المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الضالع في سوريا والعراق: - معجم أسر بريدة - جـ ١٣

[محمد بن ناصر العبودي]

فهرس الكتاب

- ‌باب الضاد

- ‌الضالع:

- ‌كتابة اسم الظالع:

- ‌الشيخ علي السليمان الضالع:

- ‌الضالع في سوريا والعراق:

- ‌ترجمة الشيخ محمد بن محمود بن يحيا حمد عثمان الضالع التوجري نفسه

- ‌أملاك الصباخ:

- ‌أشخاص بارزون من أسرة الضالع:

- ‌وثائق الأسرة الضالع:

- ‌الضَّاوي:

- ‌الضَّبَّاح:

- ‌ الضبعان

- ‌الضْبَيْب:

- ‌معنى ضبيب:

- ‌وصية نورة بنت ضبيب:

- ‌وصية محمد بن ضبيب:

- ‌من الضبيب المعاصرين:

- ‌ الضبيب

- ‌وثائق أسرة الضبيعي:

- ‌الضُحَيّان:

- ‌الضَّحَيَّان:

- ‌وصية خريِّف بن ضحيان:

- ‌وصية تركي بن خريف الضحيان:

- ‌وثائق لنساء الضحيان:

- ‌الضويان:

- ‌أصل الضويان:

- ‌الضويحي:

- ‌الضويلع:

- ‌الضَّيف الله:

- ‌الضليفع:

- ‌باب الطاء

- ‌الطارب:

- ‌الطارف:

- ‌الطالب:

- ‌الطَّامي:

- ‌عود إلى ذكر شخصيات الطامي:

- ‌الطْبَيْشي:

- ‌الطِّحيني:

- ‌الطراخي:

- ‌الطِّرباق:

- ‌الشيخ عبد الرحمن الطرباق: (1333 - 1395 ه

- ‌الطريبيش:

- ‌الطْرَيْخم:

- ‌الطريري:

- ‌الْطرَيْعاني:

- ‌الطْرَيِّف:

- ‌الطْرَيْقي:

- ‌محمد صالح الطريقي:

- ‌تعريف بالمترجم له:

- ‌مقدمة القصة:

- ‌أول فصول القصة:

- ‌الفصل الثاني من القصة:

- ‌الفصل الثالث:

- ‌الفصل الرابع:

- ‌الفصل الخامس:

- ‌الفصل السادس:

- ‌الفصل الأخير وهو وجود المزودة وظهور براءته:

- ‌ناقة عبد العزيز الطريقي (سحيما):

- ‌الشيخ وائل اليحيى الطريقي - قاضي الغطغط:

- ‌الشيخ وايلُ بن يحيى (1310 - 1401 ه

- ‌يحيى بن وايل الطريقي:

- ‌الطّريْمَاني:

- ‌الطِّسْ:

- ‌الطَّسْوس:

- ‌الطعيسان:

- ‌الطعَيْمي:

- ‌الطفَيْل:

- ‌الطلاسي:

- ‌(دعوة وعتاب):

- ‌الطلب:

- ‌الطَّلَق:

- ‌الطْلَيْحان:

- ‌الطليحي:

- ‌الطَّوْب:

- ‌الطُّولان:

- ‌الطْوَيَّان:

- ‌وقف صالح بن عبد الكريم الطويان:

- ‌شعراء من أسرة الطويان:

- ‌الشاعر السجين:

- ‌الشاعر إبراهيم بن عبد المحسن الطويان (الملقب درعان)

- ‌من أخبار درعان:

- ‌محنة شاعر:

- ‌الشيخ سليمان بن محمد بن طويان:

- ‌الطويان في الوثائق القديمة:

- ‌وثيقة مهمة:

- ‌نماذج من كلام عبد الكريم بن صالح الطويان

- ‌قارئ يواجه التحرير ويكتب ملاحظاته:

- ‌شعر لعبد الكريم بن صالح الطويان:

- ‌ أميثاء" وداعًا:

- ‌عبد الكريم بن صالح الطويان والتأليف:

- ‌(صوت من خب "حويلان

- ‌الطْوَيْرش:

- ‌الطويعينه:

- ‌الطويل:

- ‌باب الظاء

- ‌الظَّاهر:

- ‌الظِّفيري:

- ‌الظويهر:

الفصل: ‌الضالع في سوريا والعراق:

‌الضالع في سوريا والعراق:

نزح من أسرة الضالع أناس إلى بغداد والشام منهم محمد بن حمود بن عثمان الضالع، عالم تاجر ترجم له راغب الطباخ في (أعلام النبلاء، بتاريخ حلب الشهباء) مات عام 1337 هـ في حلب وخلف ثروة كبيرة.

