المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآية: (35) [سورة المائدة (5) : آية 35] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٣

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآية: (24) [سورة النساء (4) : آية 24]

- ‌زواج المتعة.. والرأى فيه

- ‌الآية: (25) [سورة النساء (4) : آية 25]

- ‌الآيات: (26- 28) [سورة النساء (4) : الآيات 26 الى 28]

- ‌الآيتان: (29- 30) [سورة النساء (4) : الآيات 29 الى 30]

- ‌الآية: (31) [سورة النساء (4) : آية 31]

- ‌الآية: (32) [سورة النساء (4) : آية 32]

- ‌الآية: (33) [سورة النساء (4) : آية 33]

- ‌الآيتان: (34- 35) [سورة النساء (4) : الآيات 34 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 39) [سورة النساء (4) : الآيات 36 الى 39]

- ‌الآيات: (40- 42) [سورة النساء (4) : الآيات 40 الى 42]

- ‌الآية: (43) [سورة النساء (4) : آية 43]

- ‌الآيات: (44- 46) [سورة النساء (4) : الآيات 44 الى 46]

- ‌الآيتان: (47- 48) [سورة النساء (4) : الآيات 47 الى 48]

- ‌الآيتان: (49- 50) [سورة النساء (4) : الآيات 49 الى 50]

- ‌الآيات: (51- 52- 53- 54- 55- 56- 57) [سورة النساء (4) : الآيات 51 الى 57]

- ‌الآيتان: (58- 59) [سورة النساء (4) : الآيات 58 الى 59]

- ‌الآيات: (60- 61- 62- 63) [سورة النساء (4) : الآيات 60 الى 63]

- ‌الآيتان: (64- 65) [سورة النساء (4) : الآيات 64 الى 65]

- ‌الآيات: (66- 67- 68) [سورة النساء (4) : الآيات 66 الى 68]

- ‌الآيتان: (69- 70) [سورة النساء (4) : الآيات 69 الى 70]

- ‌الآية: (71- 72- 73) [سورة النساء (4) : الآيات 71 الى 73]

- ‌الآية: (74) [سورة النساء (4) : آية 74]

- ‌الآية: (75) [سورة النساء (4) : آية 75]

- ‌الآية: (76) [سورة النساء (4) : آية 76]

- ‌الآية: (77) [سورة النساء (4) : آية 77]

- ‌الآيات: (78- 79- 80) [سورة النساء (4) : الآيات 78 الى 80]

- ‌الآيات: (81- 83) [سورة النساء (4) : الآيات 81 الى 83]

- ‌الآية: (84) [سورة النساء (4) : آية 84]

- ‌الآية: (85) [سورة النساء (4) : آية 85]

- ‌الآية: (86- 87) [سورة النساء (4) : الآيات 86 الى 87]

- ‌الآية: (88) [سورة النساء (4) : آية 88]

- ‌الآيتان: (89- 90) [سورة النساء (4) : الآيات 89 الى 91]

- ‌الآية: (92) [سورة النساء (4) : آية 92]

- ‌الآية: (93) [سورة النساء (4) : آية 93]

- ‌الآية: (94) [سورة النساء (4) : آية 94]

- ‌الآيتان: (95- 96) [سورة النساء (4) : الآيات 95 الى 96]

- ‌آية: (97- 99) [سورة النساء (4) : الآيات 97 الى 99]

- ‌الآية: (100) [سورة النساء (4) : آية 100]

- ‌الآية: (101) [سورة النساء (4) : آية 101]

- ‌الآية: (102) [سورة النساء (4) : آية 102]

- ‌الآية: (103) [سورة النساء (4) : آية 103]

- ‌الآية: (104) [سورة النساء (4) : آية 104]

- ‌الآيتان: (106- 105) [سورة النساء (4) : الآيات 105 الى 106]

- ‌الآيات: (107- 109) [سورة النساء (4) : الآيات 107 الى 109]

- ‌الآيات: (110- 112) [سورة النساء (4) : الآيات 110 الى 112]

- ‌الآية: (113) [سورة النساء (4) : آية 113]

- ‌الآيتان: (114- 115) [سورة النساء (4) : الآيات 114 الى 115]

- ‌الآيات: (116- 121) [سورة النساء (4) : الآيات 116 الى 121]

