الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أخبار درعان:
ذهب (درعان) في شبابه إلى الغوص في البحر في الجبيل عام 1353 هـ، فلم يعجبه ذلك، بل لم يصبر عليه فهرب من البحر من النوخذا الذي لم يأذن له بترك الغوص، واختفى عند سالم السالم والد الشيخ الشهير القاضي علي السالم فأخفاه عن الذين يطلبونه وبقي عنده في بيته ثلاثة أشهر، ثم أعطى سالم أحدهم ثلاثة ريالات على أن يوصل (درعان) إلى صالح الباحوث الشاعر، وكان آنذاك في الرقيقة في الأحساء يبيع ويشتري بالإبل فرحب به الباحوث وعزم أناسًا من الجماعة، وقال: نبي نجمع لك من الجماعة من أهل بريدة، وقال لهم: هذا ولد محيسن الطويان نبي نجمع له أجرة يطلع بها يشوف أمه في بريدة، فامتنع درعان عن ذلك، وقال: أنا ما عندي دقاقين الأصابع أكد عليهم أي أنه ليس له أطفال في ذلك الوقت، أنا ما عندي إلَّا رقبتي، ولا ناب عجز أكد على روحي.
ثم نظم قصيدة في مدح الأمير عبد الله بن جلوي أمير الأحساء ولما أنشده إيَّاها قال له الأمير: هي من نظمك؟ قال: نعم.
قال: سمعنا غيرها فأسمعه قصيدة ثم قال: وثالثة، فأسمعه إياها.
فقال الأمير ابن جلوي: تعال لي باكر.
وجاء إليه من الغد فأخرج ابن جلوي من تحت سجادة كان يجلس عليها كيسًا فيه خمسون ريالًا، وقال: اعذرنا يا وليدي، اليوم الأمور ما هيب علي الهوى، وإلا ما هذا قدرك.
وهي مبلغ كبير، ولم يخرج (درعان) بهذه النقود الخمسين إلى بريدة وإنما اشترى بها حمارين من حمير الأحساء الكبيرة، وكان رجل من أهل الطائف جاء للإحساء يبحث عن حمير مثلها فذهب درعان معه إلى الطائف
وباع الحمارين بثمانين ريالًا في الطائف، وصار يبيع ويشتري في الحجاز، إلى أن نظم قصيدة في مدح الوزير عبد الله بن سليمان فجعله من الرجال العاملين عنده، وهذه منزلة مهمة.
وابن سليمان هو الوزير في ذلك الوقت.
وبعد أن حسنت حاله عند ابن سليمان عاد إلى بريدة وتزوج ورزق بولد ثم ذهب إلى الكويت وصدم رجلًا في الكويت فسجن، وبعد فترة ذهب إلى الحجاز بسيارته وحمل بسيارته ركابًا من جدة إلى المدينة فصدمتهم سيارة ومات منهم اثنان وكان الصادم هو المخطئ.
وكان (درعان) عفيفًا نقي العرض معروفًا بذلك.
قال درعان:
يا ما حلا المقيال والفيْ ما مال
…
يا ما حلا المقيال بأول نهاره
من حدر سرحاتٍ ورا سرحة (الخال)
…
حدر الشعيب اللي بسمر الخضارة
إلى حكر خطو الأواليد فنجال
…
بدلةٍ صفرا كثير بهاره
قالها وهو يوجه كلامه إلى فهد العلي المبارك وكان مسافرًا معه من مكة المكرمة إلى بريدة فلما مر بذلك المكان في الطريق قرب جبل الخال قال هذه الأبيات، قال فهد المبارك - أبو صدام - فأوقفت السيارة في الحال وقلت: لا بد أن (نتقهوى) في هذا المكان، فقال: درعان هذا أفضل من أن ترد على شعري بشعر مثله.
أما (درعان) فإنه كان في عهد استعمال السيارات، ولذا ذكرها هنا في شعره الذي منه قوله في (سيارته) موتره الذي لونه أحمر.
عسى الحمر ما يجيه خلاف
…
اللي له الدرب ينفاج
عساه ما يطلب الاسعاف
…
دايم تساهيل وافراج
فيه المطبات ما تنشاف
…
بس يتغنج تغناج
والدزق والقير والحذاف
…
ما هزهزه كل بطناج
يا شبه حر علي مشراف
…
شاف ارنب عقب ما راج
وقد رأيت بعد ذلك أحد رواة الشعر من أهل الشماسية ينسبها إلى شاعر منهم، وذلك غير صحيح.
من أخبار درعان وهو إبراهيم العبد المحسن الطويان أنه كان في حرب اليمن من ضمن غزو أهل بريدة مع الجيش الذي يقوده الملك فيصل بن عبد العزيز، وكان يسير بجيشه مع تهامة فيفتح البلدان واحدًا بعد الآخر حتى قرب من الحديدة، فنزل وكانوا في العرضة فطلب أن ينشأ أحد الشعراء قصيدة للعرضة فأخذ الناس ينشدون شيئا لم يرضه فتقدم درعان وأنشد وغناها الناس بعده في العرضة فأرضت الملك فيصل الذي كان مجرد أمير في ذلك الوقت.
