المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (116- 121) [سورة النساء (4) : الآيات 116 الى 121] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٣

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآية: (24) [سورة النساء (4) : آية 24]

- ‌زواج المتعة.. والرأى فيه

- ‌الآية: (25) [سورة النساء (4) : آية 25]

- ‌الآيات: (26- 28) [سورة النساء (4) : الآيات 26 الى 28]

- ‌الآيتان: (29- 30) [سورة النساء (4) : الآيات 29 الى 30]

- ‌الآية: (31) [سورة النساء (4) : آية 31]

- ‌الآية: (32) [سورة النساء (4) : آية 32]

- ‌الآية: (33) [سورة النساء (4) : آية 33]

- ‌الآيتان: (34- 35) [سورة النساء (4) : الآيات 34 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 39) [سورة النساء (4) : الآيات 36 الى 39]

- ‌الآيات: (40- 42) [سورة النساء (4) : الآيات 40 الى 42]

- ‌الآية: (43) [سورة النساء (4) : آية 43]

- ‌الآيات: (44- 46) [سورة النساء (4) : الآيات 44 الى 46]

- ‌الآيتان: (47- 48) [سورة النساء (4) : الآيات 47 الى 48]

- ‌الآيتان: (49- 50) [سورة النساء (4) : الآيات 49 الى 50]

- ‌الآيات: (51- 52- 53- 54- 55- 56- 57) [سورة النساء (4) : الآيات 51 الى 57]

- ‌الآيتان: (58- 59) [سورة النساء (4) : الآيات 58 الى 59]

- ‌الآيات: (60- 61- 62- 63) [سورة النساء (4) : الآيات 60 الى 63]

- ‌الآيتان: (64- 65) [سورة النساء (4) : الآيات 64 الى 65]

- ‌الآيات: (66- 67- 68) [سورة النساء (4) : الآيات 66 الى 68]

- ‌الآيتان: (69- 70) [سورة النساء (4) : الآيات 69 الى 70]

- ‌الآية: (71- 72- 73) [سورة النساء (4) : الآيات 71 الى 73]

- ‌الآية: (74) [سورة النساء (4) : آية 74]

- ‌الآية: (75) [سورة النساء (4) : آية 75]

- ‌الآية: (76) [سورة النساء (4) : آية 76]

- ‌الآية: (77) [سورة النساء (4) : آية 77]

- ‌الآيات: (78- 79- 80) [سورة النساء (4) : الآيات 78 الى 80]

- ‌الآيات: (81- 83) [سورة النساء (4) : الآيات 81 الى 83]

- ‌الآية: (84) [سورة النساء (4) : آية 84]

- ‌الآية: (85) [سورة النساء (4) : آية 85]

- ‌الآية: (86- 87) [سورة النساء (4) : الآيات 86 الى 87]

- ‌الآية: (88) [سورة النساء (4) : آية 88]

- ‌الآيتان: (89- 90) [سورة النساء (4) : الآيات 89 الى 91]

- ‌الآية: (92) [سورة النساء (4) : آية 92]

- ‌الآية: (93) [سورة النساء (4) : آية 93]

- ‌الآية: (94) [سورة النساء (4) : آية 94]

- ‌الآيتان: (95- 96) [سورة النساء (4) : الآيات 95 الى 96]

- ‌آية: (97- 99) [سورة النساء (4) : الآيات 97 الى 99]

- ‌الآية: (100) [سورة النساء (4) : آية 100]

- ‌الآية: (101) [سورة النساء (4) : آية 101]

- ‌الآية: (102) [سورة النساء (4) : آية 102]

- ‌الآية: (103) [سورة النساء (4) : آية 103]

- ‌الآية: (104) [سورة النساء (4) : آية 104]

- ‌الآيتان: (106- 105) [سورة النساء (4) : الآيات 105 الى 106]

- ‌الآيات: (107- 109) [سورة النساء (4) : الآيات 107 الى 109]

- ‌الآيات: (110- 112) [سورة النساء (4) : الآيات 110 الى 112]

- ‌الآية: (113) [سورة النساء (4) : آية 113]

- ‌الآيتان: (114- 115) [سورة النساء (4) : الآيات 114 الى 115]

- ‌الآيات: (116- 121) [سورة النساء (4) : الآيات 116 الى 121]

- ‌الآيات: (122- 123- 124) [سورة النساء (4) : الآيات 122 الى 124]

- ‌الآيتان: (125- 126) [سورة النساء (4) : الآيات 125 الى 126]

