الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآيات: (156- 158)[سورة النساء (4) : الآيات 156 الى 158]
وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَاّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158)
التفسير: ومما أحصاه الله من شناعات هؤلاء القوم- اليهود- كفرهم بالمسيح، وتكذيبهم له، وقولهم فيه وفى أمّه تلك الأقوال الشنيعة، التي هى محض بهتان وزور، فقد رموا مريم البتول بالفحش، واتهموها بالفاحشة ونسبوا ابنها إلى أنه ابن سفاح، جاء على غير رشدة.
كذلك مما أحصاه الله عليهم من المآثم، هذه الفعلة الشنيعة التي أصبحوا على إيمان بها، فلم يتأثمّوا، ولم يندموا، بل كان ذلك نغما مسعدا، ونشيدا مرفّها، يرددونه صباح مساء، ليغذّوا داء الانتقام والتشفّي الكامن فيهم..
«قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ» !! هكذا يملئون بها أفواههم، ويضربون بها على آذانهم! .. قتلنا المسيح.. عيسى بن مريم.. رسول الله..
فلم يكفهم أنهم قتلوا نفسا، بغيا وعدوانا.. كما كان ذلك معتقدهم..
ولم يكفهم أن تكون هذه النفس نفس إنسان لم يقل كلمة سوء، ولم يمدّ يده إلى أحد بسوء.. بل كان فمه مشرق نور ومطلع حكمة.. وكانت يده ملاك برّ ورحمة.. تهدى الشفاء إلى كل مريض، وتمسح بالعافية على كل ذى علة..
لم يكفهم هذا.. بل راحوا يعلنون هذا النبأ السارّ المسعد، يبشرون به فى آفاقهم، ويرفعونه إلى الله دعوات وصلوات، فى وقاحة واجتراء على الله.
ولم يكفهم هذا، فعرضوا قتيلهم هذا العرض الطويل الممتد.. حتى لكأنهم وقد مزّقوه أشلاء، أو قتلوه.. مرة، بعد مرة، بعد أخرى..
قتلنا..! .. يا للإثم العظيم! المسيح..! .. ويا للهول المهول! عيسى.. ويا للعنة السماء لمن يقولها! ابن مريم.. ويا لشؤم القوم الذين يردّدونها! رسول الله. ويا لسيف الله لمن يحارب رسل الله! ومع هذا، فإن القوم يهنؤهم الطعام والشراب.. بل إنهم ليأتدمون بهذا الدّم، ويغمسون به كل لقمة يأكلونها! وقولهم «المسيح» ليس اعترافا منهم بأنه المسيح، وإنما يقولون ذلك استهزاء به.. وكذلك قولهم:«رسول الله» فهم لم يعترفوا بالمسيح رسولا، ولم يقبلوه مسيحا.
وقوله تعالى: «وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ» هو كبت لليهود، وخزى لهم، إذ يفجؤهم القرآن الكريم بهذا الخبر، ويقطع لهم عنه الشك باليقين.. ذلك أنه كان قد وقع فى نفوسهم شك فى أن الذي قتلوه وصلبوه ليس هو المسيح، فإن هذا الشك قد أصبح يقينا بهذا الذي جاءهم به القرآن الكريم، وهم يعلمون صدقه، ويستيقنون أنه من عند الله، وإن جحدوه استكبارا، وعنادا.. وفى هذا يقول الله تعالى:«الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» (146: البقرة.)
والضمير فى يعرفونه يعود إلى القرآن.
وقوله تعالى: «بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً» هو كبت وخزى
لليهود، بهذا الفضل الذي فضل الله به على المسيح، بعد كبتهم وخزيهم، بإبطال كيدهم فيه، وإفساد مكرهم به..
لقد أرادوا موته وصلبه.. فلم تنله أيديهم، ونجاه الله منهم، بعد أن أخذهم بهذا الذنب العظيم، الذي عقدوا نيّتهم عليه، وشرعوا فى تنفيذه، بل ونفذوه.. ولكن لا فى المسيح كما قدروا، بل فى شخص آخر شبّه لهم أنه المسيح..
ولقد أرادوا يصلب المسيح أن يوقعوه تحت اللعنة، التي قضت بها شريعة موسى، والتي جاء فيها:«ملعون من علّق على خشبة» .. فما كان يقع تحت هذا الحكم من اليهود إلا من جدّف على الله، وكفر به.. فمن فعل هذا حكم عليه بالصلب، ثم الطرد من ملكوت الله! لقد أراد اليهود هذا بالمسيح، فرفعه الله إليه، وأعلى منزلته عنده، وأحلّه فى مقام كريم، مع المصطفين من عباده.
وقوله تعالى: «وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً» هو تعقيب على تلك الأحكام التي أجراها سبحانه وتعالى، والتي جاءت على غير ما أراد أهل الشر والسوء..
فبعزّته سبحانه أفسد كيد هؤلاء المضلّين المفسدين، وبحكمته وضع الأمور فى مواضعها، فجاءت على أتم صورة وأكملها..
هذا، ولما كانت قضية صلب المسيح.. من القضايا التي أثارت ولا تزال تثير كثيرا من الجدل والخلاف بين المسلمين والنصارى واليهود.. فقد رأينا أن نقف وقفة، ننظر بها نظرا أرحب وأوسع، فى هذه القضية، وفى رأى القرآن فيها، وفى مقولات المسيحيين واليهود عنها..