المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيتان: (38- 40) [سورة المائدة (5) : الآيات 38 الى 40] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٣

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآية: (24) [سورة النساء (4) : آية 24]

- ‌زواج المتعة.. والرأى فيه

- ‌الآية: (25) [سورة النساء (4) : آية 25]

- ‌الآيات: (26- 28) [سورة النساء (4) : الآيات 26 الى 28]

- ‌الآيتان: (29- 30) [سورة النساء (4) : الآيات 29 الى 30]

- ‌الآية: (31) [سورة النساء (4) : آية 31]

- ‌الآية: (32) [سورة النساء (4) : آية 32]

- ‌الآية: (33) [سورة النساء (4) : آية 33]

- ‌الآيتان: (34- 35) [سورة النساء (4) : الآيات 34 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 39) [سورة النساء (4) : الآيات 36 الى 39]

- ‌الآيات: (40- 42) [سورة النساء (4) : الآيات 40 الى 42]

- ‌الآية: (43) [سورة النساء (4) : آية 43]

- ‌الآيات: (44- 46) [سورة النساء (4) : الآيات 44 الى 46]

- ‌الآيتان: (47- 48) [سورة النساء (4) : الآيات 47 الى 48]

- ‌الآيتان: (49- 50) [سورة النساء (4) : الآيات 49 الى 50]

- ‌الآيات: (51- 52- 53- 54- 55- 56- 57) [سورة النساء (4) : الآيات 51 الى 57]

- ‌الآيتان: (58- 59) [سورة النساء (4) : الآيات 58 الى 59]

- ‌الآيات: (60- 61- 62- 63) [سورة النساء (4) : الآيات 60 الى 63]

- ‌الآيتان: (64- 65) [سورة النساء (4) : الآيات 64 الى 65]

- ‌الآيات: (66- 67- 68) [سورة النساء (4) : الآيات 66 الى 68]

- ‌الآيتان: (69- 70) [سورة النساء (4) : الآيات 69 الى 70]

- ‌الآية: (71- 72- 73) [سورة النساء (4) : الآيات 71 الى 73]

- ‌الآية: (74) [سورة النساء (4) : آية 74]

- ‌الآية: (75) [سورة النساء (4) : آية 75]

- ‌الآية: (76) [سورة النساء (4) : آية 76]

- ‌الآية: (77) [سورة النساء (4) : آية 77]

- ‌الآيات: (78- 79- 80) [سورة النساء (4) : الآيات 78 الى 80]

- ‌الآيات: (81- 83) [سورة النساء (4) : الآيات 81 الى 83]

- ‌الآية: (84) [سورة النساء (4) : آية 84]

- ‌الآية: (85) [سورة النساء (4) : آية 85]

- ‌الآية: (86- 87) [سورة النساء (4) : الآيات 86 الى 87]

- ‌الآية: (88) [سورة النساء (4) : آية 88]

- ‌الآيتان: (89- 90) [سورة النساء (4) : الآيات 89 الى 91]

- ‌الآية: (92) [سورة النساء (4) : آية 92]

- ‌الآية: (93) [سورة النساء (4) : آية 93]

- ‌الآية: (94) [سورة النساء (4) : آية 94]

- ‌الآيتان: (95- 96) [سورة النساء (4) : الآيات 95 الى 96]

- ‌آية: (97- 99) [سورة النساء (4) : الآيات 97 الى 99]

- ‌الآية: (100) [سورة النساء (4) : آية 100]

- ‌الآية: (101) [سورة النساء (4) : آية 101]

- ‌الآية: (102) [سورة النساء (4) : آية 102]

- ‌الآية: (103) [سورة النساء (4) : آية 103]

- ‌الآية: (104) [سورة النساء (4) : آية 104]

- ‌الآيتان: (106- 105) [سورة النساء (4) : الآيات 105 الى 106]

- ‌الآيات: (107- 109) [سورة النساء (4) : الآيات 107 الى 109]

