المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيتان: (51- 53) [سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 53] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٣

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآية: (24) [سورة النساء (4) : آية 24]

- ‌زواج المتعة.. والرأى فيه

- ‌الآية: (25) [سورة النساء (4) : آية 25]

- ‌الآيات: (26- 28) [سورة النساء (4) : الآيات 26 الى 28]

- ‌الآيتان: (29- 30) [سورة النساء (4) : الآيات 29 الى 30]

- ‌الآية: (31) [سورة النساء (4) : آية 31]

- ‌الآية: (32) [سورة النساء (4) : آية 32]

- ‌الآية: (33) [سورة النساء (4) : آية 33]

- ‌الآيتان: (34- 35) [سورة النساء (4) : الآيات 34 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 39) [سورة النساء (4) : الآيات 36 الى 39]

- ‌الآيات: (40- 42) [سورة النساء (4) : الآيات 40 الى 42]

- ‌الآية: (43) [سورة النساء (4) : آية 43]

- ‌الآيات: (44- 46) [سورة النساء (4) : الآيات 44 الى 46]

- ‌الآيتان: (47- 48) [سورة النساء (4) : الآيات 47 الى 48]

- ‌الآيتان: (49- 50) [سورة النساء (4) : الآيات 49 الى 50]

- ‌الآيات: (51- 52- 53- 54- 55- 56- 57) [سورة النساء (4) : الآيات 51 الى 57]

- ‌الآيتان: (58- 59) [سورة النساء (4) : الآيات 58 الى 59]

- ‌الآيات: (60- 61- 62- 63) [سورة النساء (4) : الآيات 60 الى 63]

- ‌الآيتان: (64- 65) [سورة النساء (4) : الآيات 64 الى 65]

- ‌الآيات: (66- 67- 68) [سورة النساء (4) : الآيات 66 الى 68]

- ‌الآيتان: (69- 70) [سورة النساء (4) : الآيات 69 الى 70]

- ‌الآية: (71- 72- 73) [سورة النساء (4) : الآيات 71 الى 73]

- ‌الآية: (74) [سورة النساء (4) : آية 74]

- ‌الآية: (75) [سورة النساء (4) : آية 75]

- ‌الآية: (76) [سورة النساء (4) : آية 76]

- ‌الآية: (77) [سورة النساء (4) : آية 77]

- ‌الآيات: (78- 79- 80) [سورة النساء (4) : الآيات 78 الى 80]

- ‌الآيات: (81- 83) [سورة النساء (4) : الآيات 81 الى 83]

- ‌الآية: (84) [سورة النساء (4) : آية 84]

- ‌الآية: (85) [سورة النساء (4) : آية 85]

- ‌الآية: (86- 87) [سورة النساء (4) : الآيات 86 الى 87]

- ‌الآية: (88) [سورة النساء (4) : آية 88]

- ‌الآيتان: (89- 90) [سورة النساء (4) : الآيات 89 الى 91]

- ‌الآية: (92) [سورة النساء (4) : آية 92]

- ‌الآية: (93) [سورة النساء (4) : آية 93]

- ‌الآية: (94) [سورة النساء (4) : آية 94]

- ‌الآيتان: (95- 96) [سورة النساء (4) : الآيات 95 الى 96]

- ‌آية: (97- 99) [سورة النساء (4) : الآيات 97 الى 99]

- ‌الآية: (100) [سورة النساء (4) : آية 100]

- ‌الآية: (101) [سورة النساء (4) : آية 101]

- ‌الآية: (102) [سورة النساء (4) : آية 102]

- ‌الآية: (103) [سورة النساء (4) : آية 103]

- ‌الآية: (104) [سورة النساء (4) : آية 104]

- ‌الآيتان: (106- 105) [سورة النساء (4) : الآيات 105 الى 106]

- ‌الآيات: (107- 109) [سورة النساء (4) : الآيات 107 الى 109]

- ‌الآيات: (110- 112) [سورة النساء (4) : الآيات 110 الى 112]

- ‌الآية: (113) [سورة النساء (4) : آية 113]

- ‌الآيتان: (114- 115) [سورة النساء (4) : الآيات 114 الى 115]