- ‌الآيات: (127- 130) [سورة النساء (4) : الآيات 127 الى 130]

- ‌الآيات: (131- 134) [سورة النساء (4) : الآيات 131 الى 134]

- ‌الآية: (135) [سورة النساء (4) : آية 135]

- ‌الآية: (136) [سورة النساء (4) : آية 136]

- ‌الآيات: (137- 139) [سورة النساء (4) : الآيات 137 الى 139]

- ‌الآية: (140) [سورة النساء (4) : آية 140]

- ‌الآية: (141) [سورة النساء (4) : آية 141]

- ‌الآيتان: (142- 143) [سورة النساء (4) : الآيات 142 الى 143]

- ‌الآيات: (144- 147) [سورة النساء (4) : الآيات 144 الى 147]

- ‌الآيتان: (148- 149) [سورة النساء (4) : الآيات 148 الى 149]

- ‌الآيتان: (150- 151) [سورة النساء (4) : الآيات 150 الى 151]

- ‌الآية: (152) [سورة النساء (4) : آية 152]

- ‌الآيتان: (153- 154) [سورة النساء (4) : الآيات 153 الى 155]

- ‌الآيات: (156- 158) [سورة النساء (4) : الآيات 156 الى 158]

- ‌القرآن والمسيح المصلوب

- ‌المسيح المصلوب:

- ‌الآية: (159) [سورة النساء (4) : آية 159]

- ‌الآيتان: (160- 161) [سورة النساء (4) : الآيات 160 الى 161]

- ‌الآية: (162) [سورة النساء (4) : آية 162]

- ‌الآيات: (163- 165) [سورة النساء (4) : الآيات 163 الى 165]

- ‌الآيات: (166- 169) [سورة النساء (4) : الآيات 166 الى 169]

- ‌(الآية: 170) [سورة النساء (4) : آية 170]

- ‌الآيات: (171- 173) [سورة النساء (4) : الآيات 171 الى 173]

- ‌الآيات: (174- 175) [سورة النساء (4) : الآيات 174 الى 175]

- ‌الآية: (176) [سورة النساء (4) : آية 176]

- ‌5- سورة المائدة

- ‌الآية: (1) [سورة المائدة (5) : آية 1]

- ‌الآية: (2) [سورة المائدة (5) : آية 2]

- ‌الآية: (3) [سورة المائدة (5) : آية 3]

- ‌الآية: (4) [سورة المائدة (5) : آية 4]

- ‌الآية: (5) [سورة المائدة (5) : آية 5]

- ‌الآية: (6) [سورة المائدة (5) : آية 6]

- ‌الآية: (7) [سورة المائدة (5) : آية 7]

- ‌الآية: (8- 10) [سورة المائدة (5) : الآيات 8 الى 10]

- ‌الآية: (11) [سورة المائدة (5) : آية 11]

- ‌الآية: (12) [سورة المائدة (5) : آية 12]

- ‌الآية: (13) [سورة المائدة (5) : آية 13]

- ‌الآية: (14) [سورة المائدة (5) : آية 14]

- ‌(الآيتان: 15- 16) [سورة المائدة (5) : الآيات 15 الى 16]

- ‌الآية: (17) [سورة المائدة (5) : آية 17]

- ‌الآية: (18) [سورة المائدة (5) : آية 18]

- ‌الآية: (19) [سورة المائدة (5) : آية 19]

- ‌الآيات: (20- 26) [سورة المائدة (5) : الآيات 20 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 29) [سورة المائدة (5) : الآيات 27 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 31) [سورة المائدة (5) : الآيات 30 الى 31]

- ‌الآية: (32) [سورة المائدة (5) : آية 32]

- ‌الآيتان: (33- 34) [سورة المائدة (5) : الآيات 33 الى 34]

- ‌الآية: (35) [سورة المائدة (5) : آية 35]

- ‌الآيتان: (36- 37) [سورة المائدة (5) : الآيات 36 الى 37]

- ‌الآيتان: (38- 40) [سورة المائدة (5) : الآيات 38 الى 40]

- ‌الآية: (41) [سورة المائدة (5) : آية 41]

- ‌الآية: (42- 43) [سورة المائدة (5) : الآيات 42 الى 43]

- ‌الآية: (44) [سورة المائدة (5) : آية 44]

- ‌الآية: (45) [سورة المائدة (5) : آية 45]

