الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورابعها: الإيمان بالملائكة، وأنهم خلق من خلق الله، وجند من جنده.
وخامسها: الإيمان باليوم الآخر.. أي بالبعث والجزاء والجنة والنار.. فمن آمن على هذا الإيمان، فهو مؤمن حقّا، وعليه أن يعمل عمل المؤمنين، وله أن يجازى جزاء المحسنين.
ومن كفر ببعض تلك الحقائق وآمن ببعض، فهو- كما قلنا- ليس من الإيمان فى شىء، لأن ما يبنيه أولا يهدمه ثانيا.. والله سبحانه وتعالى يقول:
الآيات: (137- 139)[سورة النساء (4) : الآيات 137 الى 139]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137) بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139)
التفسير: النفاق أقتل داء يصيب المجتمع الإنسانى.. فإذا تفشّى هذا الداء الخبيث فى جماعة من الجماعات فسد وجودها، وضل سعيها، وغشيتها أمواج الفتن، واشتملت عليها عواصف العداوة والبغضاء! وماذا يرجى من جماعة تتعامل فيها بينها بالرياء والنفاق، فيضيع فى محيطها المفهوم الحقيقي للّغة، وتصبح الكلمات لديها عملة زائفة، يتداولها الناس كما يتداولون الأشياء المسروقة؟
وكيف الحياة لمجتمع يعيش على الختل والخداع، ويغتذى من مادة الكذب والزور..
فلا يثق أحد فى أحد، ولا يأمن أحدا أحدا، ولا يفرق أحد بين ما هو حق أو باطل.. إن حياة النفاق تقتل فى الإنسان كل معانى الشرف والفضيلة.
وتحلّه من كل ارتباط مع مبدأ أو خلق.. فهو أنانىّ، انتهازىّ.. يضحى بالناس جميعا فى سبيل مصلحته وسلامته..
من أجل هذا، وكثير غيره مما ينضح به النفاق من شر وبلاء- حارب الإسلام النفاق والمنافقين، وعمل على تطهير المجتمع الإسلامى وحمايته من هذا الداء الخبيث، الذي هو شر ما يبتلى به إنسان أو مجتمع.
وقد فضح القرآن الكريم المنافقين، الذين اندسوا فى المجتمع الإسلامى، فأغرى المسلمين بهم، ليخرجوهم من بينهم، وليتجنبوا الاتصال بهم، والتعامل معهم..
وفى قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا، ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً..»
- ما يكشف عن الأسلوب الذي يتّبعه المنافقون فى الحياة، مع كل أمر،
وفى كل موقف.. إنهم لا يستقيمون مع حال أبدا، وإنما حوّل قلب، حسب ما تمليه أهواؤهم، وتدعوهم إليه مصلحتهم.. فتراهم يأخذون بالأمر غدوة، ثم يرفضونه عشيّة، ثم يعودون فيأخذون به.. ثم يعرضون عنه..
وهكذا.. لأنهم لا يقيمون حكمهم على الأشياء لذاتها، وما تحمل فى كيانها من خير أو شر، وإنما يحكمون عليها حسب ما تمليه أهواؤهم، وتقتضيه حاجاتهم العاجلة منها..
وفى العقيدة، التي من شأنها أن تقوم فى كيان الإنسان مقاما راسخا، لا يتحول، ولا يهتزّ- تراهم يتعاملون بها وكأنها سلعة فى أيديهم، لا معتقد فى قلوبهم.. فيعرضونها للبيع، ويضعونها فى يد من يدفع ثمنا أكثر..
وانظر ما كان منهم مع دعوة الإسلام..
كانوا كافرين، فرأوا الناس يردون شرعة الإيمان، فآمنوا..
ثم رأوا سانحة تسنح لهم وراء حدود الإيمان، فتسللوا من بين صفوف المؤمنين، وخلعوا رداء الإيمان.. فكفروا.
ثم لاح لهم فى مستقبل الإيمان مغنم يغنمونه.. فآمنوا.
