الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القرآن والمسيح المصلوب
المسيح بين الألوهية والبشرية:
لم يلتفت القرآن الكريم إلى المسيح وإلى المعتقدات التي يعتقدها أولياؤه وأعداؤه إلّا من جانب واحد، هو شخصيته، وتحديد هذه الشخصية على الوجه الذي يراه له، وهو أنه إنسان بشر، وليس إلها ولا ابن إله، على الرغم من الأسلوب الفريد الذي ولد به! ففى الوقت الذي نزل فيه القرآن كان قد مضى على ظهور المسيح نحو ستة قرون، دارت فيها الأحداث التي صحبت حياته، منذ دخوله فى هذا العالم، إلى خروجه منه- دارت تلك الأحداث فيها دورات كثيرة، والتقت بأنماط مختلفة لا حصر لها من العقول، وكاد الأمر يستقر فى معتقد الناس، فى المسيح وفى الأحداث التي اتصلت به! فأتباعه كان قد انتهى بهم الرأى فيه إلى أنه «الله» ممثّلا أقنوم الابن من الأقانيم الثلاثة التي جعلوها لله، وهى: الأب، والابن، وروح القدس.
وأعداؤه- اليهود- لم يتغير رأيهم فيه منذ وقع فى أنفسهم أنهم صلبوه بتهمة الشعوذة والتجديف على الله.
وكان على القرآن أن يكشف عن شخص المسيح، وأن يضعه بالموضع الذي له فى حساب العقيدة.. أهو ابن الله؟ أم هو إله مع الله؟ أم هو الله وحده؟ أم هو بشر.. رسول من الله، إلى عباد الله؟
وقد حرص القرآن على أن يجلّى عن شخصية المسيح، وأن يدفع عنه كل شبهة تلبس على الناس أمره، وتجعل له إلى الألوهية مدخلا من أية جهة، وعلى أية صفة!
هذه هى قضية المسيح فى القرآن: أهو إله؟ .. أم هو إنسان من الناس وخلق من خلق الله؟ وإذ فصل القرآن فى هذه القضية فصلا قاطعا، وأنزل المسيح من سماء الألوهية إلى أرض البشر- إذ فعل القرآن هذا لم يلتفت من أمر المسيح إلى شىء وراءه، مما يجرى على البشر، وينزل بهم من أحداث، ويقع فى حياتهم من شئون.!
فإذا مات المسيح- على هذا الاعتبار- أو قتل فليس ذلك بالأمر الذي يجعل له حسابا خاصا دون الحساب الذي يجرى على الناس، حين يموتون أو يقتلون.
وإذا صلب المسيح، فهو واحد من كثيرين ماتوا بتلك الميته، وكما مضى المصلوبون إلى ما هم صائرون إليه، كذلك يمضى المسيح إلى مصيره! وإذا كان هناك من شىء يلتفت إليه فى هذا الأمر العارض، فهو هذا الحمق وذلك الضلال، اللذان يركبان الناس فيغريانهم بالتطاول على تلك الأيدى الكريمة الممدودة إليهم بالخير، والمبسوطة إليهم بالهدى، وأن يطفئوا بأفواههم هذا النور المتوهج فى ظلام ليلهم البهيم، وأن يمثّلوا بهذا الإنسان الطاهر البريء! إنه لا أكثر من الشعور بالحسرة والأسى، تندلع نارهما فى صدور الأخيار الأبرار من الناس، حين يصابون فى مثلهم الفاضلة، ويفجعون فى أسوتهم الحسنة، وحين يرون الشرّ يأكل منابت الخير ويفسد ثمارها! إنها وقفة.. قد تطول أو تقصر.. ثم تمضى الحياة ويمضى الناس معها فى هذا الصراع المتصل بين الحق والباطل والخير والشر، وفى هذا التدافع الدائم بين المحقّين والمبطلين، وبين الأخيار والأشرار!