- ‌الآيتان: (46- 47) [سورة المائدة (5) : الآيات 46 الى 47]

- ‌الآية: (48) [سورة المائدة (5) : آية 48]

- ‌الآية: (49) [سورة المائدة (5) : آية 49]

- ‌الآية: (50) [سورة المائدة (5) : آية 50]

- ‌الآيتان: (51- 53) [سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 53]

- ‌الآيات: (54- 56) [سورة المائدة (5) : الآيات 54 الى 56]

- ‌الآيتان: (57- 58) [سورة المائدة (5) : الآيات 57 الى 58]

- ‌الآيتان: (59- 60) [سورة المائدة (5) : الآيات 59 الى 60]

- ‌الآيات: (61- 63) [سورة المائدة (5) : الآيات 61 الى 63]

- ‌الآية: (64) [سورة المائدة (5) : آية 64]

- ‌الآية: (65- 66) [سورة المائدة (5) : الآيات 65 الى 66]

- ‌الآية: (67) [سورة المائدة (5) : آية 67]

- ‌الآية: (68) [سورة المائدة (5) : آية 68]

- ‌الآية: (69) [سورة المائدة (5) : آية 69]

- ‌الآيتان: (70- 71) [سورة المائدة (5) : الآيات 70 الى 71]

- ‌الآيات: (72- 77) [سورة المائدة (5) : الآيات 72 الى 77]

- ‌الآيات: (78- 81) [سورة المائدة (5) : الآيات 78 الى 81]

الفصل: ‌الآيات: (116- 121) [سورة النساء (4) : الآيات 116 الى 121]

هذا الوجه الذي اتخذه لنفسه، مخالفا به الطريق المستقيم، طريق المؤمنين، وندعه لهواء الذي غلب عليه، وساقه إلى هذا المساق.. وهذا يعنى أن الله سبحانه وتعالى يخلى هذا المنافق لنفسه، ويتركه فى ضلاله، فلا يمدّ إليه يد العون والتوفيق. «فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً» (10: البقرة) .

‌الآيات: (116- 121)[سورة النساء (4) : الآيات 116 الى 121]

إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (116) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَاّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَاّ شَيْطاناً مَرِيداً (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَاّ غُرُوراً (120)

أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (121)

التفسير: الشرك بالله، ضرب من ضروب الكفر به..

فإذا كان الكفر جحودا بالله، وإنكارا لوجوده، فإن الشرك ضلال عن طريق الله، ورؤية غير واضحة لجلال الله وعظمته، الأمر الذي يجعل الإنسان ينظر إلى الله فى هذا المستوي الذي لا يرتفع فيه كثيرا عن بعض مخلوقاته.. وهذا إنكار ضمنى لوجود الله، ذلك الوجود الحق، الذي ينفرد فيه سبحانه بالربوبية المطلقة، ويدين له فيه جميع المخلوقات بالعبودية والولاء.. «إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً» (93: مريم) .

ص: 899

والقرآن الكريم يتحدث عن المشركين باعتبار أنهم طائفة من طوائف الكافرين، وفرقة من فرقهم.. فالمشرك كافر، لا جدال.

فأهل مكة- قبل الإسلام- كانوا مشركين، يعرفون الله معرفة باهتة، ويرونه من خلال آلهتهم، وكأنه واحد منهم، أشبه بشيخ القبيلة فى قبيلته!! وقد سماهم القرآن الكريم كافرين، كما سماهم مشركين، وقوله تعالى:«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» (6: البقرة) من مراده بعض مشركى مكة. كما أشرنا إلى ذلك فى تفسير هذه الآية..

ومثل ذلك قوله تعالى: «إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ» (12: الأنفال) فإن هذه الآية نزلت فى غزوة بدر، وفيما كان فيها من إمداد الله سبحانه وتعالى المؤمنين بالملائكة فى هذه المعركة..

وقد وصف المشركون هنا بالكفر وقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ» . هو بيان لما قضى به سبحانه وتعالى فيمن يشرك به أو ينكر ألوهيته، وهو أنه سبحانه لا يغفر لمرتكب هذا الإثم إثمه، ولا يناله برحمته، إذ أن هذا المشرك أو المنكر، قد استخفّ بالله، فلم يولّ وجهه إليه، ولم يخلص قلبه له، فكان جزاؤه أن يستخفّ به الله، ولا يقيم له يوم القيامة وزنا، كما يقول سبحانه وتعالى:

«أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ

ص: 900

لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً»

(102- 106: الكهف) .