ورأيت أكثر الذين ترجموا له عيالًا علي الشيخ راغب الطباخ فرأيت نقلها هنا وأتبعها بترجمة له وذكر لأحوال بعض أسرة الضالع بقلم محمد بن حمود بن يحيى بن حمد بن عثمان الضالع وهو المترجم له نفسه.

وهذا ما ذكره محمد راغب الطباخ في (أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء)، ج 2، ص 550 - 555.

الحاج محمد الضالع التاجر المتوفى سنة 1337 هـ:

الحاج محمد محمود (1) بن عثمان المعروف بالضالع، التاجر الأديب.

كان والده من القصيم من بلاد نجد، فانتقل إلى بغداد واستوطنها وملك بها، وولد له المترجم بها سنة 1259 هـ، وبعد أن قرأ القرآن وأحسن الخط وشب صار والده يرسله في تجارة المواشي بين حلب وبغداد، إلى أن توفي والده فأقام بحلب واستوطنها، وذلك بعد سنة 1280 هـ تقريبًا، وحج منها سنة 1292 هـ. ولما عاد تزوج بها سنة 1293 هـ ولا زال دائبًا على التجارة في المواشي، فوفق في تجارته وأثري، ومن ذلك الحين أخذ في عمل البر والإحسان، فأنشأ في سنة ثلاثمائة وألف مسجدًا في المحلة المعروفة بالضوضو وخصص له عقارات بجانبه تفي وارداتها لوظائف إقامة الشعائر فيه.

(1) هذا تحريف شائع فوالده (حمود) وليس (محمود)، وحمود اسم نجدي أصيل ومحمود اسم شائع في الأمصار العربية كما هو معروف.

ص: 33

وحبب له وهو شاب العلم وأهله والأدب والمتحلون به، فأخذ شيئًا من النحو على شيخنا العلامة الشيخ بشير الغزي، وطالع الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، وأخذ بعد أن صار لديه ملكة حسنة في النحو في مطالعة كتب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرها من كتب السلف وأخذ في الانتصار لهم، واجتمع لديه مكتبة نفيسة حوت كثيرًا من الكتب المطبوعة لم تزل محفوظة عند أولاده إلى الآن.

وكان مكثرًا من مطالعة الصحف والمجلات، واقفًا على أخبار العالم وسياسة الدول، وقلما يخطئ له رأي في مطالعاته السياسية، ولما نشبت الحرب الروسية اليابانية كان من رأيه من بدء الحرب فوز اليابان فيها، وأخذ يبرهن على ذلك خلافًا لما كان عليه الأكثرون من العارفين.

وكان من رأيه أن لا تدخل الدولة العثمانية في حرب ما مع ولاياتها المنفصلة عنها لما كان يراه من ضعفها وانصراف أولياء الأمور فيها والقابضين على زمامها إلى البذخ والترف والانغماس في الملذات والشهوات وارتكاب الموبقات وعدم إقامة العدل وفشو الرشوة في محاكمها من أكبر مأمور إلى أصغره إلَّا من رحم ربك، وهذه الأمور منذرات بالخراب سالفات إلى مهاوي الهلكة والدمار، كما قال الله تعالى {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (1)، تلك سنة الله في خلقه ولن تجد لسنته تبديلًا.

ولما أعلنت النفير العام حينما نشبت الحرب العالمية الكبرى جزم بتشتتها واضمحلالها، وكان لا يعبأ بانتصارات الألمان ولا يقيم لها وزنًا، ويبرهن على انخذالها في هذه الحرب مهما طال ثباتها وتوالت انتصاراتها.

(1) سورة الإسراء، الآية 16.

