الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضحى! ولا أعلم ما جرى لي بعدها، ولم أحس بحرارة الشمس، والآن الحمد لله عادت إليَّ روحي!
ويا إبراهيم ما رأيتني عندما ذهبنا من عندك ألتفت إليك عدة التفاتات، قال الوالد: بلى، رأيتك التفت عدة مرات واستغربت هذا منك.
قال حماد: سمعت صوت أمي تقول لي: يا حماد لا تروح، يا حماد لا تروح، صوت أمي الذي لا أنكره، ولكن خشيت أن أقول لك ما قالته أمي تضحك علي أنت ومعاونك محمد.
ولكن الحمد لله هذا شيء كتبه الله وجرى.
شكرنا الرجل الشهم الذي ساعدنا ودعونا له، وأكمل مروءته بمرافقتنا في الطريق حتى خرجنا من الصحراء المهلكة، وظلت ذكريات تلك الرحلة باقية في الذهن حتى يومنا هذا (1).
عود إلى ذكر شخصيات الطامي:
الثالث من أولاد سليمان أبو طامي هو عبد الله ولد ونشأ في بريدة فامتهن مهنة الخرازة التي هي صنعة والده.
غير أن العمل في بريدة في الخرازة كان غير مربح في وقت من الأوقات فسافر هو وأخوه محمد وإبراهيم إلى حايل للعمل فيه، غير أنهم وجدوها كاسدة فيها وصادف ذلك مرور قافلة من تجار عقيل أهل بريدة بحائل في طريقهم إلى الشام فسافر عبد الله معهم.
ولما وصل إلى الشام وباع عقيل ما معهم من الإبل كانت الحرب العالمية الثانية قد قامت فعاد أكثر عقيل إلى بلادهم بما معهم من مال غير أن
(1) سواليف المجالس، ج 5، ص 24 - 31.
عبد الله أبو طامي لم يكن معه شيء، وكان الفرنسيون يجندون الجنود من سوريا برواتب مغرية فانضم إليهم وأصبح جنديًا في جيش فرنسا.
ثم أسفرت الحرب عن هزيمة فرنسا وخروجها من سوريا فعاد إليه الفقر، وبقي اثنتي عشرة سنة في دمشق خرازًا، ثم لضيق الحال عاد من دمشق إلى المملكة، ولكنه ذهب إلى الرياض ليعمل خرازًا غير أنه وجد أن أجهزة الراديو قد أخذت في الظهور عند الناس، وكان له بصر بالهندسة وميل إليها، فأخذ ينظر إلى أحدها حتى عرف أجزاءه ثم أخذ يصلحها ويكسب من ذلك أجرًا كبيرًا لأن الذين يقتنونها كانوا في الغالب من الأمراء والأثرياء، ثم انتقل إلى الحجاز، وفتح محلًا في مكة لتصليح أجهزة الراديو والكهرباء، وتزوج فيها وأقام سنتين.
ثم انتقل إلى الرياض وقد شاع صيته في إصلاح الراديو وأنشأ أول إذاعة وطنية بيده وبجهده الخاص، ليس فيها لأحد من المهندسين الأجانب شيء، وأسماها الإذاعة الوطنية.
واستمرت تذيع ويكتسب منها حتى اشتهر باسم (طامي) ولم يبق أحد لا يعرفه وأخذت هذه الإذاعة تصبح لسانًا للملك سعود رحمه الله، وأخذ الملك سعود وأتباعه يشجعونها، ويمدونه بالعطاء منهم، وكان ذلك إبان اختلافه مع إخوانه الملك فيصل والأمراء الآخرين، فلما انتصروا على الملك سعود عرف أبو طامي أن نجم إذاعته قد أفل، فاستدعاه الملك فيصل رحمه الله وقال له: يا ولدي حنا نرى أنك تغلق إذاعتك لأنك إن قلت قول تمدحنا فيه غضب عليك اللي غيرنا وإن مدحت الآخرين غضب عليك اللي ما يوافقونك.