وقوله تعالى: «وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ» هو استدعاء من الله سبحانه وتعالى للعصاة والمذنبين من عباده الذين آمنوا به، ليتعرضوا لواسع رحمته، وعظيم فضله، فإنهم وقد آمنوا به، وأحلوا قلوبهم ومشاعرهم من كل معبود سواه، فقد دخلوا فى محتوى هذا النداء الكريم، الذي نادى الله به عباده المؤمنين فى قوله سبحانه «قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ» (53- 54: الزمر) .

فما كان من الذنوب دون الشرك والكفر، فهو فى ساحة رحمة الله، وفى معرض غفرانه.

وليس فى قوله تعالى: «لِمَنْ يَشاءُ» قيدا يحدّ من رحمة الله، أو يحجز من غفرانه، ولكن المراد به وضع الرحمة والمغفرة تحت مشيئة الله، يضعهما حيث يشاء، ويفضل بهما على من يشاء، فضلا وكرما، وليس لأحد أن يتألّى على الله، أو أن يلزمه شيئا من هذا العطاء المتفضّل به.. وبهذا تعظم المنّة، ويتضاعف الإحسان، إذ كان ذلك من غير مقابل، ودون استيفاء لجزاء على عمل، فصاحب العمل له جزاء عمله، كما يقول سبحانه:«نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ» (56: يوسف) فرحمة الله واقعة حيث يشاء لمن يشاء.. أما المحسن، فقد كتب الله على نفسه أن يوفيه أجره، بل ويوفيه هذا الأجر أضعافا مضاعفة، كما يقول سبحانه:«لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ» .

ص: 901

وقوله تعالى: «وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً» كشف للطريق المهلك الذي ركبه المشرك بشركه، وأنه قد بعد عن طريق النجاة والسلامة، ولن يزيده المضىّ فيه إلا إمعانا فى الضلال، وبعدا عن طريق الحق، وشرودا عن مظانّ النجاة! وقوله تعالى:

«إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً» .

الضمير فى قوله تعالى: «مِنْ دُونِهِ» يعود إلى الله سبحانه وتعالى، و «إن» بمعنى حرف النفي «ما» أي ما يدعو هؤلاء المشركون من المعبودين الذين يعبدونهم من دون الله، إلّا إناثا.

والشيطان المريد. هو إبليس الذي تمرّد على الله، وجرؤ على عصيانه والخروج عن طاعته..

والمعنى: أن هؤلاء الذين أشركوا بالله، وعبدوا من عبدوا من دونه، لم يكن تقديرهم لهؤلاء المعبودين، إلا عن نظر سقيم، وقلب مريض، وعقل سفيه.

فما هؤلاء المعبودون الذين اتخذهم المشركون أربابا لهم من دون الله- إلا أحد شيئين: أولهما: إناث.. أي معبودات من المصنوعات، يعملونها بأيديهم، فى صورة أوثان وأصنام، ثم يزينونها بالملابس والحلىّ، كما تتزين النساء! وعبادة مثل هذه المصنوعات سفه ليس وراءه سفه، وضلال ليس بعده ضلال.. لأنها (أولا) أشياء ميتة، لا تسمع، ولا تبصر، ولا تملك من أمر وجودها شيئا.. فكيف يراد منها الخير لغيرها، أو يرجى منها العون لمن يقوم على أمرها، ويحفظ وجودها.. ولأنها (ثانيا) لم تتّخذ من صور الأشياء الجانب القوى منها، وهو جانب الذكورة، بل أضفى عليها صانعوها مظهر الأنوثة، فزادها ذلك ضعفا إلى ضعفها..

ص: 902

وفى الكشف عن هذا الجانب الضعيف من هذه الأوثان والأصنام، وعرضها لنظر عابديها فى هذه الصورة- صورة الإناث- إمعان فى تسفيه هؤلاء السفهاء الذين عبدوها، وتخاضعوا بين يديها.. إذ كيف يستقيم هذا مع تفكيرهم، وما أخذوا به أنفسهم من امتهان الأنثى، ونظرتهم إليها تلك النظرة المنكرة المتكرهة؟

وكيف يكون موقفهم مع الأنثى هذا الموقف الذي ذكره القرآن الكريم عنهم فى قوله تعالى: «وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ؟» (58- 59: النحل) - كيف يكون هذا موقفهم من الإناث وهنّ خلق سوىّ، وفلذة من فلذات أكبادهم، ثم يكون هذا شأنهم مع تلك الصور التي يتخذونها من الحجر، والخشب، والمعدن، ويلبسونها زيّ الإناث، ويغرقونها بالحلى والزينة؟

أهذا مما يستقيم مع منطق، أو يصح فى عقل؟

هذه صورة من الصورتين، اللتين يعبدهما المشركون من دون الله! ..