ثم لما أن حصلوا على ما أرادوا، ولمع لهم سراب وراء أفق الإيمان، أقبلوا إليه، وخلّفوا الإيمان وراءهم.. فكفروا.
ثم..
ثم ازدادوا كفرا.. إذ لم يبق هذا الجري اللّاهث فى ترددهم بين الإيمان والكفر- لم يبق لهم بقيّة من جهد يعودون به إلى الإيمان مرة أخرى..
وبهذا ينتهى أمرهم فى آخر المطاف بهم، إلى الارتماء فى أحضان الكفر.. الذي
يموتون عليه.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:
«لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا» .
فهذا تيئيس من مغفرة الله لهم، لأنهم لن يؤمنوا أبدا.. فهم بهذا واقعون تحت قوله تعالى:«إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ» ! ثم إنهم إذ لم ينالوا مغفرة الله، ولم يتعرضوا لها، متركون لشأنهم وما اختاروا، وقد اختاروا الضلال، واستحبّوا العمى، واتخذوا الشيطان وليّا من دون الله. «وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً» (119: النساء) .. فهم بهذا واقعون تحت قول الله تعالى:
«اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» (257: البقرة) .. إنّهم أولياء الطاغوت.
هذا، وفى الآية الكريمة ما يكشف عن طبيعة الصراع بين الخير والشر، وأن داعى الشرّ فى الإنسان أكثر إلحاحا من داعى الخير، إذ كان مع الشر قوى خفيّة فى الإنسان تميل إليه، وتنتصر له، وهى أهواء النفس، ووساوس الشيطان.. فإذا لم ينتبه الإنسان إلى هذا الخطر الكامن فى كيانه، وإذا لم يقم على أهوائه حارسا من عقله وإرادته، ووازعا من دينه وخلقه، تسلّط الشر عليه، واستبدّ به، وملك أمره..
ولو أن هؤلاء الذين آمنوا ثم كفروا، ثم آمنوا ثم كفروا- لو أنهم وقفوا وقفة حازمة من أول الأمر فى وجه تلك الأهواء المسلطة عليهم، لما جرفهم هذا التيار الذي ألقى بهم فى غمرات الكفر والضلال، بحيث لا أمل لهم بعد هذا فى نجاة أو خلاص!.
وقوله تعالى: «بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً» هو كشف صريح لوجه هؤلاء الذين تردّدوا بين الإيمان والكفر.. فهم منافقون، وليس للمنافقين إلا العذاب الأليم..
وفى سوق العذاب الأليم إلى المنافقين بين يدى من يبشرهم به، ما يشير إلى شناعة موقف هؤلاء المنافقين وشؤم مصيرهم، وأنه إذا كان لهم ما يبشرون به فى الآخرة فهو هذا العذاب الأليم! فكيف ما يساءون به من ألوان المساءات، وهو شىء كثير شنيع.؟
وقوله تعالى: «الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ» هو صفة كاشفة لوجه من وجوه المنافقين، ذلك الوجه الذي يلقون به الكافرين فى ولاء ومودة.. وهذا يعنى أنهم على عداوة للمؤمنين، إذ أقاموا مع عدوّهم حلفا عليهم، يتمثل فى هذا اللقاء الودىّ بينهم وبين الكافرين.. والله سبحانه وتعالى يقول:«لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ» (22: المجادلة) .
ولكن هكذا المنافق، لا يمسكه مبدأ من خلق أو دين، وإنما تحركه أهواؤه، وتدفعه نزواته إلى الاتجاه الذي يتظنّى أن يجد فيه لقمة سائغة له! وفى قوله تعالى:«أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ» ما يكشف عن الغاية التي يتغيّونها من تعلقهم بحبال الكافرين، واستظلالهم بظلهم.. إنهم يريدون أن يستندوا إليهم، ويحتموا بجبهتهم، إذ خيّل إليهم أن جانب الكافرين هو القوىّ، بما فيهم من كثرة عدد، ومن سعة غنى، على حين كان المسلمون فى قلة من الرجال والأموال.