الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"وفي سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وألف من الهجرة كانت بداية قراءتي على شيخنا العلامة صالح بن أحمد الخريصي، قرأت عليه عدة كتب من أهمها كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وقرأت عليه في الإقناع في فقه الحنابلة، وقرأت عليه في كشاف القناع من كتاب الطهارة ووصلت فيه إلى كتاب الوصايا، ومضى عليَّ ست سنوات ولم أنتصف بالكتاب لأن شرح الإقناع مبسط ومطول، وقرأت عليه كثيرا في النحو في الأجرومية، وقرأت عليه في الكواكب الدرية شرح متممة الآجرومية في النحو، وقرأت عليه الفرائض أكثر من أربع سنين، وقد جئت على البداية والنهاية لابن كثير قراءة كاملة بحضرة شيخنا صالح إذ كلفنا بقراءتها (1).
أنموذج من كلام الشيخ صالح الخريصي:
وهذا أنموذج لكلام الشيخ صالح الخريصي في نصيحة من نصائحه التي كان يوجهها لعامة الناس وعنوانها:
نصيحة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتحذير من ترك الصلاة وبعض المنكرات:
للشيخ صالح بن أحمد الخريصي - رحمه الله تعالى وبوأه القصور العالية في الجنة.
يقول العبد الفقير المعترف بالذنب والتقصير، الراجي لعفو ربه القدير، صالح بن أحمد الخريصي:
الحمد لله الذي جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سهمين من سهام الإسلام، وصلى الله على محمد سيد الأنام، وعلى آله وأصحابه الأئمة الأعلام.
(1) الشيخ صالح البليهي وجهوده في الدعوة للدكتور محمد الثويني.
أما بعد فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب عظيم، به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، واعلموا أيها الإخوان أنه لا يقوم دين ولا يستقيم إلا بهما، وهما المقام الذي يستجلب به النعم، ويستدفع به النقم، وقد أثبت الله تبارك وتعالى الخيرية لهذه الأمة بهذا فقال تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} .
وحصر الفلاح في أهله فقال تعالى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .
وهو من صفات المؤمنين الكمل، قال تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .
وهو نجاة لمن قام به في الدنيا والآخرة قال تعالى {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} .
وفي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم (إن من كان قبلكم كانوا إذا عمل العامل بالخطيئة جاء الناهي إليه تعذيرًا فإذا كان السر جاء إليه وواكله وشاربه كأن لم يره على خطيئة بالأمس، فلما رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض، ثم لعنهم على لسان نبيهم داود وعيسي بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطرًا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم).
وذكر ابن أبي الدنيا عن إبراهيم بن عمرو الصماني قال أوحى الله إلى يوشع بن نون أني مهلك من قومك أربعين ألفا من خيارهم، وستين ألفا من شرارهم، قال هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار، قال إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوا يواكلونهم ويشاربونهم.
وذكر أيضًا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما (لينقضن الإسلام عروة عروة حتى لا يقال الله الله، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب، ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، وليبعثن الله عليكم من لا يرحم صغيركم، ولا يوقر كبيركم).
وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوشك أن تخرب القرى وهي عامرة، قالوا: كيف تخرب وهي عامرة قال: إذا علا فجارها على خيارها وساد القبيلة منافقوها.
وفي حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا في سفينة فصار لبعضهم أعلاها، ولبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم قالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإذا تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جيمعًا).
وهكذا الحال الراهنة التي نحن عليها، إن أخذنا على أيدي إخواننا، وحلنا بينهم وبين مراتع الهلكة، نجونا جميعًا، وإن تركناهم هلكنا جميعا.
وفي حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعقاب من عنده)،
قلت يا رسول الله الله أما فيهم يومئذ قوم صالحون قال (بلى) قلت كيف يصنع الله بهم قال: يصيبهم ما أصاب الناس ثم يكونون إلى مغفرة من الله).
