الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه الآية هذا الموضع من هذه السورة:* إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى [سورة النحل، الآية 90].
ولقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة السور القرآنية على مسمع من الصحابة مرتبة الآيات على نحو وجودها في الرقاع، وفي المصاحف بعد ذلك، كقراءته لسورة «الروم» في صلاة الفجر، وسورة «هل أتى على الإنسان» في صبح يوم الجمعة، وقراءته سورة «الجمعة» وسورة «المنافقين» أو سورتا «الأعلى» و «الغاشية» في صلاة الجمعة. وروى الإمام مسلم من حديث حذيفة قال:«صليت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح «البقرة» فقلت: يركع عند المائة ثم مضى فقلت:
يصلي بها ركعة، فمضى ثم افتتح «النساء» فقرأها
…
الحديث».
وهنالك أحاديث في فضائل السور، وأحاديث أخرى في تحديد بعض الآيات من بعض السور، كخواتيم سورة البقرة، أو العشر الأوائل من سورة الكهف، أو العشر الأواخر منها
…
مما يدل على تأليفها على هذا النحو (1).
والذي يبدو لنا أن موضوع التوقيف في ترتيب الآيات في السورة الواحدة مما لا يتصور فيه خلاف، بعد هذا، ولأن مسألة «النظم» القرآني التي تشكل أبرز دلائل الإعجاز في القرآن- كما سنرى- تعود إلى ذلك الترتيب، مما يدل على أنه من عمل الوحي يقينا، والله أعلم.
(ب) ترتيب السور:
أما ترتيب السور في المصحف على ما هو عليه فقد ذهب جمهور العلماء إلى أنه توقيفي كترتيب الآيات سواء بسواء، قال أبو جعفر النحاس: «المختار أن تأليف السور على هذا الترتيب من رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديث واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطيت مكان التوراة السبع الطوال، وأعطيت مكان الزبور المئين،
(1) انظر الإتقان 1/ 103 - 105، وجامع الأصول 8/ 469 فما بعدها.
وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفضلت بالمفصّل، قال أبو جعفر: وهذا الحديث يدل على أن تأليف القرآن مأخوذ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأنه من ذلك الوقت، وإنما جمع في المصحف على شيء واحد» (1) وروى ابن أبي شيبة في مصنفه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع المفصّل في ركعة، وأنه قرأ بالسبع الطوال في ركعة.
وروى البخاري من حديث عبد الرحمن بن يزيد قال: «سمعت ابن مسعود يقول في: بني إسرائيل- الإسراء- والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء: إنهنّ من العتاق الأول، وهنّ من تلادي» (2) فذكرها نسقا كما استقر ترتيبها.
ويؤكد أصحاب هذا الرأي ما ذهبوا إليه بأن المناسبات بين السور لا تقل عن النظم ووجه ارتباط الآيات بعضها ببعض في السورة الواحدة. وقد درج على بيان تلك المناسبات بعض المفسرين، وكانوا يطلبونها بين آخر السورة وأول السورة التي تليها، أو بين أول هذه السورة وجملة السورة السابقة في بعض الأحيان (3).
قال الزركشي: «لترتيب وضع السور في المصحف أسباب تطلع على أنه توقيفي صادر عن حكيم: أحدها بحسب الحروف، كما في الحواميم. وثانيها: لموافقة أول السورة
لآخر ما قبلها، كآخر الحمد في المعنى، وأول البقرة. وثالثها: للوزن في اللفظ، كآخر «تبّت» وأول الإخلاص. ورابعها: لمشابهة جملة السورة مثل:
(والضحى) و (ألم نشرح)
…
» (4).
وقد عبر عن هذا الموقف كذلك ابن الأنباري، ودافع عنه، ولخّص فيه القول على النحو التالي: قال: «إن الله تعالى أنزل القرآن جملة إلى سماء الدنيا، ثم فرّق على النبيّ صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة، وكانت السورة تنزل في أمر يحدث، والآية جوابا
(1) الإتقان 1/ 108.
(2)
صحيح البخاري 6/ 101.
(3)
انظر كتابنا الحاكم الجشمي ومنهجه في تفسير القرآن ص 373 - 380.
(4)
البرهان للزركشي 1/ 260.
لمستخبر يسأل. ويوقف جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم على موضع السورة والآية؛ فاتّساق السور كاتّساق الآيات والحروف، فكلّه عن محمد خاتم النبيين- عليه السلام عن رب العالمين، فمن أخّر سورة مقدّمة، أو قدّم أخرى مؤخرة، فهو كمن أفسد نظم الآيات، وغيّر الحروف والكلمات» (1).
ويورد السيوطي القول إن جمهور العلماء، منهم الإمام مالك، على أن ترتيب السور اجتهادي من فعل الصحابة، بدليل اختلاف مصاحفهم في هذا الترتيب، فمصحف علي بن أبي طالب على النزول «اقرأ، المدثّر، نون، المزمّل، تبّت، التكوير
…
» ومصحف عبد الله بن مسعود: «البقرة، النساء، آل عمران
…
».
ولكن هذا الإطلاق فيما يورده السيوطي- جمهور العلماء! - يتعارض بشكل حاد مع الروايات الصحيحة الدالّة على أن سورا قرآنية كثيرة كانت مرتبة على هذا النحو زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم. أما ترتيب الصحابة لمصاحفهم فلم يكن أكثر من اختيار وقتي، أو مطلق جمع للقرآن، ولهذا فإنهم لم يلتزموا الدفاع عنه، بل وجدناهم قد التزموا وأقرّوا بالترتيب الذي أقرته اللجنة العثمانية التي تحدثنا عنها. وقال بعض العلماء: إن اختلاف مصاحفهم- أبيّ وعلي وعبد الله- كان قبل العرض الأخير، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رتّب لهم تأليف السور بعد أن لم يكن فعل ذلك (2).
والذي يبدو لنا من مجموع الروايات والآراء حول هذا الموضوع أن معظم سور القرآن الكريم كانت مرتبة على هذا النحو في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأن العدد الأقل. أو عددا قليلا لعلّه لا يتعدى سورتين أو ثلاثا أو بضع سور- على أبعد تقدير- قد رتب على يد الصحابة- رضوان الله عليهم-. قال الإمام البيهقي:
(1) تفسير القرطبي 1/ 60.
(2)
المصدر السابق.