ص: 34

وكان من المنتحلين للمذهب الوهابي (المنسوب لمحمد بن عبد الوهاب) ومن الدعاة إليه، يناظر فيه عن علم ممزوج بآداب المناظرة وحسن المجادلة، ولا يمنعه عن المجاهرة بعقيدته وأفكاره مخالفة الناس له في ذلك، ونبذه الناس لانتحاله هذا المذهب لمناظرته فيه ومطالعته كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم وإنكاره الشديد على أهل البدع، ونسبوا كل من كان يحضر مجالسه إلى الوهابية، فكان يتحاماه أكثر عارفيه خصوصا في عهد السلطان عبد الحميد، ومع هذا فإنه لم يزل مصرًا على عقيدته ومجاهرته بآرائه، لم يثن عزمه لومة لائم ولا وشاية واش.

وله رسالة وجيزة في الرد على خطبة المسيو جبرائيل هانوتو التزم فيه السجع، فمنها قوله:

"إن مقالته تقشعر منها الجلود، وتفطر منها الكبود، أوقعت بعض الإسلام في حيرة، وصارت في مجتمعاتهم سيرة، وتغيرت منهم السريرة، فغدوا يستاءلون عن جنايتهم، فالإنجيل شاهد ببراعتهم، وكذلك الإلزاس واللورين، وهم على ذلك من الشاهدين، وغير معلوم ما الحادي للوزير على هذا الأمر سوى ما كان من مسألة الحلول بمصر، وأقرب منه مسألة فشوده، وما حصل فيها من الإهانة على جنوده، فهي من أمل غير بعيد وتحمسه على غير الفاعل ما يطفأ له لهيب.

أعلينا جناح كندة إذ يغنم غازيهمُ ومنا الجزاءُ (1).

ومنها قوله: وقد كثر على هذه المقالة الإنكار، وتجاذبت للاكتشاف على سرها العقول والأفكار، وأكثر ما وقع في النفوس، أن الموسيو غير بريئ من جناية دريفوس، ولما شاع إعادة محاكمته، وطلبها من هو بريء من جنايته، واضطربت أفكار الوزير، حذار يوم شره مستطير، لعلمه ما بالقوم على وطنهم من الغيرة، ولا مراعاة لمن خانه أميرًا كان أو أميرة، فاضطرته صروف

(1) البيت للحارث بن حلزة اليشكري من معلقته.

ص: 35

الأحوال، إلى أن قال ما قال، أراد به التمويه على العيون، وإن كان عقلاؤهم يعدونه ضربًا من الجنون، ليصد عن دريفوس وإعادة محاكمته الأفكار، ويشغلها بخزعبلاته عن كشف الحقائق والأسرار، فابتدأ قبل الرغاء بالهدير، فإن المسيو على نفسه بصير، تهدد وتوعد، وللمعاهدات الدولية بتد، ولصنعة الخالق أفسد، وجدك لا محبة بالمسيح ولا بغضا بمحمد، بل لأمر خامر قلبه، فرام بذلك قلبه. أهـ.

ومن نظمه قصيدة رد بها على المصريين، وسبب ذلك أن الشيخ محمد بن إسماعيل الأمير اليمني الصنعاني مدح الشيخ محمد بن عبد الوهاب صاحب الدعوة ومؤسس المذهب الوهابي في نجد بقصيدة أولها:

سلامي على نجدٍ ومن كان في نجدٍ

وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي

سرت نسمة من أرض صنعا سقا الحيا

رباها وحياها بقهقهة الرعدِ

سرت من أسير يسأل الريح إذ سرت

ألا يا صبا نجدٍ متى هجت من نجدٍ

يذكرني مسراك نجدًا وأهلها

لقد زادني مسراك وجدًا على وجدِ

قفي واسألي عن عالم حل سوحها

به يهتدي من ضل عن منهج الرشدِ

محمد الهادي لسنة أحمد

فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي

لقد أنكرت كل الطوائف قوله

بلا صدر للحق منهم ولا وردِ

وهي طويلة في ثمانية وستين بيتًا، فرد عليه الشيخ أبو بكر محمد بن غلبون المغربي الطرابلسي بقصيدة طويلة أيضًا في أربعين بيتًا مطلعها:

