الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأحكامه وآدابه كما جاء بها، ثم هو وعيد لهم إذا هم انحرفوا عن الأخذ بما أنزل الله فيه، فتأوّلوه على غير وجهه، أو حرّفوا الكلم عن مواضعه.. إنهم حينئذ يحكمون بغير ما أنزل الله.. «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» أي الخارجون على دين الله، وما تلقى المسيح من ربه.. فلينظروا أي دين هم عليه بعد هذا الدين؟ .. وقد وصف الذين يحكمون بغير ما أنزل الله بثلاثة أوصاف.. الظالمون.. الكافرون.. الفاسقون.. فجمعوا الشر من جميع أطرافه.
الآية: (48)[سورة المائدة (5) : آية 48]
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)
التفسير: بعد أن بيّن الله سبحانه وتعالى، التوراة وما أنزل فيها من شريعة، والإنجيل وما حمل من آيات الله، وبعد أن دعا أصحاب التوراة والإنجيل أن يحكموا بما أنزل الله فيهما، وأن يقيموهما على ما نزلا به من الحق والهدى- بعد ذلك ذكر الله- سبحانه- القرآن الكريم، والنبىّ الذي تلقاه من ربه.
فقال تعالى: «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ» .. وفى هذا أمور:
1-
توجيه الخطاب للنبىّ من الله سبحانه وتعالى، وفى هذا تكريم للنبى الكريم، وتشريف لمقامه العظيم، وقربه من ربه جلّ وعلا..
2-
العدول عن ذكر القرآن وتسميته بالكتاب، إشارة إلى أنه الأصل الذي ترجع إليه الكتب السماوية التي نزلت على الأنبياء من قبل، والتي هى جميعها كتاب واحد.
3-
فى وصف الكتاب بالحق- مع أن نزوله من عند الله، يخلع عليه هذه الصفة من غير وصف- هو توكيد لما يحمل من الحق، وصيانة لهذا الحق من أن يقع تحت تحريف أو تبديل، إذ كان منزلا بيد الله.. «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ» .. إنه غرس من غرس الله، ولن يتعرض هذا الغرس الإلهى لأية آفة من الآفات التي تعرّض لها غيره.. وهذا ما يشير إليه قوله سبحانه:«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ» .
وفى قوله تعالى: «مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ» أمور أيضا:
1-
أن هذا الكتاب مصدق لما بين يديه من الكتاب.. والكتاب الأول هو القرآن، والكتاب الثاني هو جميع الكتب السابقة، أي هو مستول عليها، ومشتمل على أصولها، التي تنضبط عليه، وترجع عند تأويلها إليه..
وقوله تعالى: «فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ» هو خطاب للنبى أن يحكم بين المحتكمين إليه من اليهود والنصارى، بما أنزل الله، وأن يكون القرآن الذي بين يديه هو عمدة الأحكام، يرجع إليه، وتضبط أحكام الكتب السابقة على أحكامه، فما وافقه منها أخذ به، وما خالفه اعتبر محرفا ومبدلا، ليس من كتاب الله، ولا من شريعة الله.
وقوله سبحانه: «وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ» هو تنبيه للنبىّ ألّا يمدّ بصره إلى تحريفات أهل الكتاب، وإلى الشرائع التي أحدثوها..
وحسبه ما بين يديه من الحق الذي يجده فى القرآن الكريم.
وقوله سبحانه: «لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً» هو بيان للحكمة فى تعدد الشرائع السماوية، وتعدد الكتب التي جاءت بها، والرسل الذين حملوها.. إذ كان لكل أمة زمانها ومكانها، وللزمان والمكان، أثره فى الأمم، وفى اختلاف مناهجها فى الحياة، وأساليبها فى العمل.. فكان أن حمل رسل الله إلى كل أمة قبسا من شريعة الله، مقدورا بقدرها، محسوبا بحسابها، وما يلائم طبيعتها، وظروف زمانها ومكانها.. وهى جميعها (أي الشرائع) تستقى من شريعة واحدة، وتورد أتباعها على مورد من مواردها..
وفى قوله تعالى: «شِرْعَةً» ما يشير إلى أنها مقطع من مقاطع الشريعة العامة، التي جاء بها القرآن الكريم، وأن تلك الشرعة ما هى إلا مورد ترده الأمة على نهر الشريعة العامة، فتستقى منه، وتحمل بقدر ما تحتمل..
وفى قوله تعالى: «وَمِنْهاجاً» إشارة أخرى إلى اختلاف الأمم والشعوب، وأنها لا يمكن أن ترد موردا واحدا، على الشريعة العامة، وأن تحشر حشرا على مورد واحد منها.. لاختلاف الطبيعة، واللغة، وغيرها مما يجعل لكل أمة وجهها الذي تظهر به فى. الحياة، فاقتضت حكمة الحكيم العليم أن يقيم كل أمة على مورد من شريعته.
وقوله تعالى: «وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً» أي لو أراد الله سبحانه أن يجعل الناس أمة واحدة، تلتقى على مشاعر واحدة، ولغة واحدة، لفعل، فما لمشيئته من معقّب، أو معترض، ولكنه سبحانه حكيم عليم، اقتضت حكمته، وشاءت إرادته أن يجعل الناس أمما وشعوبا، كما جعلهم أفرادا، وكما جعلهم ذكرا وأنثى..
وقوله سبحانه: «وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ» أي ولكنه سبحانه وتعالى لم يجعلكم أمة واحدة، كما لم يجعلكم كائنا واحدا، ليكون لكل أمة حسابها،