وهى صورة حسيّة، يتعامل معها المشركون بحواسّهم ومشاعرهم..

أما الصورة الأخرى، فهى «الشيطان المريد» .. وهو وإن كان شيئا غير محسوس، فإنّه يتمثل فى الأهواء المتسلطة على النفس، وفى تلك الوسوسات الضالّة التي تزيّن للإنسان الشرّ، وتغزيه بالضلال! وليست تلك المعبودات، التي يعبدها المشركون بالله، ويتخذون لها تلك الصور والأشكال إلّا إملاء من وساوس الشيطان لهم، وإلا مظهرا من مظاهر إغرائه وإغوائه..

ص: 903

فهؤلاء الذين يعبدون الأوثان من دون الله، هم عابدون للشيطان أيضا..

فما هذه الصور المعبودة إلّا بنات وسوساته فى صدورهم، ونفثاته فى تفكيرهم..

وقوله تعالى: «لَعَنَهُ اللَّهُ» صفة لهذا الشيطان المريد، الذي اتخذه هؤلاء المشركون وليا من دون الله.. وفى هذا ضلال إلى ضلال، وسفه إلى سفه..

إذ أنهم أعطوا ولاءهم لمن كان عدوّا لله، واقعا تحت لعنته.. فهم- والأمر كذلك- أعداء لله، واقعون تحت لعنته.

وقوله سبحانه: «وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً» عرض فاضح لهذا الشيطان المتمرد على الله، المأخوذ بلعنة الله.

وفى عطف قوله تعالى: «وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً» على قوله سبحانه: «لَعَنَهُ اللَّهُ» ما يشير إلى أن هذا القول الآثم من هذا الشيطان المريد هو لعنة أخرى من لعنات الله عليه، لما فيه من تحدّ لله، ومحاربة له فى عباده! وفى قوله تعالى:«مِنْ عِبادِكَ» إشارة أخرى إلى تمرد هذا الشيطان المريد، وإمعانه فى محادّة الله ومحاربته.. إذ كيف تسوّل له نفسه أن يدخل حمى الله، وأن يفسد عباد الله، الذين خلقهم بيده، وأضافهم إلى ذاته؟

ومن جهة أخرى، فإن هؤلاء الذين خلقهم الله بيده، وأضافهم إلى ذاته، هم الذين كانوا حربا على الله فى جبهة الشيطان، فتفلتوا من هذا الحمى الكريم، الذي أقامهم الله فيه.. ومدوا أيديهم إلى هذا الشيطان المريد، وأعطوه الفرصة فيهم، ليفسد عليهم هذه الفطرة السليمة التي أودعها الله كيانهم، وليضلّ عقولهم عن هذا الطريق الذي أراه الله لهم، غير ملتفتين إلى تلك الوصاة التي وصّاهم الله بها، فى شأن هذا العدوّ الراصد لهم، والمتربص بهم، حيث كان قول الله لهم:«إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ» .

ص: 904

وفى هذا الموضع الذي وضع الله الإنسان فيه، تكريم لهذا الإنسان، وإشعار له بأنه أهل لأن يحرس نفسه من هذه الآفة المتسلطة عليه، وأن يحتفظ بتلك الهبات العظيمة التي منحها الله إياه، تلك الهبات التي لو التفت إليها، وأحسن استخدامها، والقيام عليها، لكانت قوة حارسة له من الشيطان وخداعه، ولكان له منها حمى لا تناله وساوسه ومغوياته.. ولكن غفل كثير من الناس عن هذا العدوّ، بل وسالمه وأسلم زمامه له، فكان ضياعه وهلاكه جزاء وفاقا له.

