الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والاستفهام هنا إنكارى تهديدى، يكشف للمنافقين سوء تقديرهم، وخسارة صفقتهم التي عقدوها مع الكافرين..
«فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً» .. وإن أخسر الناس صفقة، من أراد العزة فاتخذ غير الله طريقا إليها، وغير المؤمنين أولياء له فى طلبها.. إن العزة لله جميعا، وإن العزة لأولياء الله، ولمن والى أولياء الله.. والله سبحانه وتعالى يقول:
«وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ» (8: المنافقون) .
الآية: (140)[سورة النساء (4) : آية 140]
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140)
التفسير: للنفاق مداخل كثيرة إلى القلوب، فهو يتدسّس إلى الإنسان فى خفاء، ويتحسس مواطن الضعف منه فينفذ إليها، حتى يتمكن منها، وإذا المرء وقد عشش فيه النفاق، ثم باض وأفرخ، وإذا هو فى المنافقين، لا يملك دفع هذا الداء الذي جثم على صدره.
لهذا كان الإسلام حريصا على أن ينبّه المسلمين إلى هذا الخطر، ويحذّرهم من أن يلمّوا به، أو يحوموا حوله، حتى لا تصيبهم عدواه، فيتعذر شفاؤهم منه..
وفى طبّ الأجسام، أنّ الوقاية خير من العلاج، وهى فى طبّ الأرواح أوجب وألزم.
وقوله تعالى: «وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ» - هو تنبيه للمسلمين من داء النفاق أن ينفذ إليهم إذا هم جلسوا مجلسا مع أعداء الله من المنافقين الكافرين، ثم ذكرت فى هذا المجلس آيات الله على لسان هؤلاء المنافقين الكافرين، فى معرض الاستهزاء والسخرية، ثم لم يكن من المسلمين إنكار لهذا المنكر ودفع له باليد أو اللسان- وذلك بأن يكونوا فى حال ضعف لا يقدرون معه على مواجهة هؤلاء المجتمعين على المنكر.!
والموقف الذي يجب أن يتخذه المؤمن فى تلك الحال هو أن يخلص بنفسه من هذا المجلس الآثم، وألّا يستمع لهذا المنكر الذي يدور فيه.. فإنه إن لم يفعل، وسكت على ما يسمع- وهو مغلوب على أمره- كان صمته هذا- ولو فى ظاهره- دليلا على رضاه، ومظاهرة لأهل المنكر على منكرهم، وليس- والحال كذلك- من شفيع يشفع له بأنه ليس من أهل هذا المجلس، يقتسم معهم الإثم الذي يدور بينهم، ويحمل نصيبه منه..
وفى قوله تعالى: «وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ» إشارة إلى ما نزل قبل هذا من قرآن فى مثل هذا الموقف، وهو قوله تعالى:«وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ» (68: الأنعام) .
فهذه الآية هى توكيد لهذا التنبيه الذي سبق نزول القرآن به من قبل، وتحذير جديد لأولئك الذين لم ينتهوا عمّا نهوا عنه، والخطاب فى الآية موجّه إلى النبىّ صلى الله عليه وسلم، هو أمر ملزم لأتباع النبىّ، إذ كان النبيّ إمامهم وقدوتهم.
وقوله تعالى: «يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها» هو حال كاشفة للصفة التي تدور بها آيات الله على ألسنة الكافرين والمنافقين.. وهى أنها تدور للسخرية والعبث.
وقوله تعالى: «فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ» هو نهى للمسلمين عن الجلوس فى هذا المجلس القائم على تلك الصفة، وليس نهيا عاما مطلقا على تجنب الجلوس مع المنافقين والكافرين، ففى ذلك إعنات للمؤمنين، فقد تستدعى أحوالهم أن يكونوا بحيث لا منصرف لهم عن الحياة مع هذه الجماعة، وتبادل المنافع معها! على أن من السلامة لدين المؤمن أن يتجنب مجالس هؤلاء القوم ما استطاع، فإذا مسّت هذه المجالس دينه بما يسوء، كان أمرا لازما عليه أن يتحول عن هذه المجالس فى الحال، ولا يخلط نفسه بها، وإلّا حمل وزره من الإثم الذي يتعاطاه فيها أهل النفاق والكفر.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ» أي لا فرق بينكم أيها المؤمنون وبين هؤلاء الأثمة، الذين يهزءون بآيات الله ويسخرون منها، إذا أنتم استمتعتم إلى هذا المنكر ولم تنكروه..
وفى قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً» تهديد ووعيد بهذا المصير المشئوم الذي ينتظر الكافرين والمنافقين، ومن يلوذ بالكافرين والمنافقين، ويركن إليهم، ويستمع للزور الذي يدور بينهم.