنه نشيد الإنشاد من انحلال خلقي يضارع شعر المجون!!
(د) أسفار الأنبياء، وعددها سبعة عشر سفرا، وهي أسفار أشعياء، وأرمياء، ومراثي أرمياء، وحزقيال، ودانيال
…
إلخ.
2 -
أهم هذه الأسفار: الأسفار الناموسية الخمسة الأولى، لأنها هي التي ينسبها اليهود إلى موسى، ويعتقدون أنها بوحي من الله وأنها تتضمن التوراة- أما بعد سائر الأسفار عن أن تكون وحيا فأوضح من أن يشار إليه- يقول الدكتور علي عبد الواحد وافي في أسفار التوراة هذه: «لقد ظهر للمحدثين من الباحثين من ملاحظة اللغات والأساليب التي كتبت بها هذه الأسفار، وما تشتمل عليه من موضوعات وأحكام وتشاريع، والبيئات الاجتماعية والسياسية التي تنعكس فيها، ظهر لهم من ملاحظة هذا كله أنها قد ألفت في عصور لاحقة لعصر موسى بأمد غير قصير- وعصر موسى يقع على الأرجح حوالي القرن الرابع عشر أو الثالث عشر قبل الميلاد- وأن معظم سفري التكوين والخروج قد ألف حوالي القرن التاسع قبل العدد واللاويين قد ألّفا في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد
…
وأن جميعها مكتوبة بأقلام اليهود، وتتمثل فيها عقائد وشرائع مختلفة تعكس الأفكار والنظم المتعددة التي كانت سائدة لديهم في مختلف أدوار تاريخهم الطويل
…
فهي إذن تختلف كل الاختلاف عن التوراة التي يذكر القرآن الكريم أنها كتاب سماوي مقدس أنزله الله تعالى على موسى (1)، وإلى هذا يشير القرآن الكريم، يقول الله تعالى:
فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)[سورة البقرة، الآية 79].
3 -
صورت التوراة المزعومة هذه- وخاصة في سفري التكوين والخروج- الذات الإلهية بصورة مجسّمة، وشبّهت الله سبحانه بخلقه- حتى قال علماؤنا: إن التشبيه من دين اليهود- بل لقد وصف الله تعالى- في هذه
(1) الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، ص 16.
التوراة! - بالضعف، والكذب، والغفلة، والندم، والتعب (1)!! وأنه يجري عليه البداء (2)، وسائر ما يجري على الناس بوجه عام، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
وورد ما هو أسوأ من ذلك في سفر التكوين بحق أنبياء الله ورسله! فوصف نوح- عليه السلام بأنه شريب خمر، وقالوا في إبراهيم- عليه السلام إنه تاجر بعرض زوجته من أجل متاع دنيوي، وجاء في سفر التكوين أيضا أن لوطا شرب الخمر، وزنى بابنتيه، فأنجبتا منه مؤاب وعمون
…
في قصة مختلقة تقشعر منها الأبدان (3)!
…
إلخ.
إن هذا وأمثاله يبرز مدى التحريف الرهيب الذي عصف بالعهد القديم وبالكتاب المقدس
…
كما قلنا، فأخرجه عن الوحي والقداسة، والصدق والحق
…
بل أخرجه كذلك عن العقل والذوق والأدب!.
(1) انظر قصة صراع يعقوب مع الله! وكيف أنه كان قويا على ربه، حتى سماه إسرائيل (وهذا أحد معاني هذه الكلمة في العبرية) في سفر التكوين، الإصحاح 32 الفقرات 24 - 32. وراجع الكتاب المشار إليه سابقا للدكتور وافي: الأسفار المقدسة، ص 32. وانظر ما ورد في سفر التكوين أيضا من أن الله سبحانه بعد أن خلق السماوات والأرض في ستة أيام استراح في اليوم السابع! وكان يوم سبت فباركه وحرّم فيه العمل. الفقرات الأولى من الإصحاح الثاني. وانظر الفقرات 21 - 22 من الإصحاح 13. والفقرات 16 - 20 من الإصحاح 19 ....
(2)
انظر الفقرات الأولى من مطلع سفر التكوين. والبداء- بفتح الباء- معناه أن تبدو لله تعالى الأمور كأنه كان لا يعلمها قبل أن تقع، أو كأنها لم تقع لأنها كانت في علمه الذي أحاط بكل شيء، سبحانه وتعالى. وقد حكم علماؤنا بكفر من يقول بجواز البداء على الله تعالى.
(3)
الإصحاح التاسع عشر من سفر التكوين. وانظر في اتهام سيدنا إبراهيم- عليه السلام الإصحاح الثاني عشر الفقرات 10 - 19. وفي اتهام نوح- عليه السلام الإصحاح التاسع، الفقرات 20 - 27.