المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيتان: (153- 154) [سورة النساء (4) : الآيات 153 الى 155] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٣

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآية: (24) [سورة النساء (4) : آية 24]

- ‌زواج المتعة.. والرأى فيه

- ‌الآية: (25) [سورة النساء (4) : آية 25]

- ‌الآيات: (26- 28) [سورة النساء (4) : الآيات 26 الى 28]

- ‌الآيتان: (29- 30) [سورة النساء (4) : الآيات 29 الى 30]

- ‌الآية: (31) [سورة النساء (4) : آية 31]

- ‌الآية: (32) [سورة النساء (4) : آية 32]

- ‌الآية: (33) [سورة النساء (4) : آية 33]

- ‌الآيتان: (34- 35) [سورة النساء (4) : الآيات 34 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 39) [سورة النساء (4) : الآيات 36 الى 39]

- ‌الآيات: (40- 42) [سورة النساء (4) : الآيات 40 الى 42]

- ‌الآية: (43) [سورة النساء (4) : آية 43]

- ‌الآيات: (44- 46) [سورة النساء (4) : الآيات 44 الى 46]

- ‌الآيتان: (47- 48) [سورة النساء (4) : الآيات 47 الى 48]

- ‌الآيتان: (49- 50) [سورة النساء (4) : الآيات 49 الى 50]

- ‌الآيات: (51- 52- 53- 54- 55- 56- 57) [سورة النساء (4) : الآيات 51 الى 57]

- ‌الآيتان: (58- 59) [سورة النساء (4) : الآيات 58 الى 59]

- ‌الآيات: (60- 61- 62- 63) [سورة النساء (4) : الآيات 60 الى 63]

- ‌الآيتان: (64- 65) [سورة النساء (4) : الآيات 64 الى 65]

- ‌الآيات: (66- 67- 68) [سورة النساء (4) : الآيات 66 الى 68]

- ‌الآيتان: (69- 70) [سورة النساء (4) : الآيات 69 الى 70]

- ‌الآية: (71- 72- 73) [سورة النساء (4) : الآيات 71 الى 73]

- ‌الآية: (74) [سورة النساء (4) : آية 74]

- ‌الآية: (75) [سورة النساء (4) : آية 75]

- ‌الآية: (76) [سورة النساء (4) : آية 76]

- ‌الآية: (77) [سورة النساء (4) : آية 77]

- ‌الآيات: (78- 79- 80) [سورة النساء (4) : الآيات 78 الى 80]

- ‌الآيات: (81- 83) [سورة النساء (4) : الآيات 81 الى 83]

- ‌الآية: (84) [سورة النساء (4) : آية 84]

- ‌الآية: (85) [سورة النساء (4) : آية 85]

- ‌الآية: (86- 87) [سورة النساء (4) : الآيات 86 الى 87]

- ‌الآية: (88) [سورة النساء (4) : آية 88]

- ‌الآيتان: (89- 90) [سورة النساء (4) : الآيات 89 الى 91]

- ‌الآية: (92) [سورة النساء (4) : آية 92]

- ‌الآية: (93) [سورة النساء (4) : آية 93]

- ‌الآية: (94) [سورة النساء (4) : آية 94]

- ‌الآيتان: (95- 96) [سورة النساء (4) : الآيات 95 الى 96]

- ‌آية: (97- 99) [سورة النساء (4) : الآيات 97 الى 99]

- ‌الآية: (100) [سورة النساء (4) : آية 100]

- ‌الآية: (101) [سورة النساء (4) : آية 101]

- ‌الآية: (102) [سورة النساء (4) : آية 102]

- ‌الآية: (103) [سورة النساء (4) : آية 103]

- ‌الآية: (104) [سورة النساء (4) : آية 104]

- ‌الآيتان: (106- 105) [سورة النساء (4) : الآيات 105 الى 106]

- ‌الآيات: (107- 109) [سورة النساء (4) : الآيات 107 الى 109]

- ‌الآيات: (110- 112) [سورة النساء (4) : الآيات 110 الى 112]

- ‌الآية: (113) [سورة النساء (4) : آية 113]

- ‌الآيتان: (114- 115) [سورة النساء (4) : الآيات 114 الى 115]

- ‌الآيات: (116- 121) [سورة النساء (4) : الآيات 116 الى 121]

- ‌الآيات: (122- 123- 124) [سورة النساء (4) : الآيات 122 الى 124]

