الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً
(8: النساء) ، ففى هذا تطييب لتلك النفوس التي حضرت القسمة.. وهؤلاء الذين خالطهم المورث واختلط بهم، هم ممن حضروا القسمة، فإن لم يحسبوا فى حساب الورثة، فليكونوا فى حساب ذوى القربى ممن لا ميراث لهم.
هذا ما أجمع عليه المفسّرون فى تفسير قوله تعالى: «وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ» ولكن الفهم الذي أستريح إليه، هو أن المراد بالذين عقدت أيمانكم، هم الأزواج والزوجات، إذ كان لهم نصيب مفروض فى الميراث، مثل ما فرض لموالى الإنسان وعصبته، ولكن كلمة «الموالي» لم تشملهن، فكان قوله تعالى «وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ» بيانا لحقّ الزوجين فى ميراث كل منهما لصاحبه.. وليس هناك عقد يمين أوثق من العقد الذي عقده الله بين الزوجين..
الآيتان: (34- 35)[سورة النساء (4) : الآيات 34 الى 35]
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَاّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (35)
التفسير: كما فضل الله النّاس بعضهم على بعض، لحكمة أرادها وتقدير
قدّره، كذلك فضل الله الرجال على النساء.. إذ كانوا فرعى شجرة الإنسانية..
فرع الذكورة، وفرع الأنوثة..
وهذا الفضل لا يعطى للرجال حقّ التسلط والقهر للنساه.. فهما معا يكملان الكائن الإنسانى الصالح للحياة، وواحد منهما لا حياة له، ولا بقاء، فى هذه الدنيا.. فكل منهما يناظر الآخر ويكمله.. وهذا لا يمنع من أن يكون أحدهما أولا، والآخر ثانيا، كما كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى.. ولو كانا على درجة واحدة، لكانا كائنا واحدا.. ذكرا، أو أنثى! وهذا- كما قلنا- ما لا تقوم عليه حياة الكائنات الحية، ومنها- بل ومن أولها- الإنسان! وليس بعيب المرأة أو يذرى من قدرها أن تكون العدد الثاني فى العددين:
واحد، وواحد، ليكون مجموعهما اثنين، كما يقول سبحانه وتعالى:
«وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً» (8: النبأ) .
فقوامة الرجل على المرأة فى قوله تعالى: «الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ، هى قوامة وظيفية، يقتضيها نظام الحياة، الذي جمع بينهما، ولو لم يكن للرجل حقّ القوامة، للزم أن يكون للمرأة هذا الحق.. إذ أنه لا بد أن يكون أحدهما أولا والآخر ثانيا..
وقوله تعالى: «بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ» يكشف عن المزايا التي من أجلها كان الرجل قوّاما على المرأة، ولم تكن المرأة قوّامه على الرجل..
فقد خصّ الله الرجل بمزايا تجعله أقدر على قيادة الركب الذي ينتظمه والمرأة معا، وينتظم معهما ما يثمران من بنين وبنات.
وهذه المزايا التي أعطت الرجل حقّ القوامة على المرأة- لم تقررها الشريعة إلا بعد أن نضجت فى بوتقة التجربة الإنسانية، على مدى الحياة التي
اجتمع فيها الرجل والمرأة، منذ كان الناس، وكان الرجال والنساء! وما قررته الشريعة ليس إلا اعترافا بواقع، وتصويرا لأمر مشهود، وليس إنشاء لوضع جديد بين الرجل والمرأة.
فالرجل أقوى من المرأة عموما، وأقدر على السعى فى وجوه الحياة، وكفالة حاجات المرأة والأولاد..
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ» فالرجل- فى أي زمان ومكان- مطالب عرفا ووضعا وشرعا بالإنفاق على زوجه وولده..
فإذا أخلت المرأة للرجل مكان القوامة، وأسلمته زمامها، فما ذلك إلا لأن يد الرجل أقوى على الإمساك بهذا الزمام، وأقدر على الوفاء بما تقتضيه تلك القوامة من أعباء! وكما أن بين الرجال والنساء درجة فى التفاضل، كذلك بين النساء درجة أو درجات فى الفضل، فليس كل النساء على سواء، فى الخلق وحسن العشرة.
«فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ» .
فهذا هو الوجه الطيب المشرق من النساء.. صالحات، قانتات، حافظات للغيب بما حفظ الله.. وهذا ما يشير إليه النبي الكريم فى قوله:«خير النساء امرأت إذا نظرت إليها سرّتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك فى نفسها ومالك» .
