الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية: (86- 87)[سورة النساء (4) : الآيات 86 الى 87]
وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (86) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَاّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (87)
التفسير: التحيّة التي يتبادلها الناس فيما بينهم، هى مفتاح يفتح مغالق القلوب فيهم، وأشعة دافئة تذيب الثلج وتدفع الضباب الذي بينهم.. ولهذا كانت عرفا ملتزما فى مختلف الأمم، والشعوب، على مدى الأزمان..
وهى فى الإسلام، خير يتهاداه الناس، وبرّ يلقى به بعضهم بعضا.. من قبض يده عن بذله، أو كفّها عن أخذه، فقد فاته حظه من هذا الخير، وحرم نصيبه من هذا البرّ..
وقد أخذ الإسلام المسلمين بهذا الأدب الإنسانى، وجعله شعيرة من شعائر الإسلام، وأوجب على من بدأه أحد يتحية، أن يتقبلها بقبول حسن، وأن يردّها بتحية مثلها، أو خير منها.. إذ كان الذي بدأ بالتحية، قد بدأ بفضل وإحسان، ورد التحية بمثلها قضاء لقرض حسن، فلا حمد لمن أدّى ما اقترض..
والحق يقتضيه أن يشكر لمقرضه، ويثنى عليه.. ومن حق البادئ بالتحية أن يردّ عليه بأحسن مما بدأ به..
والله سبحانه وتعالى يقول: «هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ» ..
ومقابلة الإحسان بالإحسان ليست جزاء له، وإنما هى وفاء له، والجزاء يكون بمقابلة الإحسان بما هو أحسن من هذا الإحسان..
والتحية الطيبة بين المسلمين هى من الشفاعة الحسنة التي أشارت إليها الآية السابقة.. وهى وجه من وجوه تلك الشفاعة..
وتحية الإسلام، هى كلمة:«السّلام» مشتقة من الإسلام، يلقى بها
الإنسان أخاه قائلا: «السلام عليكم» فيلقاه أخوه بها قائلا: «وعليكم السلام ورحمة الله» .. وفى هذا الجوّ الذي تتردد فى جنباته كلمات السلام، تفىء النفوس إلى السّلم، وتهفو إلى العافية، وتستروح روح المودة والإخاء..
وإذ يأخذ المسلمون أنفسهم بهذا الأدب الإسلامى، وإذ تشيع بينهم هذه الكلمة الطيبة الرائعة، وإذ ينطق بها من نطق عن وعى ويقظة، وإذ يتلقاها من تلقّى عن إدراك وفهم، فإنك لن تجد فى مجتمع يتخذ هذه الكلمة شعارا ودثارا- قلبا يحمل بغضة، أو صدرا ينطوى على عداوة، وإنه لا شى إلا المودة والحب والسلام..
وإذا كان الإسلام قد آثر كلمة «السّلام» لما يشعّ منها من المعاني الكريمة الطيبة، التي تقتل جراثيم العداوة والبغضة، فإنه- مع هذا- يتقبل أية تحية طيبة يتبادلها الناس، ويتوسمون فيها سمات الخير والإحسان.. ولهذا جاء قوله تعالى:«وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» غير مقيد التحية بقيد مخصوص، ولا واقف بها على صورة خاصة، ليتيح للناس من التحايا ما يغذى عواطف الأخوة والمودة بينهم، سواء أكانت تلك التحية لفظة ملفوظة، أو حركة معبّرة، أو إشارة دالة، أو إماءة موحية.. إذ لا يعنى الإسلام من هذا إلا الأثر المترتب عليه، ولا يعنيه شىء ممّا يظهر فيه من صور وأشكال. وإن كانت كلمة السلام هى تحية الإسلام، وشارة المسلمين.
وقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً» إشارة إلى أن هذه التحية حق من الحقوق الواجب بذلها، كما أنها حق من الحقوق الواجب أداؤها إلى أصحابها.. وأداؤها يكون بقبولها، وردّها بأحسن منها! وأن الله سبحانه حسيب على كل شىء.. يضبطه، ويجازى عليه! ومع أن التحية مجرد كلمات قليلة متبادلة بين الناس والناس، لا يتكلف لها