- ‌الآيات: (116- 121) [سورة النساء (4) : الآيات 116 الى 121]

- ‌الآيات: (122- 123- 124) [سورة النساء (4) : الآيات 122 الى 124]

- ‌الآيتان: (125- 126) [سورة النساء (4) : الآيات 125 الى 126]

- ‌الآيات: (127- 130) [سورة النساء (4) : الآيات 127 الى 130]

- ‌الآيات: (131- 134) [سورة النساء (4) : الآيات 131 الى 134]

- ‌الآية: (135) [سورة النساء (4) : آية 135]

- ‌الآية: (136) [سورة النساء (4) : آية 136]

- ‌الآيات: (137- 139) [سورة النساء (4) : الآيات 137 الى 139]

- ‌الآية: (140) [سورة النساء (4) : آية 140]

- ‌الآية: (141) [سورة النساء (4) : آية 141]

- ‌الآيتان: (142- 143) [سورة النساء (4) : الآيات 142 الى 143]

- ‌الآيات: (144- 147) [سورة النساء (4) : الآيات 144 الى 147]

- ‌الآيتان: (148- 149) [سورة النساء (4) : الآيات 148 الى 149]

- ‌الآيتان: (150- 151) [سورة النساء (4) : الآيات 150 الى 151]

- ‌الآية: (152) [سورة النساء (4) : آية 152]

- ‌الآيتان: (153- 154) [سورة النساء (4) : الآيات 153 الى 155]

- ‌الآيات: (156- 158) [سورة النساء (4) : الآيات 156 الى 158]

- ‌القرآن والمسيح المصلوب

- ‌المسيح المصلوب:

- ‌الآية: (159) [سورة النساء (4) : آية 159]

- ‌الآيتان: (160- 161) [سورة النساء (4) : الآيات 160 الى 161]

- ‌الآية: (162) [سورة النساء (4) : آية 162]

- ‌الآيات: (163- 165) [سورة النساء (4) : الآيات 163 الى 165]

- ‌الآيات: (166- 169) [سورة النساء (4) : الآيات 166 الى 169]

- ‌(الآية: 170) [سورة النساء (4) : آية 170]

- ‌الآيات: (171- 173) [سورة النساء (4) : الآيات 171 الى 173]

- ‌الآيات: (174- 175) [سورة النساء (4) : الآيات 174 الى 175]

- ‌الآية: (176) [سورة النساء (4) : آية 176]

- ‌5- سورة المائدة

- ‌الآية: (1) [سورة المائدة (5) : آية 1]

- ‌الآية: (2) [سورة المائدة (5) : آية 2]

- ‌الآية: (3) [سورة المائدة (5) : آية 3]

- ‌الآية: (4) [سورة المائدة (5) : آية 4]

- ‌الآية: (5) [سورة المائدة (5) : آية 5]

- ‌الآية: (6) [سورة المائدة (5) : آية 6]

- ‌الآية: (7) [سورة المائدة (5) : آية 7]

- ‌الآية: (8- 10) [سورة المائدة (5) : الآيات 8 الى 10]

- ‌الآية: (11) [سورة المائدة (5) : آية 11]

- ‌الآية: (12) [سورة المائدة (5) : آية 12]

- ‌الآية: (13) [سورة المائدة (5) : آية 13]

- ‌الآية: (14) [سورة المائدة (5) : آية 14]

- ‌(الآيتان: 15- 16) [سورة المائدة (5) : الآيات 15 الى 16]

- ‌الآية: (17) [سورة المائدة (5) : آية 17]

- ‌الآية: (18) [سورة المائدة (5) : آية 18]

- ‌الآية: (19) [سورة المائدة (5) : آية 19]

- ‌الآيات: (20- 26) [سورة المائدة (5) : الآيات 20 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 29) [سورة المائدة (5) : الآيات 27 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 31) [سورة المائدة (5) : الآيات 30 الى 31]

- ‌الآية: (32) [سورة المائدة (5) : آية 32]

- ‌الآيتان: (33- 34) [سورة المائدة (5) : الآيات 33 الى 34]

