الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العظيم: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) وكذب الزائغون والمرجفون!
وأخيرا، فإننا لا نشك- بهذه المناسبة- في أن الذين ينسبون القرآن إلى التحريف والتبديل، وإلى الزيادة والنقصان، يخرجون إلى ساحة الكفر لتكذيبهم بهذا التكفل
الإلهي الذي حفظه من ذلك! ولأن معنى قوله تعالى: أُحْكِمَتْ آياتُهُ «منع الخلق من القدرة على أن يزيدوا فيها، أو ينقصوا منها، أو يعارضوها بمثلها» كما قال بعض العلماء (1) والله تعالى أعلم.
سادسا- رسم المصحف أو الرسم العثماني:
يراد بالرسم: رسم الحروف الهجائية التي تدل على الكلام، ويراد بالرسم العثماني: رسم القرآن بالطريقة التي تمت على عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان- رضي الله عنه، وهي الطريقة التي اتبعتها اللجنة الرباعية المتقدمة التي وكل إليها أمر استنساخ مصاحف الأمصار.
وإذا كان الأصل في المكتوب- كما يقال- أن يوافق المنطوق تمام الموافقة من غير تعديل ولا تغيير، فإن المصاحف العثمانية لم تجر على هذا الأصل تماما فوجدت بها حروف كثيرة جاء رسمها غير موافق لأداء النطق، بحسب بعض قواعد خاصة في الخط والهجاء. وتعود هذه القواعد الخاصة جميعا إلى الحذف والزيادة والبدل والوصل والفصل، وما فيه قراءتان فيكتب على إحداهما (2) مما أسهم في شرحه وضرب الشواهد القرآنية عليه، كثير من العلماء منهم السيوطي في الإتقان، والزركشي في البرهان الذي أفاض في ذلك تحت عنوان «اختلاف رسم الكلمات في المصحف والحكمة فيه» (3) إلى جانب العلماء الآخرين الذين أفردوا هذا الفن
(1) راجع القرطبي 1/ 84.
(2)
انظر مفتاح السعادة 2/ 229.
(3)
الزركشي في البرهان 1/ 280، وانظر مناهل العرفان 1/ 362.
بالتأليف، منهم أبو عمرو الداني في كتابه «المقنع» وأبو العباس المراكشي في كتابه «عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل» وغيرهما.
وقد بقي هذا الرسم العثماني سنّة متبعة إلى يوم الناس هذا، لا يغير ولا يبدل، وإلى ذلك ذهب علماء المسلمين على مدى العصور، فكرهوا أو حرّموا تغييره تبعا لتغير رسوم الهجاء باختلاف الزمان والمكان؛ وزيادة في الحيطة والخشية والحذر من أي تغيير يعود أو يصيب النص القرآني ولو في ناحية شكلية محضة؛ سئل الإمام مالك:«هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال: لا .. إلا على الكتبة الأولى» وقال الإمام أحمد بن حنبل: «يحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك» .
أما صور اختلاف الرسم العثماني عن «الرسم الإملائي» فكثيرة، ذكر ابن قتيبة أن من أشهرها حذف ألف التثنية: قال «رجلن» - قال رجلان- وكتابة:
«الصلاة، والزكاة، والحياة» بالواو: الصلاة، والزكوة، والحيوة. وكتابة «الربو» - الربا- بالواو. كما كتبوا «فمال الذين كفروا» بلام منفردة. وكتبوا «أو لا أذبحنّه» بزيادة ألف، وكذلك «ولا أوضعوا خلالكم» بزيادة ألف بعد لام ألف. قال ابن قتيبة:«وهذا أكثر في المصحف من أن نستقصيه» ونحن- في هذه العجالة- أولى بهذا القول من ابن قتيبة رحمه الله.
والذي يمكن أن نختم به هذه الفقرة، تأكيدا لما ذهب إليه العامة من كراهية تغيير هذا الرسم، أن الذي رفضه العلماء خلال العصور هو: إخضاع الرسم العثماني للتغيير بحسب تطور قواعد الرسم والإملاء، لا ترك ذلك الرسم مخالفا لهذه القواعد
…
لأن المصاحف العثمانية لم تكتب في الأصل بغير الرسم والإملاء الذي كان قائما وقت تدوينها، أو التي وضعت عند تدوين المصاحف (1)؛ فدعوى
(1) قال القرطبي: «وكتبت المصاحف على ما هو عليه غابر الدهر» 1/ 54.
مخالفة الرسم العثماني لقواعد الإملاء
…
هكذا بإطلاق، أمر غير صحيح.
أما كراهية إخضاع هذا الرسم للتطوير والتعديل الذي يطرأ مع الأيام فقد علمت سببه، وهو لذلك أمر يجب تأييده
…
ولا تخلو لغة من اللغات الحية اليوم من حروف تكتب ولا تلفظ، أو من حروف تكتب على وجه وتلفظ- في بعض الكلمات- على وجه آخر
…
إلخ، وهي أمور يصيبها التلميذ عن طريق التعلم
…
والقرآن عماد العربية وكتابها
…
والأمر في لغته التعليم، وفي القرآن الكريم نفسه المشافهة والتلقي كما قلنا في أكثر من مرة.
أما الدعوة إلى تغيير هذا الرسم تحت شعار المعاصرة والتسهيل فأعجب ما فيها- وعجائبها كثيرة لا مجال هنا للإفاضة فيها وفي الرد عليها وتقويمها- أن تكون في عصر الوسائل التعليمية المتنوعة الكثيرة والمتقدمة! وقد حفظ القرآن، وتعمم رسمه، وبقي اللسان العربي وقواعد الإملاء .. وقواعد النحو طيلة هذه القرون الخمسة عشر! وبدون تلك الوسائل التعليمية الحديثة
…
فهل يستقيم عند دعاة المعاصرة هذه- لا مطلق المعاصرة بالطبع- أن يقال فيهم وفي أبناء جيلهم ما لا نرتضيه لهم من الكسل والضعف وغير ذلك.