وهناك الوجه الآخر من النساء.. مكفهرّ.. غائم، يرمى بالرعد والبرق.
ومثل هذا الجوّ المضطرب، يفسد حياة الرجل، وحياة الأسرة كلها معه.
ومن حكمة الحكيم العليم ألّا يعجل بالعقوبة حتى يأخذ صاحبها بالنصح، وبالوعد، وبالوعيد، فإن ارعوى الغاوىء عن غيّه، ورجع الضالّ عن ضلاله، فلنفسه ابتغى الخير، وليده جمع ما جمع منه.
ولهذا دعا الله سبحانه وتعالى الرجال الذين يبتلون بالمرأة المعوجّة، ألا يعجلوا بالخلاص منها، فقد يكون داؤها عارضا، وقد يكون فى بعض الدواء ما يذهب بدائها..
«وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ..»
.. إنها مراحل ثلاث، يقطعها الرجل مع المرأة التي لا يتّسق خطوها مع خطوه، ولا ينتظم شأنها مع شأنه..
العظة أولا، وإسداء النصح، بالكلمة اللينة.. وقد تقبل المرأة هذا الدواء، ويكون فيه شفاؤها، وإصلاح أمرها.. وهذا علاج نفسىّ.
ثم تجىء المرحلة الثانية لمن لم تنفعها الموعظة، ولم تؤثّر فيها الكلمة الطيبة..
وهى الهجر فى المضاجع!.
وهذا عقاب بدني ونفسى معا..
فإذا كان فى ذلك شفاؤها من دائها، عاد إليها الزوج بصفحه ومودته ورحمته..
وإلا كانت المرحلة الثالثة.. وهى الضرب! وهو عقاب بدني خالص..
وينبغى أن يكون هذا الضرب أولا وأخيرا تحت شعور التأديب والإصلاح، كما يؤدّب الأب صغاره.. فإن مال إلى التشفّي والانتقام كان عدوانا «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» .
وفى قوله تعالى: «فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا» رسم للطريق القويم لهذه المرحلة، وضبط لحدودها..
وفى قوله سبحانه: «إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً» تذكير للرجال بما لله من سلطان، فى علوّه وكبريائه، وأنهم إذا بسطوا أيديهم بالبغي ومجاوزة الحدّ، كانت يد الله مبسوطة عليهم بالعقاب والانتقام!
وفى قوله تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها» .. هو بيان للمرحلة الرابعة، التي يقطعها الزوج مع الزوجة المستعصية على العلاج.
وذلك أنه إذا انتهت المراحل الثلاث، دون أن ينصلح أمر المرأة، أصبح الأمر بين الزوجين مؤذنا بالفراق، الذي يحسم ما نشأ بينهما من اختلاف وفرقة..
ويجىء التدبير السماوي قبل عملية البتر هذه، فيستدعى اثنين من أهل الخير، أحدهما من قبل الزوجة، والآخر من جهة الزوج، ليكون لهما نظر وراء نظر كل من المرأة والرجل، وليدرسا أسباب الخلاف بينهما، وليتعرفا على موطن الداء لهذا الخلاف.. وقد يريان الداء، ويجدان له الدواء.. وبهذا يعدل عن عملية البتر هذه، ويعود للحياة الزوجية صفاؤها وإشراقها.. وإلا كان البتر هو الدواء لهذا الداء..
وفى قوله تعالى: «إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما» إيقاظ لمشاعر الخير والإحسان فى الحكمين، ليكونا رسولى سلام، فى هذه السفارة التي ندبهما الله سبحانه وتعالى لها.. فإنهما إن ابتغيا الخير، وأرادا الإصلاح، كان لهما من الله عون وتوفيق، فيلتقيان على ما يصلح أمر الزوجين ويمسك عليهما ذلك الرباط الوثيق الذي وثقه الله بينهما.
وانظر فى رعاية الله سبحانه وتعالى لرباط الزوجية، وتقديره لها.. وكيف جاءت الشريعة الإسلامية بأكثر من دواء، لما يدبّ بين الزوجين من خلاف.. حتى فى الأحوال التي يستفحل فيها الداء، ويكون اليأس أقرب من الأمل فى شفائه! وانظر كيف يقع «الطلاق» بعد هذه المرحلة الطويلة، من احتمال الداء