- ‌الآيتان: (125- 126) [سورة النساء (4) : الآيات 125 الى 126]

- ‌الآيات: (127- 130) [سورة النساء (4) : الآيات 127 الى 130]

- ‌الآيات: (131- 134) [سورة النساء (4) : الآيات 131 الى 134]

- ‌الآية: (135) [سورة النساء (4) : آية 135]

- ‌الآية: (136) [سورة النساء (4) : آية 136]

- ‌الآيات: (137- 139) [سورة النساء (4) : الآيات 137 الى 139]

- ‌الآية: (140) [سورة النساء (4) : آية 140]

- ‌الآية: (141) [سورة النساء (4) : آية 141]

- ‌الآيتان: (142- 143) [سورة النساء (4) : الآيات 142 الى 143]

- ‌الآيات: (144- 147) [سورة النساء (4) : الآيات 144 الى 147]

- ‌الآيتان: (148- 149) [سورة النساء (4) : الآيات 148 الى 149]

- ‌الآيتان: (150- 151) [سورة النساء (4) : الآيات 150 الى 151]

- ‌الآية: (152) [سورة النساء (4) : آية 152]

- ‌الآيتان: (153- 154) [سورة النساء (4) : الآيات 153 الى 155]

- ‌الآيات: (156- 158) [سورة النساء (4) : الآيات 156 الى 158]

- ‌القرآن والمسيح المصلوب

- ‌المسيح المصلوب:

- ‌الآية: (159) [سورة النساء (4) : آية 159]

- ‌الآيتان: (160- 161) [سورة النساء (4) : الآيات 160 الى 161]

- ‌الآية: (162) [سورة النساء (4) : آية 162]

- ‌الآيات: (163- 165) [سورة النساء (4) : الآيات 163 الى 165]

- ‌الآيات: (166- 169) [سورة النساء (4) : الآيات 166 الى 169]

- ‌(الآية: 170) [سورة النساء (4) : آية 170]

- ‌الآيات: (171- 173) [سورة النساء (4) : الآيات 171 الى 173]

- ‌الآيات: (174- 175) [سورة النساء (4) : الآيات 174 الى 175]

- ‌الآية: (176) [سورة النساء (4) : آية 176]

- ‌5- سورة المائدة

- ‌الآية: (1) [سورة المائدة (5) : آية 1]

- ‌الآية: (2) [سورة المائدة (5) : آية 2]

- ‌الآية: (3) [سورة المائدة (5) : آية 3]

- ‌الآية: (4) [سورة المائدة (5) : آية 4]

- ‌الآية: (5) [سورة المائدة (5) : آية 5]

- ‌الآية: (6) [سورة المائدة (5) : آية 6]

- ‌الآية: (7) [سورة المائدة (5) : آية 7]

- ‌الآية: (8- 10) [سورة المائدة (5) : الآيات 8 الى 10]

- ‌الآية: (11) [سورة المائدة (5) : آية 11]

- ‌الآية: (12) [سورة المائدة (5) : آية 12]

- ‌الآية: (13) [سورة المائدة (5) : آية 13]

- ‌الآية: (14) [سورة المائدة (5) : آية 14]

- ‌(الآيتان: 15- 16) [سورة المائدة (5) : الآيات 15 الى 16]

- ‌الآية: (17) [سورة المائدة (5) : آية 17]

- ‌الآية: (18) [سورة المائدة (5) : آية 18]

- ‌الآية: (19) [سورة المائدة (5) : آية 19]

- ‌الآيات: (20- 26) [سورة المائدة (5) : الآيات 20 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 29) [سورة المائدة (5) : الآيات 27 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 31) [سورة المائدة (5) : الآيات 30 الى 31]

- ‌الآية: (32) [سورة المائدة (5) : آية 32]

- ‌الآيتان: (33- 34) [سورة المائدة (5) : الآيات 33 الى 34]

- ‌الآية: (35) [سورة المائدة (5) : آية 35]

- ‌الآيتان: (36- 37) [سورة المائدة (5) : الآيات 36 الى 37]

- ‌الآيتان: (38- 40) [سورة المائدة (5) : الآيات 38 الى 40]

- ‌الآية: (41) [سورة المائدة (5) : آية 41]

- ‌الآية: (42- 43) [سورة المائدة (5) : الآيات 42 الى 43]

- ‌الآية: (44) [سورة المائدة (5) : آية 44]

- ‌الآية: (45) [سورة المائدة (5) : آية 45]

