الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وكانت المشكلة أنني أتألم وأصيح، بل أصرخ من أية حركة، فانتدب لحملي من أقاربنا خمسة أحدهم اعتني بالحمار الذي ينقلني إلى بيت (الخريصي) واثنان منهم عن يمين ممسكين بجسمي واثنان من جهة اليسار.
وقد حملوني عرضًا على ظهر الحمار.
قال: فقرأ عليَّ الشيخ صالح الخريصي وأمه فأحسست بالراحة النفسية عند قرءآتهما عليَّ وفي المرة الثالثة وكان أهلي يذهبون بي إليهم، أحسست بالبرء، وبعد أربع جلسات غابت عني الآلام، وعدت إلى صحتي كأن لم يكن أصابني شيء.
الشيخ الخريصي زعيم المحافظين:
لو قسمنا المشايخ وطلبة العلم في بريدة بل في نجد إلى قسمين محافظين ومتساهلين في الأمور الشكلية المتعلقة بالدين لوجدنا أن الشيخ صالح الخريصي هو من أشد الناس محافظة على حمى الدين، وحتى في الأمور الشكلية لم يكن يقبل أي تغيير حديث يتعلق بتنفيذ الأوامر الدينية.
وقد ذكرت في كتاب (يوميات نجدي) أن الشيخ صالح الخريصي اجتمع عنده جماعة من المحافظين، وبحثوا ما كان يسعى إليه المثقفون من إنشاء شركة للزراعة في بريدة قد تحتاج إلى احضار خبراء أجانب من غير المسلمين، فمانعوا في ذلك.
كما أنني عندما عينت مديرًا لمعهد بريدة العلمي، ولم يكن المعهد قد أنشيء من قبل وإنما طلب مني أن أقوم بإنشائه وإدارته، قلت للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رئيس القضاة والمفتي الأكبر للمملكة، وهو رئيس الكليات
والمعاهد العلمية: إنه لكي نضمن نجاح المعهد لابد من تعيين أربعة مشايخ هم كبار طلبة العلم في بريدة آنذاك ليكونوا مدرسين، وهم الشيخ صالح بن أحمد الخريصي والشيخ صالح بن عبد الرحمن السكيني والشيخ علي بن إبراهيم المشيقح والشيخ صالح بن إبراهيم البليهي.
فوافق الشيخ محمد إبراهيم رحمه الله على ذلك فأعددت أربعة كتب باسم كل واحد كتاب ختمه الشيخ محمد بن إبراهيم وعندما عدت إلى بريدة من الرياض سلمت كل واحد الكتاب الذي يخصه، وقد ذكرت تفصيل ذلك في كتاب (ستون عاما في الوظيفة الحكومية).
وفيما يتعلق بالشيخ صالح الخريصي قال لي: سوف أنظر في الأمر وأخبرك ثم قال لي: يا أخ محمد لو لم يكن في المعهد إلا أنت والمشايخ الآخرون الموثوق بهم من السعوديين لما ترددت في الاستجابة والقبول بوظيفة التدريس في المعهد، ولكن سوف يكون فيه أجانب أغلبهم من الأشاعرة في عقيدتهم، هذا إذا لم يكونوا من الذين يعتقدون عقيدة أكثر من عقيدة الأشاعرة ومن الصعب عليَّ أن أجالسهم وأعاشرهم، وأنا أعرف أنهم من أهل البدع.
وقد أكسبته منعته تلك التي هي عدم التهاون حتى في الأمور الشكلية المتعلقة بالدين مكانة عظيمة في نفوس المحافظين أضيف إليها ما يتحلى به من ورع وما يحافظ عليه من عبادة وما يقوم به من مساعدة للمحتاجين وغيرهم.
ولذلك كان منهجه في البحث في تدريسه، بل وسلوكه منسجمًا مع هذا الاتجاه.
حدثني الشيخ محمد بن علي الحركان وزير العدل السابق، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، قال: كنا عند الملك خالد في مجلسه في الطائف فدخل
عليه الشيخ صالح الخريصي وألقى كلمة مدعمة بالاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية أعجبت الملك خالد، وهي على هيئة نصيحة وتذكير للملك، ثم جلس الشيخ صالح الخريصي قليلا، وانصرف.