- ‌الآية: (35) [سورة المائدة (5) : آية 35]

- ‌الآيتان: (36- 37) [سورة المائدة (5) : الآيات 36 الى 37]

- ‌الآيتان: (38- 40) [سورة المائدة (5) : الآيات 38 الى 40]

- ‌الآية: (41) [سورة المائدة (5) : آية 41]

- ‌الآية: (42- 43) [سورة المائدة (5) : الآيات 42 الى 43]

- ‌الآية: (44) [سورة المائدة (5) : آية 44]

- ‌الآية: (45) [سورة المائدة (5) : آية 45]

- ‌الآيتان: (46- 47) [سورة المائدة (5) : الآيات 46 الى 47]

- ‌الآية: (48) [سورة المائدة (5) : آية 48]

- ‌الآية: (49) [سورة المائدة (5) : آية 49]

- ‌الآية: (50) [سورة المائدة (5) : آية 50]

- ‌الآيتان: (51- 53) [سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 53]

- ‌الآيات: (54- 56) [سورة المائدة (5) : الآيات 54 الى 56]

- ‌الآيتان: (57- 58) [سورة المائدة (5) : الآيات 57 الى 58]

- ‌الآيتان: (59- 60) [سورة المائدة (5) : الآيات 59 الى 60]

- ‌الآيات: (61- 63) [سورة المائدة (5) : الآيات 61 الى 63]

- ‌الآية: (64) [سورة المائدة (5) : آية 64]

- ‌الآية: (65- 66) [سورة المائدة (5) : الآيات 65 الى 66]

- ‌الآية: (67) [سورة المائدة (5) : آية 67]

- ‌الآية: (68) [سورة المائدة (5) : آية 68]

- ‌الآية: (69) [سورة المائدة (5) : آية 69]

- ‌الآيتان: (70- 71) [سورة المائدة (5) : الآيات 70 الى 71]

- ‌الآيات: (72- 77) [سورة المائدة (5) : الآيات 72 الى 77]

- ‌الآيات: (78- 81) [سورة المائدة (5) : الآيات 78 الى 81]

الفصل: ‌الآيتان: (51- 53) [سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 53]

وقوله تعالى: «وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ» هو تسفيه لأهل الكتاب، وفضح لجهلهم وضلالهم، إذ يعدلون عن شرع الله، ويخرجون عن حكمه، إلى شريعة الجاهلية، وأحكام السفاهة والضلال.. وذلك من حماقة عقولهم، وسفه أحلامهم، إذ أنه لا يعرف فرق ما بين أحكام الله، وأحكام غير الله، إلا من أخلى قلبه من نزعات الهوى، وصفّى مشاعره من وساوس النفاق، ونظر إلى الله بقلب سليم، فعرفه حق معرفته، وقدره حقّ قدره، ورأى أن هدى الله هو الهدى، وأن من اتبع غير سبيله ضل وهلك، ومن سلك سبيله رشد وسعد.

‌الآيتان: (51- 53)[سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 53]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (53)

التفسير: الأولياء: جمع ولىّ، والولي هو النصير، والظهير، والمعين..

وقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ» هو للنهى عن موالاة اليهود والنصارى، وليس دعوة إلى عداوة أو قطيعة،

ص: 1113

وإنما هو نهى عن مناصرتهم ومعاضدتهم، والوقوف إلى جانبهم، وهم على موقفهم من الإسلام ومحاربتهم له، فذلك خيانة للمسلمين، وعدوان على الإسلام.. إذ كيف يكونون هم حربا على الإسلام، ثم يكون فى المسلمين من هو على ولاء لهم، ومودة معهم؟

وقوله تعالى: «بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ» أي أن اليهود أولياء لليهود، والنصارى أولياء للنصارى.. وهذا أوّل ما فيه أن يجعل المسلمين أولياء للمسلمين، فلا يكون ولاء المسلم، ومناصرته ومناصحته، لغير المسلمين، فإذا لم يكن هذا الولاء، وتلك المناصحة من المسلم للمسلمين فلا أقّلّ من أن يقف عند هذا الحدّ السلبي- وهو موقف آثم- فلا يتحول إلى جبهة معادية للإسلام وأهله، فيكون لها مساندا مناصحا.. إن ذلك- كما قلنا- نفاق ظاهر، وكفر خفى! وقوله تعالى:«وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» هو بيان للوصف الذي يكون عليه من يجعل ولاءه لغير المسلمين من أهل الكتاب المحادّين لله ورسوله، المحاربين للإسلام والمسلمين، وهو أنه من هؤلاء الظالمين، المعتدين على حق دينه، وحق أتباع دينه، بخذلانهما، ومناصرة أعدائهما..

