الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو لم يلقنا هذا التخالف فى نظم الآية لما وقفنا عند تلك الكلمة، ولربّما داخلنا شعور- من حيث لا ندرى- أن الآية الكريمة نسق واحد، تنتهى إلى حكم واحد، هو ما ختمت به الآية فى قوله تعالى:«أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً» .
(وثانيا) ترديد كلمة «وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ» والدوران حولها، والبحث عن الوجه الذي تنتظم فيه بما قبلها أو بعدها.. وفى هذا الترديد لتلك الكلمة، والتحديق الطويل فيها- ما يربط الشعور بها، ويشدّ العقل إليها، ويشغل التفكير بها.. وذلك من شأنه أن يقيم الصلاة مقاما مكينا فى كيان المؤمنين، الأمر الذي يجب أن يكون للصلاة، إذ هى عمود الدّين، وركنه الركين..
من أقامها فقد أقام الدين، ومن ضيعها فقد ضيّع الدين..
والسؤال هنا..
ما الوجه النحوي الذي يستقيم عليه الرأى فى هذه الكلمة؟ وهل هى منصوبة على الاختصاص.. أو معطوفة على معمول الباء فى قوله تعالى:
«يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ» أي ويؤمنون بالمقيمين الصلاة.. رفعا لشأن الذين يقيمونها، وأنهم معلم من معالم الإيمان..؟
أما نحن فإنا لا نورد هذا السؤال.. ولا نتصدّى للإجابة عليه.. وإنما نتقبّل الأسلوب القرآنى، دون أن نجد فيه علة تدعو إلى كشف، أو غموضا يحتاج إلى بيان!! وغاية ما يمكن أن نقوله هو: أن هذا هو أسلوب القرآن..
وعلى النحو أن يصحح قواعده عليه، وعلى البلاغة أن تضبط موازينها به!
الآيات: (163- 165)[سورة النساء (4) : الآيات 163 الى 165]
إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (163) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (164) رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (165)
التفسير: ما حجّة هؤلاء الذين يفرّقون بين رسل الله، ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض؟ ما حجتهم؟ وما عذرهم؟ ورسل الله جميعا هم بعثة الهدى والرحمة المرسلة من الله إلى عباد الله.. لا يحملون فى أيديهم إلا الخير، ولا يمدّونها بغير الهدى! .. فكيف يقبل الناس على بعضهم ويعرضون عن بعض؟ وكيف يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض؟
إن ذلك هو كفر، وإن الإيمان المتلبس به لا معتبر له.. لأنه إيمان قائم على التعصب والهوى، لا على الحق والهدى.. ولو كان إيمانا صحيحا لا استقام على كل طريق يقوم على الإيمان ويدعو إليه..
وقوله تعالى: «إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ..»
هو بيان لهذا المنزّل على «محمد» صلوات الله وسلامه عليه، وأنه عليه الصلاة والسلام.. ليس بدعا من الرسل..
والأسباط، هم أبناء يعقوب.. وعدتهم اثنا عشر ومنهم، يوسف- عليه السلام.
وفى قوله تعالى: «وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً» - ما يسأل عنه.. وهو:
لم انفرد داود عليه السلام بقوله تعالى: «وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً» ؟ ولم لم يدرج
مع الأنبياء الذين أوحى الله إليهم، وكان لهم ذكر قبله؟.
والجواب على هذا، هو أن «الزبور» لم يكن من كلمات الله الموحى بها، وإنما كان إلهامات ومشاعر فاض بها قلب داود، فى مقام الولاء والخشوع لله، فكانت ترانيم جرت على لسانه، يمجّد الله بها، ويرفعها إليه فى صلوات خاشعة، أشبه بالمأثور من دعاء النبىّ صلوات الله وسلامه عليه، فى مواقف صلواته لله، وتسبيحه له.. ولهذا أضيفت إليه فسميت «مزامير داود» .
وقد نوّه الله سبحانه وتعالى، بهذه التسابيح التي فاض بها قلب داود، وأطلقتها مشاعره. وردّدها لسانه- لما فيها من صدق الإيمان، وإخلاص الحبّ والولاء لله، وجعلها سبحانه، مما يتقرب بها إليه المؤمنون، ويسبّحه بها المسبّحون! وقوله تعالى:«وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً» إشارة إلى أن ما تلقّى موسى من كلمات ربّه لم يكن عن وحي ينقل إليه كلمات الله، كما كان يفعل جبريل مع أنبياء الله، وإنما كان تلقيا مباشرا من الله سبحانه:«وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً» وفى تأكيد هذا الخبر ما يدفع أي احتمال لمجاز، بل إنّ هذا الذي تلقاه موسى من ربّه، كان مما كلّمه الله به، وكتبه له فى الألواح.. وفى هذا يقول الله تعالى:«وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ» (145: الأعراف) وكان ذلك فى أربعين ليلة هى التي انعزل فيها موسى عن قومه، ليستقبل ما تلقاه من ربّه.. وفى هذا يقول الله تعالى:«وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» (142: الأعراف) .
وقوله تعالى: «رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ» أي أرسلنا رسلا إلى الناس،