قال: وبعد ذلك حضر ولي العهد (آنذاك) الأمير فهد بن عبد العزيز - الملك فهد الآن - فقال له الملك خالد: يا أخ فهد: ليتك حاضر يوم يلقي الشيخ صالح الخريصي كلمته الطيبة النافعة كان أعجبتك واستفدت منها، هذو لا هم العلماء اللي نعرفهم ماهمب علماءكم القطان، وفلان و .... من الذين لا يدخل كلامهم إلى القلوب، لأن القلب يدخله الكلام إذا كان من قلب راعيه عن صدق، مثل الشيخ صالح الخريصي، قال: وكان مجلسه غاصًا بالناس عندما قال ذلك.
ومن مظاهر محافظة شيخنا الشيخ صالح الخريصي أنه كان ملتزمًا بالفقه بما قرره علماء الحنابلة، لا يرى الخروج عنه إلى اختيارات أخرى لأهل المذاهب الأخرى أو لقول غير مشهور في المذهب، ومن ذلك عدم أداء أي صلاة في أوقات النهي التي من أوسعها: ما بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس وبعد صلاة الفجر إلى طلوعها.
ولو كانت ذات سبب مثل تحية المسجد ركعتين، ومثل صلاة الكسوف.
وقد وقعت واقعة أخرجت ذلك من الفقه النظري إلى العملي سجلتها في مذكرة في عام 1364 رأيت نقلها هنا من دون تغيير حرف واحد.
وهذا نصها:
في سنة 1364 كسفت الشمس والقمر في شهر رجب وتحدث الناس بخسوف الشمس قبل وقوعه لأن أهل التقاويم ذكروا أن الشمس تكسف في تاسع عشر من رجب بالعصر وحدث ..... كلام من الناس بسببها وأمر الشيخ
ابن حميد الناس أن يصلوا الكسوف بعد العصر فصلي الناس وامتنع الشيخ صالح بن أحمد الخريصي عن الصلاة، وكان الأمير عبد الله ابن فيصل قد أرسل إلى الشيخ يقول له خسفت الشمس بعد العصر ماذا نصنع فأرسل إليه أن صلوا فأم رجاله فدخلوا السوق والناس مجتمعين بعد العصر ينادون بأعلى أصواتهم الصلاة ويأمر الصلاة، فذهب الناس إلى المساجد وصلى أكثرهم وصلى صالح بن عبد العزيز المقبل فيما قيل إلى آذان المغرب.
أول ما عرفت الخريصي:
عرفت الشيخ صالح الخريصي في وقت مبكر كان ذلك قبل أن يكتسب لقب (الشيخ) بل كان يقال له مثلما كان يقال لأمثاله من طلبة العلم الذين لم يبلغوا درجة المشيخة (الأخ صالح) ومع أن كلمة (الأخ) صالح لا يوصف بها كل شخص، فإن أهل نجد لم يكونوا يطلقونها إلَّا على طلبة العلم والمتدينين جدًّا، لأن هؤلاء يستعيضون بها عن ذكر الأسرة أو القبيلة لكونها وصفًا إسلاميًّا مستوحى من الآية الكريمة (إنما المؤمنون إخوة) ولذلك سمي بها المتدينون من الأعراب أنفسهم حتى صاروا يعرفون عند الناس بالإخوان إذا أطلق هذا الاسم انصرف إليهم دون غيرهم.
وكان عمري آنذاك ثمان سنين أو نحوها، وكان دكان والدي لا يزال في السوق الشمالي الذي ينطلق من الوسعة الواقعة إلى الشمال من جامع بريدة القديم، وهو الذي سمي بعد ذلك بسوق الخراريز - جمع خراز.