والظلم هنا شبيه بالظلم فى قوله تعالى: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» .. لأن المسلم الذي يوالى أهل الكتاب، ويترك موالاة المؤمنين قد حكم بغير ما أنزل الله واتبع ما يرضى هواه، ويحقق نفعا ذاتيا له، على حساب دينه.

قوله سبحانه: «فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ» ..

«الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» هم المنافقون، الذين ستروا نفاقهم بالدخول فى الإسلام، والانضواء تحت لواء المسلمين، ليتخذوا من الإسلام تجارة يتجرون بها فى سوق السحت والاختلاس.. وهذا لا يكون إلا من قلب مريض، يستقبل كل ضلال، دون أن يغصّ به، أو يزورّ عنه..

ص: 1114

والمسارعة فيهم أي فى أهل الكتاب: الانغماس فيهم، ولهذا جاء اللفظ القرآنى بتعدية الفعل سارع بحرف الجرّ «فى» ، بدلا من تعديته بحرف الجر «إلى» الذي يتعدى به هذا الفعل غالبا.. كقوله تعالى:«وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ» (133) آل عمران.

وفى تعدية الفعل بحرف الجر «فى» ما يكشف عن أن هؤلاء المنافقين ينغمسون فى أهل الكتاب، ويدخلون فيهم دخولا كاملا، حيث يحتويهم ظرف واحد، إذ هم كيان واحد يألف بعضه بعضا.

وفى قوله تعالى: «فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ» تشهير بهؤلاء المنافقين، وفضح لهم، وأنهم وإن لبسوا كل أثواب التخفّى، لا يلبث أمرهم أن ينفضح وينكشف، وأنهم بمرأى من النبي والمؤمنين، ولهذا جاء الفعل «ترى» وكأنه يشير إليهم، ويحدّد موقفهم الذي هم فيه فى الجبهة الأخرى، جبهة أهل الكتاب.. وهكذا المنافق دائما، إن لم يلتفت إليه أحد، دلّ هو الناس عليه، بكثرة التفاته إليهم وحذره منهم، وصدق المثل الذي يقول:

«يكاد المريب يقول خذونى!» وقوله تعالى: «يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ» هو ترجمة لهذه التصوّرات المريضة، التي يعيش فيها المنافقون.. فهم أبدا على خوف وقلق، لا يسكنون إلى أمر، ولا يقيمون على رأى، بل تراهم وأعينهم تدور هنا وهناك، يريدون أن يجمعوا بين الشيء ونقيضه، حتى إذا فاتهم هذا لم يفتهم ذاك.. فهم مع المؤمنين، يخشون أن تكون الكرّة لأهل الكتاب.. وهم مع أهل الكتاب يخشون أن تكون الدولة للمؤمنين.. ولهذا فهم يلبسون الإيمان ظاهرا، ثم يوادّون أهل الكتاب باطنا.. وبهذا- كما تصور لهم نفوسهم المريضة- يحمون أنفسهم من أىّ أذى يصيبهم من أية جبهة غلبت، إذ سرعان ما يتحولون إلى الجبهة الأخرى التي كانوا قد احتفظوا بمكان لهم فيها..

ص: 1115

فهؤلاء الذين يوادّون غير المؤمنين، ويلقون بأنفسهم فى أهل الكتاب، ويوثقّون صلاتهم بهم، إنما يفعلون هذا ليكون لهم منه شفيع عند أهل الكتاب، إذا كان لهم الغلب يوما على المؤمنين، فلا يصيبهم من الدائرة- وهى الهزيمة وما يلحق أصحابها من أذى- ما يصيب المؤمنين، إذا هم أصابتهم الدائرة التي يتوقعها المنافقون لهم.