- ‌الآيات: (122- 123- 124) [سورة النساء (4) : الآيات 122 الى 124]

- ‌الآيتان: (125- 126) [سورة النساء (4) : الآيات 125 الى 126]

- ‌الآيات: (127- 130) [سورة النساء (4) : الآيات 127 الى 130]

- ‌الآيات: (131- 134) [سورة النساء (4) : الآيات 131 الى 134]

- ‌الآية: (135) [سورة النساء (4) : آية 135]

- ‌الآية: (136) [سورة النساء (4) : آية 136]

- ‌الآيات: (137- 139) [سورة النساء (4) : الآيات 137 الى 139]

- ‌الآية: (140) [سورة النساء (4) : آية 140]

- ‌الآية: (141) [سورة النساء (4) : آية 141]

- ‌الآيتان: (142- 143) [سورة النساء (4) : الآيات 142 الى 143]

- ‌الآيات: (144- 147) [سورة النساء (4) : الآيات 144 الى 147]

- ‌الآيتان: (148- 149) [سورة النساء (4) : الآيات 148 الى 149]

- ‌الآيتان: (150- 151) [سورة النساء (4) : الآيات 150 الى 151]

- ‌الآية: (152) [سورة النساء (4) : آية 152]

- ‌الآيتان: (153- 154) [سورة النساء (4) : الآيات 153 الى 155]

- ‌الآيات: (156- 158) [سورة النساء (4) : الآيات 156 الى 158]

- ‌القرآن والمسيح المصلوب

- ‌المسيح المصلوب:

- ‌الآية: (159) [سورة النساء (4) : آية 159]

- ‌الآيتان: (160- 161) [سورة النساء (4) : الآيات 160 الى 161]

- ‌الآية: (162) [سورة النساء (4) : آية 162]

- ‌الآيات: (163- 165) [سورة النساء (4) : الآيات 163 الى 165]

- ‌الآيات: (166- 169) [سورة النساء (4) : الآيات 166 الى 169]

- ‌(الآية: 170) [سورة النساء (4) : آية 170]

- ‌الآيات: (171- 173) [سورة النساء (4) : الآيات 171 الى 173]

- ‌الآيات: (174- 175) [سورة النساء (4) : الآيات 174 الى 175]

- ‌الآية: (176) [سورة النساء (4) : آية 176]

- ‌5- سورة المائدة

- ‌الآية: (1) [سورة المائدة (5) : آية 1]

- ‌الآية: (2) [سورة المائدة (5) : آية 2]

- ‌الآية: (3) [سورة المائدة (5) : آية 3]

- ‌الآية: (4) [سورة المائدة (5) : آية 4]

- ‌الآية: (5) [سورة المائدة (5) : آية 5]

- ‌الآية: (6) [سورة المائدة (5) : آية 6]

- ‌الآية: (7) [سورة المائدة (5) : آية 7]

- ‌الآية: (8- 10) [سورة المائدة (5) : الآيات 8 الى 10]

- ‌الآية: (11) [سورة المائدة (5) : آية 11]

- ‌الآية: (12) [سورة المائدة (5) : آية 12]

- ‌الآية: (13) [سورة المائدة (5) : آية 13]

- ‌الآية: (14) [سورة المائدة (5) : آية 14]

- ‌(الآيتان: 15- 16) [سورة المائدة (5) : الآيات 15 الى 16]

- ‌الآية: (17) [سورة المائدة (5) : آية 17]

- ‌الآية: (18) [سورة المائدة (5) : آية 18]

- ‌الآية: (19) [سورة المائدة (5) : آية 19]

- ‌الآيات: (20- 26) [سورة المائدة (5) : الآيات 20 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 29) [سورة المائدة (5) : الآيات 27 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 31) [سورة المائدة (5) : الآيات 30 الى 31]

- ‌الآية: (32) [سورة المائدة (5) : آية 32]

- ‌الآيتان: (33- 34) [سورة المائدة (5) : الآيات 33 الى 34]

- ‌الآية: (35) [سورة المائدة (5) : آية 35]

- ‌الآيتان: (36- 37) [سورة المائدة (5) : الآيات 36 الى 37]