فكان فيه عندما عقلت الأمور في أول عشر الستين من القرن الرابع عشر بعض الدكاكين لغير الخرازين، وهي لأناس بقوا فيه، ثم ارتحلوا عنه بعد ذلك فصار خالصًا للخرازين دون غيرهم، كان فيه من غير الخرازين دكان والدي،
ودكان المطوع (الشيخ صالح بن كريديس) ودكان صالح بن سليمان الغليقة، ودكان محمد بن سعيد العبدان هؤلاء كلهم ليسوا من الخرازين.
وقد ترك والدي هذا السوق منتقلًا عنه إلى سوق بريدة الرئيسي الذي ينطلق من الجردة متجهًا إلى الغرب وينتهي بسوق قبة رشيد في عام 1355 هـ.
كان الشيخ صالح الخريصي وأخوان له خرازين، وكان دكانهم مقابلًا لدكان والدي، فكان الشيخ صالح يعمل في الخرازة ولكنه لم ير قط إلا تاليًا للقرآن وهو يخرز النعال، أو مستذكرا لدروسه التي كان يتلقاها على شيخه الشيخ عمر بن سليم أو شيخه الآخر عبد العزيز العبادي.
فقال له والدي رحمه الله وكان حريصا جدا على أن أستفيد من أي طالب علم - رغم سني -: يا أخ صالح أبيك جزاك الله خير تخلي الولد محمد يقرأ عليك بالمصحف.
يقصد من ذلك والدي أن يصحح تلاوة القرآن لي، فوافق الخريصي على ذلك مع شحه بالوقت، فكنت أدخل إلى دكانه الذي كان مقابلا لدكان والدي وأقرأ عليه وهو يعمل بالخرازة.
وما أذكر أنني رأيته في ذلك الوقت إلا وهو يتلو القرآن بصوت خفيض أو كان أمامه كتاب يستظهر منه دروسه فيعمل في الخرازة ويفصل بين ذلك بنظرة أو نظرتين إلى الكتاب.
وكان الشيخ صالح يترفع عن الخوض في الأحاديث التي يتداولها أرباب الصناعات يسرون بها عن نفوسهم، بل كان يزهد في الخوض حتى في الأحاديث العامة التي لا تتعلق بالعلم أو الدروس.
وكان يبين على وجهه نور الإيمان لاسيما أنه كان أبيض الوجه بياضًا مشوبًا بحمرة، ويبدو عليه الصفاء والنقاء، وكان الناس يعظمونه في ذلك الوقت لهذا السبب، وليس لأنه ذو منصب لأنه لم يكن تولى منصبا من قبل، حتى إمامة مسجده لم يتولها إلا بعد وفاة أخيه عبد الرحمن في عام 1351 هـ.
لم أكن أفقه في ذلك الوقت شيئا عما يتعلق بالتلاوة، ولم يكن (الأخ) صالح الخريصي يعلق أو يوضح شيئا يتعلق بذلك، لأنه إنما فعل ذلك استجابة لرغبة والدي، ولذلك لم أر أي شخص آخر يفعل له مثل ذلك أي يقرأ عليه في دكانه.
ولذلك لم أكن اعتبر الشيخ صالح الخريصي أول شيخ لي من المشايخ العلماء وإنما اعتبرت الشيخ صالح بن كريديس الذي كان شيخه أيضا هو أول شيخ بدأت عليه طلب العلم.
وبعد سنوات عديدة وعندما كبر سني فأصبحت في السابعة عشرة أو الثامنة عشرة قرأت على الشيخ صالح الخريصي قراءة علمية استفدت منها كثيرا، جزاه الله عني خيرًا.
وللشيخ صالح الخريصي تلاميذ تولى بعضهم القضاء وبعضهم أصبحوا علماء كالشيخ صالح بن إبراهيم البليهي.
قال الدكتور محمد بن عبد العزيز الثويني في كتابه عن الشيخ صالح البليهي:
"والمستمع أو القارئ الشيخ صالح البليهي وهو يتحدث عن شيخه الخريصي يلحظ تلك العلاقة التي لم تكن مجرد تتلمذ، بل تجاوزتها إلى أن أضحى كل واحد منهما يرى أن للآخر الحق عليه.
قال الشيخ البليهي عن هذا التتلمذ: