الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية: (13)[سورة المائدة (5) : آية 13]
فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)
التفسير: لقد نقض بنو إسرائيل الميثاق الذي أخذه الله عليهم، فكفروا بآيات الله، ومكروا بها وجحدووا نعمه وأفضاله، وكذبّوا رسله، وأخذوهم بالأذى الذي بلغ فى كثير من الأحيان حدّ القتل.
فبسبب هذا لعنهم الله.. وكفى بهذا العقاب عقابا ونكالا.. إنه الهلاك الأبدى، والضياع لمعالم الإنسانية كلها، والخسران فى الدنيا والآخرة..
«أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً» (52: النساء) قوله تعالى: «وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً» هو مسخ لهذه القلوب، وقلب لطبيعتها، وتحول بها من قلوب بشرية إلى قلوب لا تمتّ إلى عالم البشر بصلة..
وهذا ما يشير إليه اللفظ القرآنى: «وجعلنا» الذي يدلّ على خلق جديد لهذه القلوب، وتصويرها فى صورة غير الصورة التي كانت.. ولهذا استباحت تلك القلوب كل منكر، وتقبّلت كل خبيث، دون أن تتأثّم أو تتحرج، حتى بلغ بها ذلك أن عبثت بكلمات الله، وغيرت معالمها، وبدّلت أوضاعها، وخلطتها بأهوائها ونزعاتها.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ» .. وقد ضبط القرآن الكريم الجيل الذي عاصر نزوله من أجيال اليهود- ضبطهم متلبسين بهذا المنكر الذي كان عليه آباؤهم مع كتاب الله الذي بين أيديهم.. فقد جرت على ألسنة هؤلاء الأبناء الذين عاصروا نزول القرآن، صور من صور التحريف والتبديل لكلمات الله، فقال تعالى: «مِنَ
الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ..»
(46: النساء) .
وهذا شاهد يشهد بلسان الواقع أن الأبناء والآباء على سواء، فى قسوة القلوب، وجرأتها على الله، وتبديلها لكلماته! قوله سبحانه:«وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ» .. الضمير هنا راجع إلى آباء اليهود، وأنهم لم يقفوا عند حدّ التحريف والتبديل لكلمات الله، بل لم يعملوا بما ظل سليما من تحريفهم فى الكتاب الذي بين أيديهم.. ذلك أنه بعد أن استقرت التوراة على ما فيها من تحريف، وتداولتها الأيدى، لم يكن من سبيل إلى إدخال تحريف عليها- فكان تحللهم من الأخذ بما لا يرضون من أحكام التوراة الباقية عندهم، هو الطريق البديل لهم من التحريف، لو كان ذلك التحريف مستطاعا لهم.. فعملهم هذا هو تحريف بصورة أخرى، بما يتأولون به النصوص، ويخرّجونها عليه، حسب ما تمليه أهواؤهم..
وقوله تعالى: «وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ» هو خطاب للنبى الكريم، وأنه يجد بين يديه من خيانات اليهود لأمانة الكلمة، وشرف العهد ما يصل حاضر اليهود بماضيهم، وأنهم أبدا على خيانة لله، ولرسول الله، ولعباد الله! وفى التعبير عن الخيانة بالخائنة ما يكشف عن هذا الأسلوب الخبيث الذي يتخذه اليهود فى خياناتهم، وأنه أسلوب قائم على المداهنة والنفاق.. حيث يخرج اليهود خيانتهم فى خبث ودهاء ومواربة، فلا يلقون بها إلا حيث لا ترصدهم العيون، ولا تواجههم الوجوه! وقوله تعالى:«إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ» هو استثناء لجماعة قليلة من اليهود، قد سلمت من هذا الداء الخبيث الذي اشتمل على القوم، ولم يبق على شىء منهم