- ‌الآيتان: (38- 40) [سورة المائدة (5) : الآيات 38 الى 40]

- ‌الآية: (41) [سورة المائدة (5) : آية 41]

- ‌الآية: (42- 43) [سورة المائدة (5) : الآيات 42 الى 43]

- ‌الآية: (44) [سورة المائدة (5) : آية 44]

- ‌الآية: (45) [سورة المائدة (5) : آية 45]

- ‌الآيتان: (46- 47) [سورة المائدة (5) : الآيات 46 الى 47]

- ‌الآية: (48) [سورة المائدة (5) : آية 48]

- ‌الآية: (49) [سورة المائدة (5) : آية 49]

- ‌الآية: (50) [سورة المائدة (5) : آية 50]

- ‌الآيتان: (51- 53) [سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 53]

- ‌الآيات: (54- 56) [سورة المائدة (5) : الآيات 54 الى 56]

- ‌الآيتان: (57- 58) [سورة المائدة (5) : الآيات 57 الى 58]

- ‌الآيتان: (59- 60) [سورة المائدة (5) : الآيات 59 الى 60]

- ‌الآيات: (61- 63) [سورة المائدة (5) : الآيات 61 الى 63]

- ‌الآية: (64) [سورة المائدة (5) : آية 64]

- ‌الآية: (65- 66) [سورة المائدة (5) : الآيات 65 الى 66]

- ‌الآية: (67) [سورة المائدة (5) : آية 67]

- ‌الآية: (68) [سورة المائدة (5) : آية 68]

- ‌الآية: (69) [سورة المائدة (5) : آية 69]

- ‌الآيتان: (70- 71) [سورة المائدة (5) : الآيات 70 الى 71]

- ‌الآيات: (72- 77) [سورة المائدة (5) : الآيات 72 الى 77]

- ‌الآيات: (78- 81) [سورة المائدة (5) : الآيات 78 الى 81]

الفصل: ‌الآية: (35) [سورة المائدة (5) : آية 35]

الأرض.. إذ كانوا مصدر فتنة وقلق واضطراب للمجتمع الإسلامى فى المدينة، يفتنون الناس عن دينهم، ويؤلفون مع المنافقين حلفا لمحاربة الإسلام والكيد له، ولقد كان منهم هذا الغدر اللئيم الذي جمع بينهم وبين مشركى قريش، حين جاءوا إلى المدينة بجموعهم يريدون القضاء على المهاجرين والأنصار فى غزوة الخندق.. وفى هذا يقول الله تعالى:«وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ» (3: التغابن) وقوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ» هو استثناء من هذا الحكم الواقع على أصحاب تلك الجرائم المنكرة.. فمن تاب منهم، ورجع عما هو عليه من منكر، وذلك قبل أن تناله يد المسلمين، وتمسك به متلبسا بجرمه- من تاب منهم قبل هذا فقد رفع الله عنه هذا الحكم، وفتح له بتوبته، الطريق إلى النجاة.. فليغفر لهم النبىّ والمسلمون، وليلقوهم بالصفح الجميل، وليعلموا «أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» .

‌الآية: (35)[سورة المائدة (5) : آية 35]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)

التفسير:

[الوسيلة.. والتوسل بأصحاب القبور] وبين يدى هذه العقوبة الراصدة للذين يحادّون الله ورسوله ويسعون فى لأرض فسادا، تجىء دعوة للمؤمنين أن يثبتوا على ما هم عليه من إيمان وتقوى، وأن يعملوا ما وسعهم العمل على الاقتراب من الله، بالعمل الصالح والجهاد فى

ص: 1085

سبيله، حتى يبتعدوا أكثر ما يمكن عن هذه المهالك، التي تأخذ المفسدين بأنواع النّكال والبلاء..

والدعوة إلى السلامة والنجاة، فى الحال التي يشهد الإنسان فيها مصارع الظالمين والبغاة، هى دعوة مستحابة، تتلقاها النفوس حفية بها، حريصة عليها..

حيث هى الحبل الممدود لنجاة من يمسك به، فى هذه الريح العاصف، التي تنزع الناس، وتلقى بهم فى مهاوى الهلاك..

والوسيلة: هى ما يتوسل به إلى الله تعالى من الأعمال الصالحة التي ترضى الله، وتدنى الإنسان من ربه.