وكان أبو طامي متوقعًا من الملك فيصل أن يعاقبه، لذلك أعطاه مفاتيح الإذاعة وقال: يا طويل العمر أنا ولد لكم وهذي مفاتيح الإذاعة.
وسكتت هذه الإذاعة الأهلية الغريبة التي قامت على جهد فردي، هو جهد عبد الله بن سليمان أبو طامي وحده.
وقد أعطته الحكومة بعد ذلك امتياز إنشاء مصنع لمكيفات الهواء وساعدته على ذلك ولا يزال يعمل فيه.
وقال لي إخوته: إن له سبعة عشر اختراعًا.
قال سليمان بن حاذور شاعر الرياض:
يا ليت (طامي) ما فتح له إذاعه
…
ولا شغف بعض المخاليق بغناه
غلب على (صوت العرب) باستماعه
…
كلٍّ يدوِّر موجته لين يلقاه
هذا وقد توفي عبد الله أبو طامي في آخر شهر جمادى الثانية عام 1421 هـ ونعته جريدة الرياض وغيرها ولكنها أسمته في النعي (طامي بن عبد الله) لشهرته باسم (طامي) مع أن اسمه (عبد الله أبو طامي) وأصل اسمه الذي سماه به أبوه عبد الله بن سليمان العويد لأن أسرة (أبو طامي) هم من العويد المعروفين بالعويد الفويس تمييزًا لهم عن العويد الآخرين من أهل بريدة.
ووالده المعروف باسم (أبو طامي) كما تقدم.
وقد نشرت جريدة الجزيرة التي تصدر في الرياض في عددها الصادر بتاريخ 12 شوال عام 1401 هـ كلمة تعريف بإذاعة (أبو طامي) وإيضاح لأمرها، ونصها:
كلمة تقدير متأخرة لهذا الرجل:
هنا إذاعة (طامي) الوطنية، منذ ثماني عشرة سنة كانت تحمل موجات الأثير هذه الجملة بينما يتحلق البسطاء حول جهاز الراديو الضخم ليستمعوا إلى
طامي وهو يذيع نشرة الأخبار والأغاني والإعلانات والنوادر والأحاديث وغيرها من المواد الإعلامية.
حينذاك كانت إذاعة طامي شيئًا له سحر خفي كان البعض يعتبر ممارسة الاستماع لهذه الإذاعة شيئًا جميلًا، ولكن كيف كانت بداية هذه الإذاعة الوطنية التي شغلت الناس لمدة ثلاث سنوات فجهاز الإرسال أو الإذاعة ككل كانت من تصميم طامي عبد الله العويد فهو صاحب الصنعة وهو الذي جمع قطع الجهاز ثم ركبها بطريقة فريدة وكأنه أحد تلامذة ماركوني أو غيره من رعيل الراديو الأول.
وبعد أن أتم طامي عمله هذا تقدم به إلى وزارة المواصلات التي كلفت مجموعة من خبرائها ومهندسيها بالكشف على هذا الجهاز، وبعد أن أتموا الكشف عنه أوضحوا أنه وطني الصنع ويصلح للإذاعة المحلية، وبعد ذلك بدأ البث الرسمي لإذاعة طامي، فقد كان يقرأ نشرة الأخبار وذلك نقلًا عن الجرائد والتركيز ينصب على الأخبار المحلية ولقد حصل موقف طريف لهذه الإذاعة حينما أراد المذيع طامي قراءة أسماء الناجحين فأخطأ وقرأ أسماء الراسبين على اعتبار أنهم نجحوا.
وكانت الإعلانات لها دور في تمويل ميزانية هذه الإذاعة حيث كان طامي يذيع الإعلان عن المفقودات للمواطنين من أشياء خاصة وحفائظ نفوس إلى بقر وغنم فقدت، وأطفال وغيره من المفقودات.
