الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو عظيم، لأن الخلق خلقه، والناس عبيده، لا تفاضل بينهم عنده إلا بالتقوى!
الآيات: (60- 61- 62- 63)[سورة النساء (4) : الآيات 60 الى 63]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَاّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (62) أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63)
التفسير: ما تكاد الآيات القرآنية الكريمة ترفع يدها الآخذة بمخانق اليهود، وما يكاد اليهود يلتقطون أنفاسهم اللاهثة من تلك المطاردة العنيفة التي تلهب فيها آيات الكتاب الكريم ظهورهم بسياط ملتهبة من الفضيحة والخزي- ما كان ذلك يحدث حتى تعود إليهم الآيات الكريمة مرة أخرى، فتعيد معهم سيرتها الأولى، حتى تتقطع أنفاسهم.. إنها تلقاهم بعذاب أشبه بعذاب الآخرة، الذي يتبدل فيه المعذّبون جلودهم بجلود غيرها، كلما نضجت.. كما يقول الله تعالى:«كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ» .
وهنا فى هذه الآيات، يفضح الله اليهود ونفاقهم، إذ يجيئون إلى النبىّ فى صورة المؤمنين به، كما أنهم مؤمنون بما فى أيديهم من الكتب السماوية..
ثم هم مع هذا لا يرضون بالاحتكام إلى القرآن أو التوراة والإنجيل، وإنما يحتكمون إلى ما عندهم من ضلالات ومفتريات.. «يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ» وهو مجمع الباطل والضلال.. «وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ» إذ لا يجتمع إيمان بالله وبكتبه، مع الاطمئنان إلى الطاغوت والولاء له..!
إن هؤلاء المنافقين إنما يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم.. وإنه إذا كانت أفواههم تردد كلمات الإيمان بالله، والولاء لرسوله، فإن قلوبهم منطوية على إيمان غير هذا الإيمان، وسرائرهم منعقدة على ولاء غير هذا الولاء.. إيمان بالجبت، وولاء للطاغوت:«وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً» حيث يتصادم ظاهرهم مع باطنهم، ويغلب نفاقهم على إيمانهم، فيفرون من بين يدى هذه الدعوة التي يدعون فيها إلى الاحتكام إلى ما أنزل الله، وإلى ما يقضى به الرسول.
وقوله تعالى: «فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً» تنديم لهؤلاء المنافقين بما يجرّ عليهم النفاق من شر وشؤم. وأن عاقبة هذا الالتواء الذي تجرى عليه حياتهم إنما هو الخزي والخذلان.. وأنهم حين يحيق بهم مكرهم السيء، واحتكامهم إلى غير كتاب الله ورسول الله، يفزعون إلى الرسول بوجوه وقاح لا حياء فيها، ويحلفون- كذبا- ما أردنا فيما فعلنا من الاحتكام إلى غيرك إلّا معالجة الأمر على الوجه الذي نبغى به حسم الخلاف، والصلح بين المتخاصمين! وهذا عذر غير مقبول منهم، لأنهم لم يأخذوا طريقهم الذي سلكوه عن اجتهاد، وإنما كان عن خلاف متعمّد للرسول، ومنابذة له.
وقوله تعالى: «أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ» إشارة فاضحة لهؤلاء المنافقين، ممسكة بهم وهم متلبسون بنفاقهم.. وهذه الإشارة تكاد تكون يدا آخذة بناصية كل منافق من هؤلاء المنافقين، يجد كل منافق مسّها، ويستشعر اشتمالها على وجوده.
وقوله تعالى: «فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ» دعوة للنبى الكريم بالإغضاء عنهم، وترك مماراتهم والجدل معهم.. وذلك هو سبيل النبىّ فى موقفه من أهل الجدل والمراء، فى كل حال يلتقى فيها مع أصحاب النفوس المريضة، والطبائع السقيمة، حيث ينصح له الله سبحانه بقوله:«خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ» (199: الأعراف) .
وقوله تعالى: «وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً» استيفاء لرسالة الرسول، واستكمال لكمالها.. حيث لا تترك هؤلاء المرضى الذين يأبون أن يستطيّوا لدائهم، وأن يتناولوا ما يقدم لهم من دواء، بل إن واجب الرسالة أن تبالغ فى النصح لهم، وألا يحجزها هذا الضلال الذي يتخبطون فيه عن أن تسمعهم كلمات الله، وأن تشقّ طريقها إليهم من خلال هذا الضباب الكثيف المنعقد على بصائرهم، وبهذا تقوم الحجة عليهم، وتنقطع أسباب معاذيرهم.. «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ» (42: الأنفال) وفى هذا ما فيه من رحمة الله، وما تحمل رسالة الإسلام من خير عميم للناس، تسوقه إليهم من كل وجه، وتلقاهم به فى كل سبيل، حتى ولو كانوا على طريق الضالين، المعاندين.. إنها رحمة الله، تتلمس طريقها إلى كل قلب، وترسل شعاعها إلى كل إنسان.. «فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها» (104: الأنعام) .