الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دين فأفسدوه.. وعلى هذا فهم يحسبون أنهم أهل كتاب وأهل دين، وما هم- فى الواقع- بأهل كتاب، ولا بأصحاب دين.
وقوله تعالى: «وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً» هو حكم قاطع مؤكدّ، بأنهم لن يصلحوا ما أفسدوا، ولن يستقيموا على التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربّهم، وإلّا لكانت لهم رجعة إلى الدعوة الإسلامية، والتصالح معها ومع النبىّ الذي حملها.. ولكن أمرهم على غير هذا.. إنهم لن يزدادوا بما يسمعون من آيات الله التي تنزل على «محمد» إلا كفرا، وإلا عنادا وطغيانا..
وقوله تعالى: «فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ» هو استخفاف بأمر أهل الكتاب- وصرف النظر عنهم، وتركهم فى ضلالهم يعمهون، ليلقوا المصير السيّء الذي يلقّاه المحادّون لله، الكافرون به، غير مأسوف عليهم.. إذ كان ذلك من صنع أيديهم، وما جنته عليهم أنفسهم، وقد نصحوا فلم ينتصحوا، وأنذروا فلم تغنهم النّذر.. ومن كان هذا شأنه فلا يستحق أن يأسى (أي يحزن) عليه أحد.
الآية: (69)[سورة المائدة (5) : آية 69]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (69)
التفسير: الصابئون: هم الذين عبدوا غير الله.. يقال صبأ فلان أي مال.
فالصائبون، قد مالوا عن دعوة الفطرة التي فطر الله الناس عليها، واتبعوا أهواءهم..
وفى قوله تعالى: «وَالصَّابِئُونَ» بالرفع. بعد قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا» ما يشعر باختلاف النسق فى النظم، إذ عطف المرفوع على المنصوب.. وكان نسق النظم يقضى بأن يجىء هكذا:«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى» .. كما تقرر ذلك قواعد النحو، ومقولات النحاة.
وهذا أمر قد وقف عنده المفسّرون، وأكثروا وجوه القول فيه، والتخريج له، ليقيموا الآية الكريمة على أصول النحو وقواعده.
فقال قائل: إنه بعد أن طال الفصل بين إنّ وواو العطف فى «والصابئون» ضعف عمل إن فيما بعد الواو، وصارت الواو أشبه بواو استئناف..!!
وقال آخر: إن «الواو» واو استئناف فعلا، وذلك باعتبار أنها متأخرة على قوله تعالى:«وَالنَّصارى» .. أي أن المعنى هكذا: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم، والصابئون كذلك.!!
وهذه التخريجات، وإن أرضت النحاة، وسوّت حسابهم مع قواعد النحو، إلا أنها تذهب بكثير من روعة النظم القرآنى، وتخفت كثيرا من أضواء إعجازه.
والذي نراه فى الآية الكريمة، ونطمئن إليه، هو أن «والصابئون» معطوفة على الذين آمنوا، والذين هادوا، كما أن لفظ «النصارى» معطوف عليها، وأنها جميعا واقعة تحت حكم إنّ المؤكدة للخبر، الواقع على هؤلاء المذكورين جميعا! ولكن كيف هذا؟ وعلى أي وجه كان؟
نقرأ الآية الكريمة مرة أخرى، فنرى أربع طوائف من الناس، يقع عليها حكم واحد..
أولا: الذين آمنوا..
ثانيا: والذين هادوا..
ثالثا: والذين صبئوا..
رابعا: والذين تنصّروا ولا يظهر الإعراب فى أية لفظة من هذه الألفاظ الأربع إلا فى لفظة «الصابئون» ..
وقد ذكر القرآن الكريم الذين آمنوا والذين هادوا، فى صيغة الموصول وصلته، ولو ذكر «الذين صبئوا» بهذه الصيغة لوقع التكرار الذي يثير اضطرابا فى النظم، الأمر الذي يترفع عنه كلام الله..
ولهذا، عدل النظم القرآنى عن الذين «صبئوا» إلى قوله تعالى:
«وَالصَّابِئُونَ» .. و «ال» فى «وَالصَّابِئُونَ» يحتمل معنى الاسم الموصول، «الذين» وصابئون خبر لمبتدأ محذوف تقديره هم، أي والذين هم «صابئون» ومثلها «والنصارى» أي وكذلك الذين هم نصارى..
وقد كثر استعمال «ال» بمعنى الاسم الموصول، إذا اتصلت باسم مشتق، وهذا الاستعمال عربى فصيح.. يقول ابن هشام صاحب «مغنى اللبيب» فى «ال» إنها تأتى على ثلاثة أوجه.. أحدها: أن تكون اسما موصولا، بمعنى الذي وفروعه، وهى الداخلة على أسماء الفاعلين والمفعولين» ومن هذا قوله تعالى:«الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ» فقد دخلت الفاء فى الخبر، على تقدير: الذي يزنى والتي تزنى، فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة.. فذلك الشأن فى خبر الاسم الموصول دائما، مثل