الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولا- فكرة الصرفة:
ذهب أبو إسحاق النظام- وكان من رءوس المتكلمين على مذهب المعتزلة أو على نهجهم وطرائقهم في التفكير- إلى القول بأن إعجاز القرآن كان بالصرفة، أي إن الله سبحانه قد صرف بلغاء العرب عن معارضة القرآن، مع قدرتهم على تلك المعارضة، أو: إنه صرفهم وكان ذلك مقدورا لهم!! كما عبّر عن ذلك بعضهم:
وينطوي هذا القول- الذي تكفل المعتزلة أنفسهم بنقضه على صاحبه، كما رأينا عند القاضي عبد الجبار وغيره (1) - على أمرين: الأول: التخليط بين النقطتين السابقتين اللتين سبقت تجليتهما، فالمعجزة هنا تكمن في إثبات الله تعالى أن هذا القرآن من كلامه. بدليل أنه صرفهم عن معارضته في وقت كان ذلك مقدورا لهم! أي إن المعجز هو المنع أو المانع!!
الأمر الثاني: أن هذا الرأي ليس من باب الطعن على الكتاب الكريم، أو من باب الإلحاد فيه والزيغ عنه، لأن هذا الرأي قد يكون آكد في باب الإيمان والتسليم (2) بأن القرآن كلام الله
…
ولكنه من باب العجمة وشبهها في ميدان تذوق البلاغة والبيان، أو من باب التفلسف الذي يريد صاحبه إراحة نفسه من عناء البحث، وإجالة الفكر. ولهذا فإن أحدا من علماء البلاغة لم يتابع النظام، وكان أول من خالفه في ذلك تلميذه الجاحظ، وإنما تابعه بعض من أخذ من الفلسفة وعلم الكلام بسبب!
قال الإمام الباقلاني: «على أن ذلك لو لم يكن معجزا على ما وصفناه من
(1) انظر: المغني في أبواب التوحيد والعدل للقاضي عبد الجبار 16/ 323.
(2)
أي: لولا ما ينطوي عليه من الفساد في ذاته.
جهة نظمه الممتنع، لكان مهما حط من رتبة البلاغة فيه، ووضع من مقدار الفصاحة في نظمه، كان أبلغ في الأعجوبة إذا صرفوا عن الإتيان بمثله، ومنعوا من معارضته، وعدلت دواعيهم عنه، فكان يستغني عن إنزاله على نظمه البديع، وإخراجه في المعرض الفصيح العجيب.
على أنه لو كان صرفوا لم يكن من قبلهم من أهل الجاهلية مصروفين عما كان يعدل به في الفصاحة والبلاغة وحسن النظم وعجيب الرصف، لأنهم لم يتحدوا، ولم تلزمهم حجته، فلما لم يوجد في كلام من قبله علم أن ما ادعاه القائل بالصرفة ظاهر البطلان
…
» (1).
وقد لخص السيوطي ردودهم على هذه الفرية، أو الزعم، بقوله:
«وهذا قول فاسد بدليل قوله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ
…
الآية، فإنها تدل على عجزهم مع بقاء قدرتهم، ولو سلبوا القدرة لم تبق فائدة لاجتماعهم، لمنزلته منزلة اجتماع الموتى، وليس عجز الموتى مما يحتفل بذكره.
والإجماع منعقد على إضافة الإعجاز إلى القرآن، فكيف يكون معجزا وليس فيه صفة إعجاز، بل المعجز هو الله تعالى حيث سلبهم القدرة على الإتيان بمثله.
وأيضا فيلزم من القول بالصرفة زوال الإعجاز بزوال زمن التحدّي، وخلو القرآن من الإعجاز، وفي ذلك خرق لإجماع الأمة أن معجزة الرسول العظمى باقية، ولا معجزة له باقية سوى القرآن.
…
ولو كانت المعارضة ممكنة وإنما منع منها الصرفة لم يكن الكلام معجزا، وإنما يكون بالمنع معجزا، فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره في نفسه» (2).
(1) إعجاز القرآن تحقيق الأستاذ السيد أحمد صقرص 41 - 42 الطبعة الأولى- دار المعارف.
(2)
الإتقان للسيوطي 2/ 118.