وفى قوله تعالى: «نَصِيباً مَفْرُوضاً» إشارة إلى أن هؤلاء الذين أوقعهم الشيطان فى حبالته، واصطادهم فى شباكه، هم من أراد الله لهم أن يكونوا فى أصحاب النار، كما يقول سبحانه وتعالى:«فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ» (7: الشورى) وكما يقول جلّ شأنه: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (119: هود) .. وكما يقول الرسول الكريم فيما يروى عن على بن أبى طالب، قال «كنّا فى جنازة فى بقيع الفرقد، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد ومعه مخصرة، فنكّس رأسه وجعل ينكت بمخصرته، فقال: «ما منكم من نفس منفوسة إلا وقد كتب مكانها من الجنة أو النار، وإلّا قد كتبت شقية أو سعيدة» فقال له رجل: يا رسول الله: أفلا نتّكل على كتابنا وندع العمل؟ فمن كان منّا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان منامن أهل الشقاء فسيصير إلى عمل أهل الشقاء؟

فقال صلى الله عليه وسلم: «اعملوا فكل ميسّر.. أما أهل السعادة فميسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فميسّرون لعمل أهل الشقاوة.. ثم قرأ:

«فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى» .

ص: 905

ووصف النصيب بأنه نصيب مفروض يكشف عن أنه قدر محدّد، أي أن أولياء الشيطان هؤلاء، هم فريق محصور بعدده وصفته، لا يزيد ولا ينقص، كما أن أولياء الله، هم فريق آخر مقابل لهذا الفريق، معروف بعدده وصفته..

ومجموع الفريقين هم الناس جميعا.. الشقىّ منهم والسعيد، وأصحاب النار وأصحاب الجنة.. أولياء الشيطان، وأولياء الرحمن! وقوله تعالى:«وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ» هو بيان لقولة الشيطان:

«لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً» فهذا النصيب المفروض هم الذين سيتخذهم الشيطان أولياء له، وسيتعاطى معهم كئوس المودة والصفاء، وهى كئوس تدور برءوس شاربيها، وتفسد عليهم عقولهم، وتحوّلهم دمى فى يد الشيطان، يعبث بها كيف يشاء.. ولهذا كان واثقا من أنه قادر على نفاذ أمره وإمضاء مشيئته فيهم.. ولهذا جاء أمره إليهم جازما مؤكدا:

«ولأضلّنّهم» أي يلقى بهم فى مهاوى الضلال، والظلام.. بعيدا عن الهدى والنور! «ولأمنّينّهم» أي يمدّ لهم فى حبال الأمانى والغرور، بما يزيّن لهم من الشرور والآثام.. وبما يخيّل لهم من الأوهام والأباطيل.. فيرون الشر خيرا، والقبيح حسنا، والبعيد قريبا.

«وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ» وذلك شىء من السّخف والضلال، الذي زينه لهم الشيطان وأغواهم به، وهو أنهم كانوا إذا ولدت الناقة خمسة بطون، وكان آخرها ذكرا احتفوا بها وأكرموها، وكان مظهر ذلك أن يقطعوا أذنيها أو يشقّوهما «فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ» ثم يرسلونها

ص: 906

فلا يركب ظهرها، ولا يحمل عليه شىء!! أفليس ذلك هو غاية السفه، ومنتهى الضلال؟.

«وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ» وذلك بتقطيع آذان الأنعام هذه، ونحو هذا من المراسم التي تصوّرها لهم الأوهام والأباطيل.

وقوله تعالى: «وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً» عرض للصورة الشنعاء التي ينتهى إليها أمر هؤلاء الذين استذلهم الشيطان، واستبدّ بهم.. فليس بعد خسرانهم خسران، ولا وراء ضياعهم ضياع.

وقوله تعالى: «يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً» هو كشف لهذا المحصول الذي يجنيه أتباع الشيطان.. إنها ليست إلا أمانىّ باطلة، وسرابا خادعا. «أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً» فتلك هى عاقبة الظالمين الغاوين.. مصيرهم جهنم وساءت مصيرا، لا متحوّل لهم عنها، ولا إفلات لهم منها.

وهنا سؤال، أو أسئلة، عن هذه التفرقة بين الناس، إذ كانوا فريقين:

سعداء وأشقياء. أولياء الله وأولياء الشيطان.. «فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ» ؟

فلم هذه التفرقة بين الناس، وهم جميعا عباد الله وصنعة يده؟

وما فضل هؤلاء الذين كتبت لهم الجنة، وما جناية هؤلاء الذين كتبوا فى أصحاب النار.. هكذا قدرا مقدورا، وقضاء لازما من الأزل؟

وما قيمة إحسان المحسن وإساءة المسيء، إذا كان قد تحدد المصير المحتوم لكل إنسان؟

هذه خواطر تتوارد على الإنسان، وهو يستمع إلى حكم الله هذا فى عباده..

ص: 907