- ‌الآيات: (110- 112) [سورة النساء (4) : الآيات 110 الى 112]

- ‌الآية: (113) [سورة النساء (4) : آية 113]

- ‌الآيتان: (114- 115) [سورة النساء (4) : الآيات 114 الى 115]

- ‌الآيات: (116- 121) [سورة النساء (4) : الآيات 116 الى 121]

- ‌الآيات: (122- 123- 124) [سورة النساء (4) : الآيات 122 الى 124]

- ‌الآيتان: (125- 126) [سورة النساء (4) : الآيات 125 الى 126]

- ‌الآيات: (127- 130) [سورة النساء (4) : الآيات 127 الى 130]

- ‌الآيات: (131- 134) [سورة النساء (4) : الآيات 131 الى 134]

- ‌الآية: (135) [سورة النساء (4) : آية 135]

- ‌الآية: (136) [سورة النساء (4) : آية 136]

- ‌الآيات: (137- 139) [سورة النساء (4) : الآيات 137 الى 139]

- ‌الآية: (140) [سورة النساء (4) : آية 140]

- ‌الآية: (141) [سورة النساء (4) : آية 141]

- ‌الآيتان: (142- 143) [سورة النساء (4) : الآيات 142 الى 143]

- ‌الآيات: (144- 147) [سورة النساء (4) : الآيات 144 الى 147]

- ‌الآيتان: (148- 149) [سورة النساء (4) : الآيات 148 الى 149]

- ‌الآيتان: (150- 151) [سورة النساء (4) : الآيات 150 الى 151]

- ‌الآية: (152) [سورة النساء (4) : آية 152]

- ‌الآيتان: (153- 154) [سورة النساء (4) : الآيات 153 الى 155]

- ‌الآيات: (156- 158) [سورة النساء (4) : الآيات 156 الى 158]

- ‌القرآن والمسيح المصلوب

- ‌المسيح المصلوب:

- ‌الآية: (159) [سورة النساء (4) : آية 159]

- ‌الآيتان: (160- 161) [سورة النساء (4) : الآيات 160 الى 161]

- ‌الآية: (162) [سورة النساء (4) : آية 162]

- ‌الآيات: (163- 165) [سورة النساء (4) : الآيات 163 الى 165]

- ‌الآيات: (166- 169) [سورة النساء (4) : الآيات 166 الى 169]

- ‌(الآية: 170) [سورة النساء (4) : آية 170]

- ‌الآيات: (171- 173) [سورة النساء (4) : الآيات 171 الى 173]

- ‌الآيات: (174- 175) [سورة النساء (4) : الآيات 174 الى 175]

- ‌الآية: (176) [سورة النساء (4) : آية 176]

- ‌5- سورة المائدة

- ‌الآية: (1) [سورة المائدة (5) : آية 1]

- ‌الآية: (2) [سورة المائدة (5) : آية 2]

- ‌الآية: (3) [سورة المائدة (5) : آية 3]

- ‌الآية: (4) [سورة المائدة (5) : آية 4]

- ‌الآية: (5) [سورة المائدة (5) : آية 5]

- ‌الآية: (6) [سورة المائدة (5) : آية 6]

- ‌الآية: (7) [سورة المائدة (5) : آية 7]

- ‌الآية: (8- 10) [سورة المائدة (5) : الآيات 8 الى 10]

- ‌الآية: (11) [سورة المائدة (5) : آية 11]

- ‌الآية: (12) [سورة المائدة (5) : آية 12]

- ‌الآية: (13) [سورة المائدة (5) : آية 13]

- ‌الآية: (14) [سورة المائدة (5) : آية 14]

- ‌(الآيتان: 15- 16) [سورة المائدة (5) : الآيات 15 الى 16]

- ‌الآية: (17) [سورة المائدة (5) : آية 17]

- ‌الآية: (18) [سورة المائدة (5) : آية 18]

- ‌الآية: (19) [سورة المائدة (5) : آية 19]