قال درعان:
قال المولع بزين النظم (درعان)
…
يا ناس شيلوا بيوتٍ بادي فيها
قم يا نديبي ترحَّل بنت ريمان (1)
…
عملية تقطع البيدا براعيها
سلِّم على اللي مصفِّي كل الأوطان
…
حتى (الحديدة) وصنعا بي يصفِّيها
فيصل شجاع ظهر من نسل شجعان
…
يقطع رجا العجز مِنْ رجواه غاليها
تتليه دولة هل العوجا ببرهان
…
نقوة حرار تنومس من قنص فيها
أولاد على اسناد صلب جدَّ إن
…
اللي ضحى الكون تعجبني عزاويها (2)
والي زما عايل نزمي بصلعان
…
العز يبري لها والنصر قافيها (3)
(1) ريمان: الجمل الحر ضروبة.
(2)
جدان: جمع جد.
(3)
الصلعان: السيوف.
وكان (درعان) يحاور صقر النصافي في الشعر، فقال النصافي:
سلامي سلامي على طير غريب
…
يهيض بها صدري ويبديه اللسان
نبي نشب النار ونشوف الحريب
…
نبي نشوف هو ذا زرع وإلا هيِّبان
فرد عليه درعان:
بك البقا يا اللي تهلي من قريب
…
مهوب مناوش هرج شوف بالعيان
ما يطيح بالميدان ياكود الصويب
…
تشوف بالميدان من ضرب الجبخان
فقال النصافي:
إن طعث شوري فإنت هود يا غضيب
…
إن طعت شوري هوِّد مع طواريق الامان
نبي نخض الما على ذود الشريب
…
يما يزين العلم وإلا العلم شان
فرد درعان:
ما نيب منك يا طير شلوى مستريب
…
مير خلك من وسيعين البطان
الفخر إلى عوى ذيب لذيب
…
ما قدم شعبان يلقاه رمضان
فردت فتاة من جماعة النصافي:
هذا أبو مهلِّي بأن عمله يا الحبيب
…
يسمع بصيته من ورا حصاة قحطان
فقال درعان:
يا فاطري خبي مع البيدا خبيب
…
يا العقرب الصفرا تشادي العقربان
والله لولاك شايب اني لازتك في شعيب
…
يما توافي لك جرف وإلا توافي لك ليان
والعقرب الصفراء انثى العقارب قال ذلك يعبرها بالتشبه بالرجال، لأن العقربان هو ذكر العقارب ولونه أصفر.
قال الأستاذ عبد الكريم بن صالح الطويان:
"درعان" أو "إبراهيم بن عبد المحسن الطويان" 1335 - 1373 هـ تقريبًا، شاعر مجيد، يقول الشعر بداهة وارتجالًا، ولهذا عد من شعراء الرد المعروفين، ولم يسجل مدونو الشعر شيئًا من تاريخه أو شعره إلا أن أشعاره محفوظة في
صدور الكثيرين من محبي شعره المتميز بالحماسة والظرافة والمساجلات، وقد قارع في شعره عددًا من شعراء عصره، وعاش مكافحًا خلف رزقه وفنه، ومات في سن صغيرة حوالي ثمانية وثلاثين عامًا، في حادثة مرور، إذْ أوقف سيارته في طريق صحراوي، ونزل ومعاونه تحتها لصيانتها، وقبل أن يبتعد عنها، داهمتهما سيارة مسرعة فاصطدمت بها، ومن خوفه على معاونه، رجع إليها مسرعًا وهو ينادي عليه، فأصيب بصدمة مرض بعدها ومات رحمه الله.
قال الشاعر "درعان" في حوار له مع شاعر آخر:
آه وأحظي اللي ليعته القراده
…
لاح شيبي براسي ما بلغت المرام
رحت ابقنص بحظي ما تهيا جراده
…
والخلايق بحظوظه تحوش الجهام
كل ما لحفت جنبي ما حصل لي وسادة
…
الغطا قاصر عني ليال التمام
فرد عليه الآخر:
لا تجضور تري دنياك هذي نكاده
…
ما تجي للفتى دنياه دايم تمام
لاح شيبك براسك جاه موسم حصاده
…
جاه وقت المشيب وصار مثل الثمام
"الثمام" شجر ينبت في الصحراء يصبح في الصيف أبيض يابسًا، والشاعر هنا مثل غالب الشعراء فصيحهم ونبطيهم قدمائهم ومعاصريهم يشكون سوء حظهم، ولا أدري إن كان حظوظ الشعراء رديئة حقًّا أم التشكي عادة اعتادها الشاعر (1)؟
ومن الأبيات التي تدل على إيمان الشاعر (درعان) رحمه الله وثقته بما عند ربه، ويقينه به، هذا البيت، الذي قاله ضمن قصيدة طويلة، شرح فيها
(1) الأرزاق أقدار كتبه الله سبحانه وتعالى، ونذكر هنا قوله تعالى (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) ولا يموت الإنسان حتى يستوفي رزقه وأجله، وجميع حظه من هذه الحياة، والمؤمن مدعو إلى أن يتوكل على الله سبحانه وتعالى، ثم هو أثناء ذلك يبذل أقصى ما يمكنه فعله من الأسباب، ولن ينال إلا ما قسم له اهـ والتعليق من الأصل.