الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث نزول القرآن والحكمة من تنجيمه
أولا- الوحي والتنزيل:
عبّر القرآن الكريم عن كونه وحيا إلهيا، إما بمادة (الوحي) ذاتها. أو بمادة (النزول) وما يتصل بها ويشتق منها. وغالبا ما يأتي التعبير بالوحي في سياق الحديث عن نزول القرآن على النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو مخاطبته به، أو وصوله إليه.
أو- باختصار- في سياق العلاقة بين النبيّ والقرآن على وجه العموم. وغالبا ما يأتي التعبير عن القرآن الكريم بالنزول في سياق الحديث عن القرآن بوصفه حقيقة موضوعية (أنزله) الذي يعلم السّر في السماوات والأرض. أو لبيان أطراف التنزيل: الموحي به سبحانه، وأمين الوحي النازل بالقرآن: جبريل عليه السلام، ومحمد صلى الله عليه وسلم الذي (نزل) عليه القرآن.
وقد جاء التعبير بهذه المادة- النزول- وما تصرّف منها تنويها بشرف القرآن، وعلوّ مكانته ومقامه؛ مصداقا لقوله تعالى في فاتحة سورة الزخرف:
حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)[الآيات 1 - 4].
والذي نحب أن نؤكد عليه هنا هو أن الذي نزل به جبريل- عليه السلام-
هو القرآن الكريم باعتبار أنه الألفاظ المعجزة أو الكلام العربي المعجز من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس (1)، وأنه كلام الله تعالى وحده، لا دخل لجبريل ولا لمحمد- عليه السلام في إنشائه وترتيبه، فمهمة جبريل- عليه السلام الحكاية للرسول والإيحاء إليه، وليس للنبيّ صلى الله عليه وسلم في هذا القرآن سوى وعيه وحفظه، ثم حكايته وتبليغه، ثم بيانه وتفسيره والعمل بمقتضاه. قال تعالى:
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)[سورة النمل، الآية 6].
وقال: وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي [سورة الأعراف، الآية 203].
(1) يرى بعض العلماء أن في قوله تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ما يشير إلى أن تنزلات القرآن كانت إلى اللوح المحفوظ، وأنه تنزل إليه جملة لا مفرقا، لأن أسرار تنجيم القرآن على النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يعقل تحققها في هذا التنزيل، ويقولون أيضا إن هنا لك تنزلا ثانيا إلى السماء الدنيا، بدليل قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ وقوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وقوله تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ فيستدلون بهذه الآيات مجتمعة على نزوله جملة في ليلة القدر من شهر رمضان، لأن نزوله الثالث على النبيّ صلى الله عليه وسلم كان مفرقا في ثلاث وعشرين سنة كما هو معلوم. ويتعين الذهاب إلى هذا التفسير إذا ثبتت التنزلات الثلاثة بالأحاديث الصحيحة، أو يقال في مثل هذه الحال: إن هذا التفسير وارد بدليل تلك الأحاديث، لأن هذه الآيات تحتمل وجها آخر من وجوه التفسير. وقد لا يفهم من الآية الأولى التي استدل بها على التنزيل الأول إلى اللوح المحفوظ أكثر من أن القرآن الكريم عند الله ثابت، قوله هو المرجع الأخير في كل يتناوله من الأمور، وأن كل ما قضاه الله عز وجل من قرآن وغيره هو في هذا اللوح، الذي لا يدرك البشر طبيعته، لأنه من أمر الغيب الذي تفرد الله بعلمه، كما أن الآيات الأخرى التي استدل بها على التنزل الثاني تفيد أن ليلة القدر من رمضان كانت بدء نزول القرآن على النبيّ صلى الله عليه وسلم أي أن القرآن ابتدئ تنزيله في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك منجما في أوقات مختلفة من سائر الأزمان. والله تعالى أعلم. راجع الإتقان للسيوطي 1/ 116 - 120. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار التراث 1985 القاهرة.
وقال تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)[سورة يونس، الآية 15].
وإذا كانت هذه النصوص في شأن إيحاء المعاني، فإن الآيات التالية دالة على أن الوحي كان باللفظ أيضا- كما أشرنا إلى طرف من ذلك في موضوع الوحي- قال تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (6)[سورة الأعلى: الآية 87].
وقال تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (19)[سورة القيامة، الآيات 16 - 19].
وقال تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)[سورة العلق، الآية 1].
وقال عزّ من قائل: أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)[سورة المزمل، الآية 4].
والإقراء، وتحريك اللسان، والترتيل
…
إنما هي من عوارض الألفاظ لا المعاني كما هو معلوم.
وقد قال بعض العلماء في تفسير الآيات السابقة من سورة القيامة: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)
…
الآيات؛ إن سبب نزولها أن الرسول كان إذا نزل القرآن عجل بتحريك لسانه به، أي بقراءته، حبا له، أو حتى يحفظه ولا ينساه، فنهاه الله عز وجل عن ذلك وأمره بالاستماع إلى جبريل، وطمأنه بأن عليه- سبحانه- جمعه له في صدره حتى يحفظه، وقراءته عليه حتى يعيه إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ أي قرأه الملك عليك بأمرنا فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ أي أتبع قراءته بقراءتك.
(1) صحيح البخاري 1/ 4. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه إذا-