- ‌الآيات: (20- 26) [سورة المائدة (5) : الآيات 20 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 29) [سورة المائدة (5) : الآيات 27 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 31) [سورة المائدة (5) : الآيات 30 الى 31]

- ‌الآية: (32) [سورة المائدة (5) : آية 32]

- ‌الآيتان: (33- 34) [سورة المائدة (5) : الآيات 33 الى 34]

- ‌الآية: (35) [سورة المائدة (5) : آية 35]

- ‌الآيتان: (36- 37) [سورة المائدة (5) : الآيات 36 الى 37]

- ‌الآيتان: (38- 40) [سورة المائدة (5) : الآيات 38 الى 40]

- ‌الآية: (41) [سورة المائدة (5) : آية 41]

- ‌الآية: (42- 43) [سورة المائدة (5) : الآيات 42 الى 43]

- ‌الآية: (44) [سورة المائدة (5) : آية 44]

- ‌الآية: (45) [سورة المائدة (5) : آية 45]

- ‌الآيتان: (46- 47) [سورة المائدة (5) : الآيات 46 الى 47]

- ‌الآية: (48) [سورة المائدة (5) : آية 48]

- ‌الآية: (49) [سورة المائدة (5) : آية 49]

- ‌الآية: (50) [سورة المائدة (5) : آية 50]

- ‌الآيتان: (51- 53) [سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 53]

- ‌الآيات: (54- 56) [سورة المائدة (5) : الآيات 54 الى 56]

- ‌الآيتان: (57- 58) [سورة المائدة (5) : الآيات 57 الى 58]

- ‌الآيتان: (59- 60) [سورة المائدة (5) : الآيات 59 الى 60]

- ‌الآيات: (61- 63) [سورة المائدة (5) : الآيات 61 الى 63]

- ‌الآية: (64) [سورة المائدة (5) : آية 64]

- ‌الآية: (65- 66) [سورة المائدة (5) : الآيات 65 الى 66]

- ‌الآية: (67) [سورة المائدة (5) : آية 67]

- ‌الآية: (68) [سورة المائدة (5) : آية 68]

- ‌الآية: (69) [سورة المائدة (5) : آية 69]

- ‌الآيتان: (70- 71) [سورة المائدة (5) : الآيات 70 الى 71]

- ‌الآيات: (72- 77) [سورة المائدة (5) : الآيات 72 الى 77]

- ‌الآيات: (78- 81) [سورة المائدة (5) : الآيات 78 الى 81]

الفصل: ‌الآيتان: (38- 40) [سورة المائدة (5) : الآيات 38 الى 40]

من عذاب الآخرة، ولو كان لهم ما فى هذه الدنيا، وما فى دنيا مثلها..

وفى وصف العذاب بأنه «أليم» ثم وصفه بأنه «مقيم» استكمال لصورة هذا العذاب، وأنه يجمع بين الألم، واستمرار هذا الألم، الذي يقيمون فيه إقامة دائمة لا نهاية لها..

‌الآيتان: (38- 40)[سورة المائدة (5) : الآيات 38 الى 40]

وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)

التفسير: وإذ جاء فى الآيات السابقة حكم الله فيمن يحادّون الله ورسوله، ويسعون فى الأرض فسادا، فقد كان من المناسب أن يرد بعد ذلك حكم السرقة، وجزاء مقترفها، إذ هى ضرب من ضروب الفساد فى الأرض.. ثم لأنها لم تبلغ من غلظ الجرم ما بلغت الجرائم السابقة، فقد خرجت من هذا الحكم العام لتلك الجرائم، وأفرد لها هذا الحكم الخاص بها..

والمرأة والرجل سيّان فى الحدّ الواجب على السارق، وهو قطع يده اليمنى، من مفصل الرسغ، وذلك لأن اليمنى غالبا هى التي يستخدمها السارق فى السرقة، فكان قطعها عقوبة له، وكأنه فى نفس الوقت عقوبة لليد التي سرقت! وشرط إقامة الحدّ فى السرقة، أن يكوون المسروق مالا مقوّما شرعا..