ولم تتوقف خدمات طامي لمجتمعه عند حدود الإذاعة بل تعداها إلى مجال الخدمات الإنسانية والأمنية حيث أتاه شخص بخصوص إعلان أذيع في إذاعة طامي عن فقد عشرة آلاف ريال وأخبره الشخص عن أنه يعلم عن مكان وجودها وأنها عند جماعة يسكنون معه وأنهم تقاسموا المبلغ فيما بينهم فخرج
معه حتى عرف البيت ثم ذهب إلى الشرطة وبلغهم عن القصة والمكان، والشهرة التي حظي بها طامي كانت كبيرة جدًّا حتى إن القبائل كانت تدعي فيما بينها أن طامي ينتسب لها.
وأيضًا كان بائعو القماش يسوقون بضاعتهم من أحدث الأقمشة بتسميته (إذاعة طامي) وبعد هذا كله وبعد أن قدم طامي كل ما يملك من جهد ومال وعرق إلى مستمعيه وإلى الناس وكان شيئًا محسوسًا فترة من الوقت لدى الناس ماذا أعطي من الإذاعة وبماذا كرم، فحتى الآن لا أحد يعلم عنه شيئًا.
وقال الأستاذ عبد الله بن زايد الطويان في الكلام على أسرة الطامي:
وعرف أبناء سليمان هذا بالطامي إلى اليوم وهم يمثلون حمولة كبيرة ومشهورة، أهل علم وعمل، وبهم كياسة ومروءة، ويتميز معظم أفراد هذه الأسرة بالنباهة والإبداع والاختراع، وهم أيضًا أصحاب همم، ظهر منهم رجال مرموقون وأدباء ورجال أعمال.
وصاحب هذه السيرة واحد من أفراد هذه الأسرة ومشاهيرها المعاصرين ولا زال بين ظهرانينا متعه الله بالعافية.
طامي واسمه الحقيقي: عبد الله بن سليمان العويد، وهو الابن الثالث للمرحوم سليمان بن عويد (طامي الأول) فقد ولد هذا ببلدته بريدة سنة 1343 هـ تقريبًا ونشأ مع إخوته في بيت والده، ودرس على يد الكتاتيب وتعلم ما نفعه، ولما قارب البلوغ شد الرحال مع العقيلات وسافر مع حملاتهم، ولما وصل الشام كان الجيش الفرنسي يجند الشباب القادمين للشام، ويدربهم ويصرف لهم رواتب مجزية فانخرط طامي في صفوف من الجيش وقتًا طويلًا وفيه تعلم شيئًا من مبادئ اللاسلكي، وبعد أن إنفك من الجيش استقر هناك بدمشق بعض الوقت ومارس أيضًا بعض الصناعات الخفيفة التي كان يجيدها
أهله مثل صناعة الأشدة والميركهـ والدويرع وغيرها من لوازم الجيش والخيول في ذلك الوقت، ولما عاد لبلاده مع نهاية رحلات العقيلات التي بدأت تنحصر في أواخر الستينات الهجرية عاود طامي نشاطه في الصناعات الدقيقة لكن له ميول خاص بما استجد (1). انتهى كلامه.
والرابع من أبناء سليمان أبو طامي هو صالح، كان كإخوانه شبيهًا بالأمي وهو استمر ذلك معه حتى بلغ فترة طويلة من العمر.
وبعد ذلك بدأ في طلب العلم حتى قرأ على الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد رئيس محاكم القصيم فأعجب بذكائه فشجعه وقربه منه حتى أدرك في طلب العلم منزلة أهلته إلى تولي وظيفة دينية علمية جيدة.
وعندما انتقل الشيخ عبد الله بن حميد إلى مكة رئيسًا للإشراف الديني بالمسجد الحرام نقله معه في وظيفة في المسجد الحرام وصار مدرسًا ولا يزال هناك.
وابنه أحمد تخرج من كلية الشريعة في مكة المكرمة.
وكان أثناء دراسته يذيع في إذاعة جدة.
ثم ابتعثته الحكومة إلى أمريكا لنيل شهادة الدكتوراه في الأدب الحديث من الولايات المتحدة الأمريكية.
وهو الدكتور أحمد بن صالح الطامي حصل على الدكتوراه من جامعة انديانا في الأدب الحديث والماجستير منها في الأدب.