فالوسيلة فى اللغة، ما يتوسل به إلى أي أمر ابتغاء تحقيقه، وجمعها وسائل، ولكل أمر وسائله وأدواته التي يتوسل بها إليه، فمن أخطأته الوسائل، لم يبلغ من أمره ما يريد..

وتقوى الله هى مطلوب كل مؤمن بالله، ورغيبة كل طامع فى رضا الله، ساع إلى مرضاته..

ولهذا فقد أمر الله تعالى الذين آمنوا، بالتقوى، فى قوله:«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ» .. فليس الإيمان- مجرد الإيمان- هو الذي يطلب من المؤمن، ليكون فى عباد الله المؤمنين، وإنما الذي يحقق الإيمان، وينضج ثمرته، هو «التقوى» .

والتقوى هى اجتناب محارم الله، وامتثال أوامره، أو هى كما عرفها بعض العارفين:«ألّا يراك الله حيث نهاك وألا يفتقدك حيث أمرك» .

والتقوى على تمامها مطلب صعب المنال، غالى الثمن، لا يقدر على الوفاء به إلّا من رزقه الله قوة الإيمان، وثبات اليقين، ووثاقة العزم.. تلك هى بعض

ص: 1086

الوسائل التي يتوسّل بها إلى التقوى- ولهذا جاء قوله تعالى: «وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ» معطوفا على قوله تعالى: «اتَّقُوا اللَّهَ» - أي اتقوا الله بابتغاء الوسائل المؤدية إلى التقوى..

وهنا ما يسأل عنه: كيف جاء النظم القرآنى: «وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ» إذا كان المراد بالوسيلة ما تحقق به التقوى.. إذ لو كان الأمر كذلك لجاء النظم القرآنى كهذا: «وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ..» .. كيف هذا؟

والجواب على هذا، هو أن التقوى هى تقوى الله، ووسائلها التي تتحقق بها هى وسائل موصلة إلى الله، مدنية من رضاه ومغفرته.. فليست التقوى..

والأمر كذلك- مقصودة لذاتها، وإنما هى مرادة لما هو أولى بالمؤمن أن يتعلّق به، ويعمل له، وهو القرب من الله، والنزول فى رحاب رضوانه.. فابتغاء وسائل التقوى هو فى الحقيقة ابتغاء للوسائل المؤدية إلى رضى الله، ومن ثمّ كان عود الضمير إلى الله سبحانه وتعالى، لا إلى التقوى، التي هى بدورها وسيلة إلى التقرب من الله! وأمر آخر من أمر الوسيلة.. نريد أن نقف قليلا عنده..

فقد ذهب كثير من العلماء، وخاصة علماء الشيعة، إلى أن المراد بالوسيلة هنا هو التوسل بآل البيت- رضوان الله عليهم- والاستغاثة بهم، واللّجأ إليهم فى الملمّات..

وعن هذا المنزع ما يأخذ به بعض المسلمين أنفسهم من التوسل بالأموات، ممن يعتقد فى صلاحهم، واستقامة سلوكهم فى الحياة، فيلمّون بقبورهم وأضرحتهم، طالبين قضاء حوائجهم التي قصرت عنها أيديهم.

والذي يأباه الدّين هنا هو ما يتخذه كثير من أولئك الذين يزورون قبور الصالحين وأضرحتهم، من التمسح بهذه المواطن، ومناجاة الراقدين فيها، وطلب

ص: 1087

الغوث منهم، حتى ليكاد المسلم يذهل عن الله فى هذا الموقف، وحتى لكأن هذا الإنسان الصالح هو الذي يتصرف فى هذا الكون.. إن شاء أعطى، وإن أراد منع! أمّا أمر زيارة قبور الصالحين، فهو إن تجردّ من هذه المشاعر، وخلص من تلك التصورات، ووقف به الزائر عند حدّ العبرة والعظة، بذكر الموت الذي تذوقه كل نفس، ويرد مورده كل إنسان، فذلك مما لا بأس به، إذ يكون الإنسان- وهو فى معرض يذكّره بالموت- أمام صورة طيبة، لسيرة عبد من عباد الله الصالحين، الذين أصبحوا ذكرا طيبا على ألسنة العباد.. ولعلّ فى هذا ما يدعوه إلى الأسوة، والسّير على طريق الصالحين.