وقوله تعالى: «فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ» هو وعيد للمنافقين بما يملأ قلوبهم حسرة وندما، إذ جاء تدبيرهم وبالا عليهم وخسرانا لهم، حين قدّروا أن الدائرة ستدور على المؤمنين، فأخلوا مكانهم من بينهم، واتخذوا أهل الكتاب أولياءهم- ثم هو وعد كريم من الله، يجىء بتلك البشريات المسعدة للمؤمنين، وبأنهم هم المنتصرون، وأن الخزي والخذلان لأعدائهم، ولمن انضوى إليهم من منافقين.. «فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ» الذي يمكّن للمؤمنين من أعدائهم، وقد جاء نصر الله والفتح، ودخل الناس فى دين الله أفواجا فدالت دولة الشرك، وذهبت ريح النفاق والمنافقين.

وقوله تعالى: «أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ» أي تدبير من عند الله، يجىء على غير انتظار، وعلى غير عمل من المؤمنين، كأن يوقع الشقاق والخلاف بين أحلاف السوء ومجتمع الضلال، فيفضح بعضهم بعضا، ويخذل بعضهم بعضا، فإذا أولياء الأمس أعداء اليوم، يبرأ بعضهم من بعض.

وحمل هذا الوعد الكريم من الله للمؤمنين على يدى فعل الرجاء «عسى» إنما ليقيم المسلمين على رجاء وأمل فى رحمة الله بهم، وفضله عليهم، فتظل قلوبهم شاخصة إلى الله، ذاكرة له، ترقب غيوث رحمته، وفواضل نعمه..

ولو جاء هذا الوعد الكريم قاطعا منجزا لما بعث فى القلوب المؤمنة تلك

ص: 1116

المشاعر المتجددة، ولما أمسك بها هذا الزمن الطويل، متشوّفة بأبصارها وقلوبها إلى غيوث رحمة الله، ومواطر أفضاله ونعمه.

وقوله تعالى: «فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ» هو عرض لتلك النهاية التي ينتهى إليها أمر هؤلاء المنافقين، وما يؤول إليه عاقبة مكرهم وتدبيرهم.. إنه الندم والحسرة والخسران.

قوله تعالى: «وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ» .. هو عرض لهؤلاء المنافقين فى معرض آخر من معارض الخزي والفضيحة، فبعد أن دعا الله سبحانه وتعالى كل ذى نظر أن ينظر إلى هؤلاء المنافقين، ويشهد كيف يتهالكون على أهل الكتاب، ويرتمون فى أحضانهم، خوفا من أوهام متسلطة عليهم- بعد أن عرضهم الله سبحانه فى هذا المعرض الفاضح، وتوعدهم بالخزي والخسران، بنصر الله المؤمنين، وبخذلان الكافرين والمنافقين- جاءت هذه الآية الكريمة، تدعو المؤمنين إلى أن يديروا النظر مرة أخرى إلى هؤلاء المنافقين، وأن يقلّبوا صفحات تاريخهم فى الإسلام، ويتتبعوا مسيرتهم معه.. ثم ليصدروا حكمهم عليهم.. وهنا يكثر حديث المؤمنين عن هؤلاء المنافقين، ويلقى بعضهم بعضا بما اطلعوا عليه من نفاقهم، فتكثر فيهم القالة، ويكثر العجب والدهش من أمرهم، وإذا الفضيحة تجلجل بصوتها فى كل أفق، وتتحرك بأشباحها فى كل مكان.

وليس ما حكاه القرآن من مقولة المسلمين فيهم: «أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ» ليس هذا هو كل ما قيل فيهم.. وإنما هو مضمون ما قيل، وصميم ما ينبغى أن يقال فى هؤلاء المنافقين.. إذ أنهم كانوا يحلفون بالله للمؤمنين جهد أيمانهم- أي بأغلظ أيمانهم وآكدها- إنهم لمع المؤمنين، ولن يتخلّوا عنهم فى حرب أو سلم..

ص: 1117