مدرس الآن - 1409 هـ في فرع جامعة الملك سعود في الإدارة الاقتصادية في القصيم.
(1) رجال في الذاكرة، ج 3، ص 137.
ثم صار الدكتور أحمد بن صالح الطامي عميد القبول والتسجيل وشئون الطلاب والمشرف على الإدارة العامة في فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في القصيم.
ثم صار وكيل جامعة القصيم ورئيس نادي القصيم الأدبي في بريدة.
ومن أوليات الطامي أن محمد بن سليمان الطامي وأخاه صالحًا هما أول من نور حارته بالكهرباء في بريدة، حيث أحضرا مولدًا كهربائيًا (ماطورًا) ومدا أسلاكًا كهربائية دخلت البيوت المجاورة لهما من شمال بريدة ومنها بيتنا، وذلك من أجل تنويرها بمصابيح الكهرباء.
يبيعون ذلك بيعًا بثمن معين لكل مصباح (لمبة) ثمن معين في الشهر، ولم يكن الناس آنذاك يعرفون الأجهزة الكهربائية الأخرى، ولم يعرفوا حتى الأخذ من الكهرباء اختلاسًا بمصابيح أخرى، مع أن الأخوين (الطاميين) كانا يشترطان على من يدخل (لمبات) الكهرباء وينور بيته منها ألَّا يدع الناس يأخذون منها ولكن الناس يتركون ذلك هربًا من أخذ ما ليس لهم.
كانت كهرباء (الطامي) تنور البيوت في شمال بريدة من غروب الشمس إلى الساعة الرابعة حسب التوقيت الغروبي ويقابل ذلك نحو العاشرة والربع ليلًا، ثم تنطفئ إلى الغد، وكانوا ينورون المساجد بمصباح كهربائي مجانًا للمسجد، وقد استمرت على ذلك دهرًا.
وهذه أولية واحدة.
والثانية أنهم كانوا ركبوا طاحونًا على ذلك المحرك (الماطور) يطحنون فيه العيش والحبوب للناس بالأجر.
والثالثة: أن أول من أنشأ إذاعة خاصة هو عبد الله أبو طامي كما سبق.
والرابعة: أن أول من عرفنا أنه كتب ترجمة لنفسه ووالده هو محمد أبو طامي والمراد بذلك من أهل بريدة ومن في حكمهم من أهل نجد.
والخامسة: أن أول من ألف وطبع كتابًا من (السواليف) والقصص العامية هو إبراهيم أبو طامي.
ومنهم المهندس إبراهيم بن صالح الطامي تخرج من كلية الزراعة في بريدة التي هي فرع لجامعة الملك سعود، وعين مهندسًا زراعيًا في بريدة.
ومنهم سليمان بن إبراهيم بن سليمان الطامي، وهو ابن المؤلف إبراهيم الذي سبق ذكره. .
له مؤلفات أهمها (سواليف المجالس) أصدره في أجزاء صغيرة رأيت منها سبعة أجزاء هي التي صدرت عند رؤيتي لها في عام 1428 هـ.
وذكر أن الجزء العاشر سيصدر عن المطبعة قريبًا.
وكلها صغيرة تتفاوت في الحجم فأضخمها من حيث عدد الصفحات هو التاسع الذي يقع في 132 صفحة.
وأصغرها هو الرابع الذي لم تزد صفحاته على 83 صفحة، وقد نهج فيه نهجًا جيدًا، إذ جميع ما فيه نقله مما سمعه في المجالس ولم ينقل فيه عن كتاب آخر.
وعندما قرأته تذكرت نصيحة كنت أسديتها إلى والده (إبراهيم الطامي) وهو أن يعتني بتسجيل القصص والأخبار والأشعار التي لم تسجل، بديلة من كونه ينقل من الكتب القديمة ولا يصححها تصحيحًا كافيًا فتكون منقولة محرفة.
كما نصحته بأن يحرص في كلامه على اللغة العامية الحسنة، لأن كلامه في الفصحى يوضح أنه لا يعرف شيئًا من الصرف والنحو، ولا حتى الأسلوب الكتابي الأدبي.