سلامي على أهل الإصابة والرشدِ

وليس على نجد ومن حل في نجدِ

بلاد بها بحر الجهالة مزبد

وأرض بها بحر الضلالة مستبدي

فهم فرَّطوا في الدين جهلًا وأبدعوا

مسائل من نهج الإصابة في بعدِ

فهب سموم الزيغ من فيح أرضهم

وقوَّده من صنعاء من ضل عن رشد

غدا ابن الأمير في تقاريع سوحه

كعشواء في الظلماء حيرانة القصد

ص: 36

تهور في شعر أناخ رحاله

بمهمهة قفراء ظمآنة الورد

شفاء غليلي في خميس عرمرم

يشن عليهم غارة البؤس والنكد

ورد عليه أيضًا الشيخ مصطفى البولاقي بقصيدة طويلة في مائة وستة وعشرين بيتًا مطلعها:

بحمد ولي الحمد لا الذم استبدي

وبالحق لا بالخلق للحق أستهدي

وأهدي صلاة مع سلام ورحمة

إلى خير خلق الله مع كل مستهدِ

وبعد فقد مرت بسمعي قصيدة

هدية صنعاني إلى شيخه النجدي

يشم بها ريح الخنا من مقره

ويبصر منها كل مستبشع وغدِ

ومنشؤها جهل تركب فارتقى

بموصوفه أعلى ذرى الزور والجحدِ

وغايتها تحقيق ما هو باطل

ومحصولها مدح بملتزم الضدِ

فرد عليه الشيخ عبد اللطيف النجدي بقصيدة مطلعها:

تبسم وجه النصر في طالع السعد

وأشرق نور الحق من موكب الرشد

وأيّد نظم للأمير محمد

فادبر نحس الطوالع بالصد

وخر على الأركان من صنع ماهر

بناء بناه الناكبون عن القصد

وولي على الأعقاب أفجر عائب

يرى نفسه فردا أشد من الأسد

جهول ببولاق المصرة جهله

صريح ينادي بالتهاتف في العقد

يحوم من الغربان يطلب رشده

وقد ضل من كان الغراب له يهدي

وقد حدت عن رد عليه بمنطق

عميم فخذ بالعلم عن كل مستهدِ

وألق سماعًا للجواب ولا تكن

جهولًا يرود الباب من جانب السد

فلما اطلع المترجم أي محمد بن محمود الضالع على الأصل والرد نظم قصيدة في الرد عليها أيضًا أولها:

ص: 37

سلام على من كان في قوله يهدي

بأي مكان حل في الغور أو نجد

ولا شك أن الأرض لم تخل من فتي

خلائقه ترضي وأفعاله تجدي

ألا خبروني أنتمو وهمو فمن

يداهن في الدين الحنيفي على عمد

يري كل أقوال الذين تقدموا

صوابًا وإن كان الحلول بما يبدي

وتعظيمهم حتى غدا الدين هزأة

لكل جحود فاقد العقل والرشد

غزرتم وعزرتم به كل مارق

من الدين حتى قد تجاوز للحد

بتكذيب رسل الله والكتب التي

نهتنا عن الإشراك بالواحد الفرد

وهي طويلة أيضًا، وهذه القصائد الخمس قد لخصت آراء الفريقين وما يرمي كل الآخر وما ينتقده عليه، وإذا تأملت في ذلك ونظرت إليه بعين الإنصاف رأيت الطائفتين قد خرجتا من حيز الاعتدال، فالوهابيون فرَّطوا وبعض العوام من الطائفة الأخرى أفرطو، وهما في حاجة إلى القصد في الأمر ونبد رداء التعالي الذي يتردى به كلتاهما، فهما والشيعة إذا جنحوا إلى تلك النقطة والتفوا حولها (وما ذلك على همة علماء الجميع بعظيم) نجوا جميعًا من مخالب الغربي الذي تألب على الشرق، وكان في ذلك حياتهم حياة سعيدة وصلاح أمورهم في دينهم ودنياهم، وما أحوج الأمة الإسلامية إلى استبدال هذا النزاع والشقاق بالوئام والوفاق، ولا سبيل إلى الوصول إلى هذه الضالة المنشودة ما دامت مختلفة النزعات متباينة العقائد، فإذا عالجت تلك الأمراض بحكمة وروية لا تلبث عشية أو ضحاها إلَّا وتستعيد قوتها بعد الضعف وعزها بعد الهوان، وإني لا أيأس من أن يطلع فجر ذلك اليوم السعيد وتنير شمسه على العالم الإسلامي فيصبح منيع الجانب عظيم الشان قوي السلطان.

