الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مبشرين ومنذرين، يبشرونهم بمغفرة ورضوان إذا هم استجابوا لرسل الله، وآمنوا بالله، وينذرونهم بما يلقون من سخط الله وعذابه، إذا هم كذّبوا رسل الله وكفروا بالله..
وقوله سبحانه: «لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ» هو إشارة إلى ألطاف الله، ورحمته بعباده، حيث لم يدعهم إلى عقولهم ليتعرفوا إليه، ويستقيموا على سبيله، بل رفد هذه العقول بذلك النور الهادي الذي حمله إليهم رسل الله، لتكون رؤيتهم لآيات الله واضحة، وطريقهم إليه مشرقا..
فمن كفر بالله وحاد عن طريقه، فليس ذلك عن علّة، إلا العناد، واتباع الهوى، والانقياد للشيطان.. فإذا أخذ الكافر بكفره، فذلك هو الحكم الذي حكم به الكافر على نفسه، ورضيه لها. فلا عذر لمعتذر، ولا حجة لكافر.
وقوله تعالى: «وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً» هو بيان للصفة الإلهية المتجلية على العباد فى هذا المقام. فهو سبحانه وتعالى عزيز، يخضع لعزته كل موجود.. ولو شاء لأخذ الناس بغير حجّة عليهم، ولعذبهم من غير أن يبعث فيهم رسله مبشرين ومنذرين- إذ ليس لأحد أن يراجع الله، ولا أن يعترض على ما يريد.. ولكنه- سبحانه- مع هذه العزة المتمكنة الغالبة «حكيم» لا يفعل إلا ما تقضى به حكمته، فى إشراقها وعدلها.
الآيات: (166- 169)[سورة النساء (4) : الآيات 166 الى 169]
لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (166) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (168) إِلَاّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (169)
التفسير: قوله تعالى: «لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ» هو رد على المكذبين برسول الله، الذين يتهمونه- كذبا- وبهتانا- أنه يدّعى على الله هذا الكتاب الذي يقول فيه إنه من عند الله..
وقد ردّ الله سبحانه وتعالى عليهم بتلك الشهادة القاطعة، بأن هذا الكتاب هو من عند الله.. فهو كتاب الله، وقد شهد الله سبحانه أنه كتابه، وأنه هو الذي أنزله.
وإذ يكون الكتاب المكذّب به، هو الذي يحمل تلك الشهادة التي تشهد له بأنه من عند الله، الأمر الذي لا يجرؤ عليه أحد، يقف مثل هذا الموقف، ويواجه بمثل هذا الاتهام- فإن هذا فى ذاته دليل على أن الكتاب هو كتاب الله، وأن الله هو الذي يشهد لكتابه، ولو أن القرآن كان من عمل محمد، لما كان من التدبير الحكيم أن يحمّل هذا القرآن شهادة تشهد له أنه من عند الله!! إذ من يصدق هذا، أو يقبله، ممن يدفعون الكتاب جملة، ويتهمون حامله إليهم بالكذب والافتراء!؟
ولكن حين يكون الكتاب هو كتاب الله، والرسول هو رسول الله، فإنه مأمور بأن يبلغ ما ما يتلقّى من ربّه، وأن يحمل هذه الشهادة ويبلّغها، غير عابىء بما يلقاه به المكذبون من تشنيع وشغب! وهذا أبلغ دليل على أن الكتاب هو من عند الله، وليس محمد إلا رسولا مبلّغا له.
وقوله تعالى: «أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ» أي أنزل الله هذا الكتاب الذي أنزل إليك، بعلمه وتقديره، حيث تخيّر له الرّسول الذي هو أهل لحمله وأداء الرسالة المشتمل عليها..
وفى هذا يقول الله سبحانه: «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ» (124: الأنعام) وقوله سبحانه: «وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ» أي والملائكة يشهدون أن هذا الكتاب هو من عند الله، وأنك الرسول المتخيّر.
وشهادة الملائكة قائمة على الحق، لأنهم لا يعرفون الكذب، ولا يتعاملون به.. فهم إذا شهدوا على شىء كان حجة على الناس أن يأخذوا بهذه الشهادة، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (18: آل عمران) أي والملائكة وأولوا العلم يشهدون بأن الله لا إله إلّا هو قائما بالقسط.
وقوله تعالى: «وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً» هو دفع لشبهة من يقع فى وهمه أن شهادة الملائكة تزكية لشهادة الله وتقوية لها.. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وإنما شهادة الملائكة هى إقرار بالحق الذي يجب أن يشهد به الوجود كله، وبخاصة أصحاب العقول، وأولوا العلم! وإذا كانت تلك هى شهادة الله سبحانه للقرآن الكريم، وهى شهادة الملائكة أيضا له.. فإن الذين لا يأخذون بهذه الشهادة، ويظلّون على ما هم فيه من كفر وعناد، لا يستقيم لهم طريق على الحق أبدا، وأنهم إذ كفروا وظلموا أنفسهم بهذا الكفر، فليس لهم فى رحمة الله نصيب:«لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً» .
وقوله تعالى: «إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ» هو كشف عن هذا المصير الذي سيصير