ومع هذا، فإن الضعف البشرى، والجهل بما لله وما للعباد، قد يحمل بعض الناس ممن يلمّون بقبور الصالحين، على ألا يذكروا شيئا من هذا، وألا يستحضروا الموت فى هذا الموقف، إذ قد يتمثل لهم أن صاحب هذا «الضريح» لم يتحول بعد إلى تراب ضائع فى التراب، وأنه بكيانه كله لا يزال يلقى الناس ويلقونه، ويأخذ ويعطى.. ومن هنا كان الأولى بمن لا يعرف كيف يحمى نفسه من هذا المزلق، ويحرسها من هذا الضلال- أن يتجنّب زيارة الأضرحة، ليدفع عن إيمانه عوارض الضعف ودواعى الشرك.

ولا بأس هنا من أن ننقل ما ذكره «الشّوكانى» عند تفسيره لهذه الآية، قال: «قد أكثر الناس من دعاء غير الله تعالى، من الأولياء، الأحياء منهم والأموات.. مثل يا سيدى فلان أغثنى.. وليس ذلك من التوسل المباح فى شىء، واللائق بحال المؤمن عدم التفوّه بذلك، وألّا يحوم حول حماه، وقد عدّه أناس من العلماء شركا، وإلّا يكنه فهو قريب منه.. ولا أرى أحدا ممن يقول ذلك إلا وهو يعتقد أن المدعوّ الحىّ الغائب، أو الميت المغيّب، يعلم

ص: 1088

الغيب، أو يسمع النداء، ويقدر بالذات أو بالغير على جلب الخير ودفع الأذى، وإلا لما دعاه، ولا فتح فاه، وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم.

«فالحزم، التجنب عن ذلك، وعدم الطلب إلا من الله القوىّ الغنىّ الفعّال لما يريد.

ثم يقول: ومن وقف على سرّ ما رواه الطبراني فى معجمه، من أنه كان فى زمن النبىّ صلى الله عليه وسلم منافق يؤذى المؤمنين، فقال الصديق- أبو بكر رضى الله عنه- هيّا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، فجاءوا إليه، فقال- صلى الله عليه وسلم:«إنه لا يستغاث بي، إنما يستغاث بالله» .. من عرف سرّ ذلك لم يشك فى أن الاستغاثة بأصحاب القبور- الذين هم بين سعيد شغله نعيمه وتقلّبه فى الجنان عن الالتفات إلى ما فى هذا العالم، وبين شقى ألهاه عذابه وحبسه فى النيران عن إجابة مناديه، والإصاخة إلى أهل ناديه- أمر يجب اجتنابه، ولا يليق بأرباب العقول ارتكابه، ولا يغرّنك أن المستغيث بمخلوق، قد تقضى حاجته، وتنجح طلبته، فإن ذلك ابتلاء وفتنة من الله عز وجل، وقد يتمثل الشيطان للمستغيث فى صورة الذي استغاث به، فيظن أن ذلك كرامة ممن استغاث به.. هيهات هيهات، وإنما هو شيطان من أضلّه وأغواه، وزين له هواه..» .

وهذا الذي يقوله الشوكانى هو الذي يجب أن يؤمن به كل مسلم، فى نظرته إلى أصحاب القبور، وإلى من يعدّه من الصالحين، وذوى الكرامات فيهم..

إنهم جميعا فى عالم وراء هذا العالم الذي نعيش فيه، شغلوا بما هم فيه من نعيم أو بلاء، وإنّهم لأشدّ حاجة إلينا منا إليهم، بالدعاء لهم بالرحمة والمغفرة.. حيث أننا- أعنى الأحياء- فى دار عمل وابتلاء، يتقبل الله منا أعمالنا، ويحصيها علينا، ويحاسبنا عليها، وهم قد صاروا إلى عالم قد انقطع عنهم كل عمل فيه، فلا يضاف

ص: 1089

إلى أعمالهم التي عملوها فى الدنيا شيئا جديدا من كسب أيديهم فى عالمهم الأخروىّ.. فكيف والحال كذلك يكون لهم كسب يضاف إلى غيرهم، من قضاء الحوائج، وتفريج الكروب؟.