فسرقة الخمر والخنزير لا قطع فيها، وأن يكون هذا المال محروزا فى حرز مالكه

ص: 1093

وحفظه، فسرقة المال المتروك من غير حرز، ولا حراسة.. لا قطع فيه، ويشترط كذلك أن يكون المال ذا قيمة معتبرة.. وقد قدرها بعض الفقهاء بعشرة دراهم كما قدرها بعضهم بربع دينار.

هذا، وليس ذلك التغليظ فى عقوبة السرقة قسوة من الإسلام، واستخفافا بالإنسان، واسترخاصا لوجوده كما يقول ذلك- زورا وبهتانا- من يكيدون للإسلام، ويبيّتون له مالا يرضى من القول.. وإنما ذلك العقاب هو الجزاء العادل الرحيم، إزاء هذا الجرم الشنيع، الذي يعدّه الإسلام من أشنع الجرائم، إذ هو اعتداء على حرمة الإنسان، فى أعزّ ما يحرص عليه، وهو المال.

ولا بأس من أن نلفت أولئك الذين يتهمون الإسلام بالوحشية والحيوانية إلى ما جهلوه أو تجاهلوه من حكمة الإسلام، وتقديره السليم العادل لجريمة السرقة، ووزنها بالعدل والقسطاس.. بين السارق والمسروق منه..

فأولا: السرقة اعتداء خفىّ على حرمة الإنسان، واستباحة لماله الذي هو بمنزلة النفس عند صاحبه! وإذا كانت المدنيّة الحديثة قد استخفّت بهذه الجريمة، حتى استباحت سرقة الأمم والشعوب، فإن الإسلام الذي يحترم الإنسان- من حيث هو إنسان، ويرعى حرمته فى دمه، وماله وعرضة، كما يقول نبى الإسلام:«كل المسلم على المسلم حرام.. دمه، وماله، وعرضه» - فإن الإسلام لا يستخفّ بهذه الجريمة، بل يضعها موضعها بين الجرائم الغليظة، ولا تأخذه رحمة فيمن لا يرحم الناس، والله سبحانه وتعالى يقول:«وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ» (252: البقرة) .

وهذا الحدّ الذي فرضه الإسلام لقطع يد السارق، هو بعض ما يدفع الله به

ص: 1094

الناس، بعضهم بعض، وهو بعض فضله على عباده.

وثانيا- ليس القطع فى السرقة فى مطلق السرقة، أىّ سرقة، بل لا بد من توافر شروط تتم بها أركان هذه الجريمة الموجبة للقطع، وهذه الأركان هى:

(1)

أن يكون المسروق شيئا ذا قيمة- أي له اعتبار فى حياة الناس الاقتصادية.. وكانت هذه القيمة تقدر فى عهد النبي صلى الله عليه وسلم بربع دينار- أي ثلاثة دراهم-.

وهذا النصاب الموجب للقطع، يقدّر فى كل زمان ومكان بحسب قوته الشرائية بالنسبة لعصر النبوة. والمعتبر فى هذا هو أنه مال له قيمته، وله أثره، سواء أكان نقدا أو ما يقوّم بالنقد.

(2)

أن تقع السرقة فى مال محروز، أي أن السارق يسرقه من حرز، فالمال الضائع، والثمر الذي يكون على الشجر بلا حائط يحيط به، والماشية التي لا راعى عندها، ونحو هذا، لا يقام على السارق حد فيه، ولكن يعزّر ويضاعف عليه العرم.

(3)

ما أخذ بالفم من ثمر على شجر، وأكل، ولم يحمل منه شىء- لا قطع فيه، ولا تعزير. ومن احتمل شيئا غير ما أكل فعليه ضعف ثمنه، ويضرب نكالا له، وزجرا لغيره.

(4)

السرقة فى أوقات المجاعات ليس فيها قطع.