- ‌الآيتان: (46- 47) [سورة المائدة (5) : الآيات 46 الى 47]

- ‌الآية: (48) [سورة المائدة (5) : آية 48]

- ‌الآية: (49) [سورة المائدة (5) : آية 49]

- ‌الآية: (50) [سورة المائدة (5) : آية 50]

- ‌الآيتان: (51- 53) [سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 53]

- ‌الآيات: (54- 56) [سورة المائدة (5) : الآيات 54 الى 56]

- ‌الآيتان: (57- 58) [سورة المائدة (5) : الآيات 57 الى 58]

- ‌الآيتان: (59- 60) [سورة المائدة (5) : الآيات 59 الى 60]

- ‌الآيات: (61- 63) [سورة المائدة (5) : الآيات 61 الى 63]

- ‌الآية: (64) [سورة المائدة (5) : آية 64]

- ‌الآية: (65- 66) [سورة المائدة (5) : الآيات 65 الى 66]

- ‌الآية: (67) [سورة المائدة (5) : آية 67]

- ‌الآية: (68) [سورة المائدة (5) : آية 68]

- ‌الآية: (69) [سورة المائدة (5) : آية 69]

- ‌الآيتان: (70- 71) [سورة المائدة (5) : الآيات 70 الى 71]

- ‌الآيات: (72- 77) [سورة المائدة (5) : الآيات 72 الى 77]

- ‌الآيات: (78- 81) [سورة المائدة (5) : الآيات 78 الى 81]

الفصل: ‌الآيتان: (153- 154) [سورة النساء (4) : الآيات 153 الى 155]

وقوله تعالى: «وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً» هو الجزاء الذي يؤخذ به هؤلاء الكافرون المنافقون.. إنه العذاب المهين، المعدّ لهم يوم الفصل والجزاء.

‌الآية: (152)[سورة النساء (4) : آية 152]

وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (152)

التفسير: وفى مقابل هذا العذاب المهين الذي يصلاه الكافرون والمنافقون، يتقلّب المؤمنون، الذين آمنوا بالله إيمانا خالصا، فصدّقوا رسله، وآمنوا بهم جميعا، ولم يفرقوا بين أحد منهم كما فعل هؤلاء المنافقون الكافرون- يتقلب هؤلاء المؤمنون فى رضوان الله، ويلقون من رحمته ومغفرته، ما يغسل أدرانهم، ويمحو سيئاتهم، ويفتح لهم أبواب الجنات، يلقّون فيها تحية وسرورا..

‌الآيتان: (153- 154)[سورة النساء (4) : الآيات 153 الى 155]

يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (153) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (154) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَاّ قَلِيلاً (155)

ص: 958

التفسير: ومما هو من قبيل الجهر بالسوء من القول، تلك الأسئلة الخبيثة الفاجرة، التي يسألها أهل الكتاب- والمراد بهم اليهود- ويلقون بها بين يدى النبي الكريم، فى تحدّ وقاح! وسؤالهم هنا، هو أن ينزل النبي عليهم كتابا من السّماء.. يرونه رأى العين، كما رأوا تلك المائدة التي أنزلها الله على عيسى عليه السلام، حين اقترحوا عليه ذلك، ولكنهم- مع هذا- لم يؤمنوا به، ولم يصدقوا رسالته..

ومن قبل كان اليهود يلقون إلى مشركى مكة بمثل هذه المقترحات، ليعنتوا بها النبىّ، وليقيموا لهم حجة عليه.. فكان من ذلك ما كشفه القرآن الكريم فى قوله تعالى.

«وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا»

ص: 959

فلما التقى اليهود بالنبي فى المدينة، وواجهوه بكفرهم وعنادهم، أعادوا هذا السؤال الذي كانوا قد صاغوه من قبل لمشركى مكة..

وفى قوله تعالى: «فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً» هو ردّ مفحم على هؤلاء الكافرين المعاندين.. إنهم لم يسألوا ليعلموا، أو يؤمنوا، ولكن ليشتفوا من داء اللّجاج المتمكن فيهم.. ولو أنهم كانوا يؤمنون بآيات الله، لآمنوا بما بين أيديهم من آيات مادية محسوسة، تجبه كل معاند، وتخزى كل متحدّ.. ولكنهم لا يريدون إلا اللجاج والعناد، والتطاول والسّفه..