ومن نظم الضالع قصيدة رثي بها أحد علماء وأعيان الموصل مطلعها:

أتى بلسان البرق ما ضيق الصدرا

وهيج لي حزنًا وقد أقلق الفكرا

ص: 38

كأني أرى فيه الصواعق أبرقت

وإني أرى من لمعة البؤس والضرا

ومنها:

جليل مقام نينوى تفتخر به

على جيله لو أنه يرتضي الفخرا

سقى الله أرضًا حلها صيب الرضى

وأبدل قبرا حله روضة خضرا

لقد كان يجري منه خير دعائه

لنفع به في هذه الدار والأخرى

فأصبح محتاجًا إليه ولم نكن

باهل له أني ونجتلب الوزرا

لهونا بدار اللهو في نحو من نرى

ونسعى فلا جهرًا سلكنا ولا سرا

ونمزج جهلًا بالرياء فعالنا

ونخلط في أيماننا سفهًا نكرا

إلى الله أشكو ظاهري وسريرتي

وأسأله أمنا إذا بعثوا غبرا

وأسألك اللهم غفرانك الذي

هو العيش في الدنيا الهنّي وفي الأخرى

وله غير ذلك من القصائد.

وكانت وفاته ليلة الثلاثاء الأربع ليال خلت من شهر رمضان سنة 1337 هـ ودفن في تربة الشيخ جاكير، وأوصى بعشرة آلاف ليرة عثمانية ذهبًا، وهي أكبر وصية أوصي بها، ولم نسمع برجل في هذا القرن أو الذي قبله أوصى بهذا المقدار، وقد أنفق من هذه الوصية ألف ليرة يوم وفاته والتسعة ينفقها أولاده تباعا في حلب وفي بلاد نجد.

وكان رحمه الله حسن الأخلاق رقيق الحاشية مستقيمًا في أحواله وأطواره حسن المعاملة في تجارته، وكان يتعاطى مع التجار بالمواشي والعطارة طبخ الصابون في المصبغة الكائنة في محلة البياضة، وكانت إقامته التجارة بها، واتخذها سوق عكاظ يومه إليها العلماء والفضلاء ويتطارحون هناك المسائل العلمية والمحاورات الأدبية، وخصوصا شيخنا الشيخ بشير الغزي، فقد كان كثير التردد إليه والزيارة له، ولوجود شيخنا هناك بعد العصر في كثير من الأيام كان الناس

ص: 39

يهرعون إليه للاقتباس من فوائده والالتقاط من فرائده (1).

تعليق:

التعليق على هذه الترجمة هو في أول الأمر الإعجاب بالشيخ التاجر محمد بن محمود الضالع كيف تبوأ هذه المنزلة في النفوس، وأصله من أهل نجد الذين كانوا يطرقون بلاد الشام والعراق وفلسطين ومصر تجارًا للماشية وبخاصة الإبل والخيل، وقد فروا من بلادهم بهذه التجارة لأنها ليس فيها ما في الأمصار من أنهار أو أنتاج زراعي أو صناعي، وإن كان ولد في بغداد.

وبعد ذلك يكون التعليق على ما ذكره المؤلف محمد راغب الطباخ من تسمية الدعوة السلفية التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالوهابية، وأنها مذهب أسسه، وكأنما هو اخترعه مع أنه لم يأت بشيء من عنده إلَّا تجديد ما كان عليه السلف الصالح في عصر النقاء الإسلامي في صدر الإسلام.

ولكن لا غرو في ذلك لأن كثيرًا من علماء الأنصار لم يكونوا يعرفون حقيقة تلك الدعوة السلفية، ولا ما قام به الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولا كيفية قيامه به، ولذلك تجد أكثرهم إذا سالته عما إذا كان قرأ كتابًا واحدًا من كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو علماء أهل نجد الذين استجابوا لدعوته وشجعوه على ذلك، والذين ساروا على نهجهم أجاب بقوله: لا، إني لم أقرأ أي كتاب لهم، وإذا يأتي سؤاله: لماذا إذًا تحكم عليهم وأنت لا تدري عما عندهم؟ والحكم على الشيء فرع عن تصوره كما يقول علماء الأصول.

والتعليق أن الشيخ محمد بن محمود الضالع لم يشغله علم العقيدة والفقه عن الأدب وقرض الشعر الفصيح، مثلما لم تمنعه التجارة عن طلب العلم كله.

(1) إعلام النبلاء، ج 2، ص 550 - 555.

ص: 40