(5)

هناك ظروف وأحوال يراها ولىّ الأمر، ويقدّرها، فى حال السارق، وظروفه، فيعزّره ولا يقطع يده، حيث تلوح له أية شبهة يدفع بها الحدّ، فقد روى عن أميّة المخزومي رضى الله عنه، قال: «أتى النبي صلى الله عليه وسلم بلصّ قد اعترف اعترافا، ولم يوجد معه متاع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ص: 1095

«ما إخالك سرقت؟» قال «بلى» (أي سرقت) فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا، فأمر به فقطع، وجىء به، فقال له النبي الكريم:«استغفر الله وتب إليه» فقال: أستغفر الله وأتوب إلى الله.. فقال نبىّ الرحمة: «اللهم تب عليه» ثلاثا.. أي قال النبىّ ذلك الدعاء ثلاث مرات.

(5)

يجوز لصاحب المال المسروق إذا ضبط السارق أن يعفو عنه قبل أن يصل الأمر إلى القضاء، فقد روى أن النبىّ صلى الله عليه وسلم، قال لصفوان ابن أميّة وقد جاء ليشفع فيمن سرق رداءه- أي رداء صفوان-:«هلّا كان ذلك قبل أن تأتينى به؟» .

وقوله تعالى: «فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ» هو عزاء لهؤلاء الذين اقترفوا جريمة السّرقة، سواء أقيم عليهم الحدّ فيها، أو أفلتوا من إقامة الحدّ..

وليس عزاء كهذا العزاء الذي يقدمه الله إليهم، وقد أفسدوا إنسانيتهم بهذا الجرم الذي ارتكبوه، فجاءهم هذا العزاء فى صورة دعوة كريمة من رب كريم، يدعوهم فيها إلى جناب رحمته ومغفرته، إذا هم أرادوا أن يلوذوا بهذا الجناب الكريم، وأن يستظلوا به، وذلك بأن يستشعروا الندم عن جرمهم، وأن يبرءوا إلى الله منه بالتوبة والإنابة والاستغفار، فإنهم إن فعلوا قبل الله توبتهم وغفر لهم ذنبهم:«ومن يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً» .

وقوله تعالى: «أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» هو إلفات للطائعين والعاصين جميعا، وأنهم كلهم فى قبضة الله، يعذب من يشاء منهم جزاء ما ارتكب من إثم، وقارف من ذنب، ويغفر لمن يشاء، فضلا منه وكرما.. فهو القادر على كل شىء، والمالك لكل شىء!

ص: 1096

وفى تقديم العذاب هنا على المغفرة- نظر.. إذ كانت رحمة الله تسبق غضبه وعذابه أبدا: ولكن إذ كان الموقف هنا موقف محاسبة للمذنبين، ثم مغفرة ورحمة لمن تاب ورجع إلى الله منهم- كان ذكر العذاب مقدّما على ذكر المغفرة بالنسبة لهم، ولو تقدمت المغفرة على العذاب هنا لما كان لعقاب المذنبين- مع سبق الرحمة- مكان، ولشملتهم الرحمة قبل أن يؤخذوا بجرمهم، ويقام الحدّ عليهم، وإلا لسقطت الحدود، واضطرب نظام المجتمع! فكان تقديم العقاب أخذا لحق الله وحق العباد أولا، ثم تجىء مغفرة الله ورحمته، فتمحو آثار هذا العقاب وتعفّى عليه، لمن وجّه وجهه إلى الله، وطلب الصفح والمغفرة.

وقدّم السارق على السارقة.. لأن الرّجل أجرأ من المرأة على السرقة، وأكثر تمرسا بها.. كما قدّمت المرأة على الرجل فى جريمة الزنا، فى قول الله تعالى:«الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ» - لأن هذه الجريمة لا تتم إلا بالرجل والمرأة معا، والمرأة هى صاحبة الموقف هنا، وبيدها الأمر فيه، لأن الرجل طالب وهى مطلوبة، فإذا لم تعطه نفسها، ولم تمكنه منها فاته مطلوبه ولم تقع الجريمة..

ص: 1097