فلقد سألوا موسى أكبر من هذا السؤال، وأبعدوا فى الوقاحة والتحدي، فقالوا أرنا الله جهرة!! وقد عاقبهم الله سبحانه على هذا العناد الفاجر.. فتجلّى لهم فى جلال جبروته ونقمته.. فأخذتهم الصاعقة بظلمهم.. ولكن لم تكن هذه الضربة القاصمة لتمسك بهم على طريق الاستقامة والهدى، بل لجوّا فى غيّهم وضلالهم، وعادوا سيرتهم الأولى فى الكفر والعناد.. فاتخذوا العجل إلها لهم يعبدونه من دون الله، ولم تنفعهم الآيات المشرقة التي جاءهم بها موسى، من ربّه.. إذ نجاهم من آل فرعون، وفرق بهم البحر، وأنزل عليهم المنّ والسلوى، وفجّر لهم من الصخر عيونا، حيث لا ماء ولا زرع، فشربوا، وزرعوا.. ولكنها القلوب القاسية، والنفوس المريضة، والطباع النكدة، لا تقبل على خير ولا تحتفظ بخير.. والله سبحانه وتعالى ويقول:

«وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً» (58: الأعراف) .

وفى توجيه الخطاب إلى جماعة اليهود عامة، سواء منهم من سألوا موسى أن يريهم الله جهرة، ومن لم يسألوه، ومن عبد العجل منهم ومن لم يعبده- فى هذا

ص: 960

ما يشير إلى أنهم جميعا من طبيعة واحدة، وعلى وجه واحد من وجوه الكفر والضلال، وأن قديمهم وحديثهم سواء، وأن الأبناء والآباء على طريق واحد، هو طريق اللجاج فى الباطل، والإغراق فى العناد.. وأن آباءهم الذين أعنتوا موسى، وكفروا بآيات الله ومكروا بها، لا يختلفون كثيرا عن هؤلاء الأبناء الذين التقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فعادوا سيرة آبائهم فى أنبياء لله، مع هذا النبىّ الكريم، يلقونه بالأسئلة الماكرة المتحدّية، لا يبغون بها إلا العنت والضلال..

وفى قوله تعالى: «فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ» أي تجاوزنا عن ذلك، وأفسحنا لهم المقام فى هذه الحياة، لعلّهم يصلحون ما أفسدوا، ولتتظاهر الحجة عليهم، فيما يأخذهم الله به من عقاب، وفيما يصبّ عليهم من لعنات.

وفى قوله تعالى: «وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً» كبت لهم، وحسرات عليهم، إذ فاتهم ما أرادوا بموسى من مكر، وما دبّروا من كيد.. ثم هو كبت وحسرة لهؤلاء الذين يلقون «محمدا» صلوات الله وسلامه عليه بمكرهم وكيدهم، وأنهم هم الخاسرون، ولن يصيبهم إلا ما أصاب آباءهم من نقمة وبلاء، وما ينال محمدا إلا ما نال موسى من فضل وإحسان..

قوله تعالى: «وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً» .

هو بيان لما أخذ الله سبحانه وتعالى على آبائهم من عهود ومواثيق، وأنهم لم يرعوا عهود الله، ولم يحفظوا مواثيقه، بل ضيّعوا، ونقضوا ما عاهدوا الله عليه.

ص: 961

فقد رفع الله فوقهم الطور، أي جبل الطور، وأقامه ظلّة عليهم ليظلّهم ويكنّهم فى هذا التيه الذي غرقوا فيه أربعين سنة.. وفى هذا يقول الله تعالى:

«وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ» (171: الأعراف) فلم يثقوا فى هذا البناء الذي أقامه الله عليهم، ودخلوا تحته دخول الخائفين، حتى لكأن يد الله لا تقوى على الإمساك به!! ثم حين أخرجهم الله من التّيه، وساقهم إلى العمران، ووجههم إلى إحدى القرى، دعاهم سبحانه إلى أن يدخلوا باب هذه القرية سجّدا، شكرا لله على هذه النعمة، وأن يقولوا وهم فى هذا السجود «حطّة» أي غفرانا لذنوبنا.. فبدّلوا وغيروا، ولم يحترموا كلمات الله، ولم ينزلوا عند وصاته لهم.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى..

«وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ» (58- 59: البقرة) ثم ألزمهم الله سبحانه ألّا يعدوا فى السبت، وألا يعملوا فيه عملا، عقابا لهم ونكالا، حيث خرجوا عن طاعة الله، ونقضوا مواثيقه.. فاعتدوا فى السبت، وباشروا فيه كل عمل.. وفى هذا يقول سبحانه وتعالى:«وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ» (65: البقرة) .

وانظر إلى هذا التكرار فى قوله تعالى: «قُلْنا لَهُمُ» .. إذ يقول

ص: 962

سبحانه: «وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً، وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ» .

ففى هذا التكرار ما يؤذن بأن القوم بما هم، عليه من جفاء طباع، وقسوة قلوب، وبلادة مشاعر، وعمى بصيرة، لا يخاطبون إلّا بمناخس حادة، لتوقظ هذه المشاعر الهامدة، وتلك الطباع المتبلّدة.. تماما كما تنخس الدوابّ كلما ونت أو حرنت.

وقوله تعالى: «فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا» .

فى هذه الآية والآيات التي بعدها يحصى الله سبحانه وتعالى على اليهود ما ارتكبوا من خطايا، وما اقترفوا من آثام، حتى كان لهم من الله هذا العقاب الأليم الذي أخذهم به فى الدنيا، وجعله ميراثا يقتسمه أبناؤهم من بعدهم، إذ كانت جرائمهم من الشناعة والهول بحيث لا يستقلّ بحملها جيل أو عدة أجيال.. بل إنها لو قسمت عليهم فى أجيالهم السابقة واللاحقة لأحاطت بهم جميعا، ثم كان من فائضها ما يتسع لأمثالهم..

فقد نقضوا مواثيق الله، وكفروا بآياته. وقتلوا رسله.. عدوانا وبغيا، حيث لا شبهة ولا مظنّة شبهة يقتل بها رسول من رسل الله، إذا قتل غيرهم من الناس، بحق أو بغير حق.. فما رسل الله إلّا رحمة من رحمته، وفضل من فضله، ونعمة من نعمه.. فالذى يدفع الرحمة، ويأبى الفضل، ويكفر بالنعمة، هو إنسان مبتلى فى عقله، متّهم فى إنسانيته فإذا تجاوز ذلك إلى أن يكون حربا على الرحمة والفضل والنعمة، فقل أي كائن هو.. ولكن لا تنسبه إلى عالم الإنسان أبدا! على أن الأمر لا يحتاج إلى بحث أو نظر، فقد حكم القوم على أنفسهم، ونطقوا بما ينطق به فى شأنهم الوجود كله، ويدينهم به.. وهذا ما أشار إليه

ص: 963

قوله تعالى: «وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ» أي مغلفة، مغلّقة، لا ينفذ إليها شىء من الحق والخير.. وهم إنما يقولون هذا القول فى مجال الاستهزاء والسخرية، كما يقول من يتعالم: إنى جاهل..! والمغرور بماله، المدلّ بثروته: إنى فقير! بل إن أمرهم لأكثر من هذا، إذ ليس ما بقلوبهم مجرد غطاء يحجبها عن كل خير، كما ادعوا على أنفسهم استهزاء وتعاظما، ولو كان ذلك هو الذي بهم لكان لدائهم طب، ولعلتهم دواء! ولكنّ الذي بهم هو شىء لو عقلوه لبكوا كثيرا، ولضحكوا قليلا، بل لكانت حياتهم كلها بكاء موصولا، ودمعا جاريا، لما رماهم الله به من داء قتل كل معانى الإنسانية فيهم.. فإذا هم ناس وليسوا ناسا، أحياء وليسوا بالأحياء! انظر إلى قلوب هؤلاء القوم.. فهل تجد ما بها، هو حجاب كثيف مضروب عليها؟ أو غلاف صفيق اشتمل عليها واحتواها؟ وكلا..

«بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها» .

وإذن فداء هذه القلوب هو فى كيانها ذاتها، وليس مادة غريبة غشيتها واحتوتها، بل هو الختم المحكم الذي ختمه الله عليها، فلا يخرج ما فيها من خبث ولا يدخل إليها ما فى الحياة من حق وخير.. إنها ستظل هكذا مغلقة على ما فيها.. أشبه بالبركة الراكدة العفنة، لا تزداد مع الأيام إلا ركودا وعفنا، ولا تلد مع الزمن إلا العفن، والوباء! وقوله تعالى:«فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا» هو وصف لمن أفلت منهم من تلك اللعنة، استثناء من هذا الأصل الذي ينتسب إليه القوم جميعا.. وهو عدد قليل، لا يشفع لهذه الجماعة بالخروج من هذا الحكم المضروب عليها.

ص: 964