الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله تعالى: «وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً» هو استحضار لصورة من صور الهزء والسخرية التي يحارب بها الإسلام، فى محيط الكافرين، والمنافقين، ومن فى قلوبهم مرض.. وفى عرض هذه الصورة ما يثير مشاعر المسلمين، ويلفتهم إلى هذا العدوان الذي يرميهم به أعداؤهم، وهم فى هذا الموقف العظيم، بين يدى رب العالمين.. فإن كل مسلم ينتظم فى صفوف المسلمين للصلاة يصيبه رشاش من هذا الأذى الذي يرمى به أعداؤهم فى أعقاب المسلمين، وهم ركّع وسجود.. ولن يطهّر هذا الأذى، ويذهب بهذا الرجس، إلا بأن يأخذ المسلم بحقّه من هؤلاء الذين اعتدوا عليه، وآذوه فى دينه! وقوله تعالى:«ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ» هو تسفيه لهؤلاء الذين يحادّون الله ورسوله، ويهزءون ممن يولّى وجهه إلى الله، راكعا وساجدا..
ولو عقلوا لعلموا أنهم بعملهم هذا، يحاربون الله ويصدّون الناس عن أداء حقّه عليهم من الولاء لجلاله، والشكران لنعمه إنهم ظلموا أنفسهم ظلما فوق ظلم..
ظلموها (أولا) إذ لم يؤدّوا حق الله عليهم، وظلموها (ثانيا) إذ يصدّون الناس عن عبادة الله، بهذا الاستهزاء الذي يلقونه إليهم وهم بين يدى الله.
الآيتان: (59- 60)[سورة المائدة (5) : الآيات 59 الى 60]
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَاّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (60)
التفسير: قوله تعالى: «قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ» هو نداء مطلق لأهل الكتاب، وخاصة اليهود، وليس المراد بهذا القول أن يلقاهم النبىّ به، وأن يبلغهم إيّاه، وإنما هو قول موجّه إلى النبىّ وإلى المؤمنين. تنكشف به حال أهل الكتاب، وموقفهم العنادىّ من المؤمنين.. وليس يمنع من هذا أن يستمع اليهود إلى هذا القول، وأن يعرفوا رأى القرآن فيهم، إذ كانوا دائما يتتبعون أخبار النبىّ وما ينزل عليه من كلمات ربّه، ليبحثوا فيها عن شبهة، يضلّون بها المؤمنين، ويفتنونهم فى دينهم..
وفى هذه الآية يرى المؤمنين أن هذا الموقف العنادىّ من أهل الكتاب الذي يقفونه منهم، لا سبب له، إلا إيمان المؤمنين بالله، وما أنزل عليهم من قرآن، وما أنزل على النبيين قبلهم من كتب الله.. ذلك فى حين أن أكثر أهل الكتاب «فاسقون» أي خارجون على دين الله، منكرين أو متنكرين لرسل الله وكتب الله..
تلك إذن هى أسباب هذه الحرب الخبيثة التي يعلنها اليهود على المؤمنين.. إنها عداوة بين المؤمنين وغير المؤمنين، بين من استجاب لله ورسله، ومن حادّ الله ورسله.
وقوله تعالى: «قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ» الإشارة هنا إلى موقف أهل الكتاب هؤلاء، ونقمتهم على المؤمنين، لا لشىء إلا لأنهم مؤمنون.. وهذا موقف يورد صاحبه موارد البوار والهلاك، وهذا هو المصير الذي سيصير إليه المعاندون من أهل الكتاب، الذين وقفوا من النبىّ ومن دعوته إلى الإيمان بالله، هذا الموقف.. ثم إذ يعرض القرآن اليهود المعاصرين للنبوة فى هذا المعرض، ينتقل بهم فى لمحة خاطفة تردّهم إلى الماضي البعيد، وتشرف بهم على آبائهم وأجدادهم، الذين كان لهم موقف من رسل الله كهذا