ولا شك أن كثيرا ممّن يلمّون بمقابر من يعتقدون فى ولايتهم وصلاحهم، تستولى عليهم فى تلك الحال مشاعر، توحى إليهم بأنهم على مداناة وقرب من الله، وأن ما يدعون به مستجاب، وأن وراءهم من أمداد الصالحين والأولياء، ما يزكىّ دعاءهم عند الله، وينزله منازل القبول..

وهذا، وغيره من المشاعر المختلطة التي تستولى على الإنسان، فى تلك الحال- من شأنه أن يبعث الراحة والطمأنينة فى الإنسان، ويعلّله بالأمل والرجاء، وهذا بدوره عامل نفسىّ له أثره الإيحائى الذاتي، الذي تتغير به نفسية الإنسان، وتتبدل مشاعره، وفى ذلك شفاء له من كثير مما كان يكابده ويشقى به..

والعلاج بالإيحاء أمر معروف مشهود، وما يجده الذين يزورون أضرحة الأولياء والصالحين، من روح وراحة لا يعدو أن يكون ضربا من الإيحاء النفسىّ، سواء أكانت وارداته من خارج النفس أو داخلها..

ولعلّ فى قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ» ما يشير إلى شىء من هذا الذي يعرف بالإيحاء النفسي.. فالإنسان تتغير حاله، ويتبدّل سلوكه نحو شىء ما إذا تغيّرت مدركاته له، ومشاعره نحوه.. وكذلك شأنه فى جميع أحواله، حيث يقوم تعامله مع الأشياء على أساس من إدراكه لها، ومشاعره نحوها، فإذا تغيرت تلك المدركات تغيّرت تبعا لذلك مواقفه منها، وسلوكه معها.. وشأن الجماعات فى هذا، هو شأن الأفراد سواء بسواء..

على أن الذي نودّ أن ننّبه إليه هنا، هو ما يتطابر من شرر أو شرّ بين الذين

ص: 1090

يلتقون على خلاف فى مجال التوسّل بالأنبياء، والأولياء والصالحين..

فهذا الشّرر كثيرا ما يمتدّ إلى هؤلاء، الذين اختلف المختلفون فى التوسل إليهم، بين مغال فى التوسل، وبين مبالغ فى تحريمه وفى تكفير من يتوسلون!.

ففى الطرف المغالى فى التوسل يرمى دعاته وأنصاره بالقول جزافا، يكيدون به للطرف المقابل، الذي ينازعهم فيه، ويتهمهم بمرض قلوبهم، وفساد دينهم..

وإذا هم يبالغون ويبالغون فيما هم فيه، حتى ليبلغ بهم ذلك إلى حد الشرك الصّراح بالله.

وفى الطرف الآخر، الذي يحارب التوسل ويعاديه، يجد المرء نفسه أنه فى حرب حقيقية، وأن عليه أن ينتصر فيها بأى ثمن، وأن يضرب فى الجبهة المعادية له بأى سلاح، وإذا هو من حيث لا يدرى يضرب فى وجوه الأنبياء والأولياء والصالحين أنفسهم، ولا يسأل نفسه ماذا جنى هؤلاء الكرام من عباد الله من جناية، حتى يرميهم بما يرميهم به.. من استخفاف بهم، وتطاول على مقامهم الكريم..

إن الدعوة بالرفق والحسنى فى هذا المقام، أليق بالإنسان، وأنجح لدعوته، وأسلم لدينه، إن كان أمره فى هذا قائما على النصح لله ولرسوله وللمؤمنين، فلا خير فى داع يدعو إلى الخير، ثم يعود آخر المطاف بمحصول وفير من الوزر والإثم!.

وأيّا كان الأمر، فإن الذي ينبغى أن يكون فى يقين المسلم دائما هو التوقير والولاء لأنبياء الله، وأوليائه، والصالحين من عباده، وألا يدخل شىء من الضيم على ولائه وتوقيره لهم، ما يجنيه عليهم غيرهم، والله سبحانه وتعالى يقول:

«وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى» وقد عبد النصارى المسيح بن مريم، واتخذوه إلها من دون الله، ومع هذا فمقامه عند الله عظيم، لم ينله شىء مما جنى أتباعه

ص: 1091