وفي حديث زينب أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فزعًا يقول (لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج وماجوج مثل هذا) وحلق الإبهام والتي تليها قلت يا رسول الله أفنهلك وفينا الصالحون قال (نعم إذا كثر الخبث).
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال كنت عاشر عشرة من المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل علينا بوجهه وقال (يا معشر المهاجرين خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوها إلا ابتلاهم الله بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولا خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوًا من غيرهم فأخذوا ما في أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل باسهم بينهم).
إذا تقرر هذا وعرف فاعلموا رحمكم الله أن من أعظم المنكرات ترك الصلاة وهو كفر كما قال صلى الله عليه وسلم (بين العبد وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة).
ومن المنكرات الظاهرة ترك الصلاة جماعة مع المسلمين لأنه صلى الله عليه وسلم هم بتحريق بيوت المتخلفين عن الجماعة بالنار، وما ذاك إلا بتركهم واجبًا عظيمًا من واجبات الإسلام.
وقد سئل حبر الأمة وبحرها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن رجل يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يشهد الجمعة ولا الجماعة، فقال هو في النار، فتردد عليه السائل شهرا ويقول هو في النار.
ومن المنكرات الظاهرة ما فشا وعمت به البلوى من اتخاذ آلات اللهو والمزامير، واستماعها والعكوف عليها، وهي مما استفز بها الشيطان بني آدم قال تعالى (واستفزز من استطعت منهم بصوتك)، فصاد بها الشيطان في هذه الأزمان خلقًا كثيرًا، وجمعًا غفيرًا، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، فتجد من هي في بيته، ملازمًا لها هو ونساؤه وأولاده لا ينكر ذلك منهم منكر، فيا عظم عقوبة هذا المسكين، ويا شدة حسرته عند المعاينة.
وفي حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الله بعثني رحمة للعالمين، وأمرني ربي بمحق المعازف والمزامير، والأوثان والصليب، وأمر الجاهلية، وحلف ربي عز وجل بعزته أنه لا يشرب عبد من عبيدي جرعة من خمر إلا سقيته من الصديد مثلها، ولا يتركها من مخافتي، إلا سقيته من حياض القدس).
ومن المنكرات التي فشت وانتشرت شرب المسكرات على اختلاف أنواعها، وهي أم الخبائث، ومفتاح كل شر، وسلابة للنعم، وجلابة للنقم، فكم سلبت من نعمة، وأحلت من نقمة، وجلبت من محنة، ومن أنواعها التتن الخبيث المضر على البدن والدين والمال، وضرره ظاهر، وفساده للمجتمع لا يعرفه إلا أهل البصائر، وإن أهله المولعين به يبذلون أعراضهم إذا فقدوه، ويحدث الأمراض الفتاكة كما هو معروف من علم الطب.
ومن المنكرات الظاهرة التي اتخذت عادة حلق اللحي، وهو أمر محرم قال تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن حلقها في عدة أحاديث صحيحة صريحة في التحريم كقوله صلى الله عليه وسلم (جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس، خالفوا المشركين).
فيكون التحريم مستفادًا من أمرين من نهيه صلى الله عليه وسلم عن حلقها، ومن التشبه بالمشركين، ويكفي في جمالها وكمالها وشرفها ومحلها من الشريعة المطهرة أن فيها الدية كاملة مائة من الإبل إذا جني عليها.
ومن المنكرات أيضا التي أغوى الشيطان أهلها اتخاذ تواليت النصارى تشبها بهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم) وأقل الأحوال التحريم كما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله.
ومن المنكرات اتخاذ المصورات واقتناؤها، وهي شيء محرم بنص السنة، وقد أمر صلى الله عليه وسلم بطمسها إذا وجدت.
ومن المنكرات كشف العورة كما يجري فعله من بعض الشبيبة عند اللعب بالكرة من كشف الفخذين أو بعضهما، لأن الفخذ عورة لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه (لا تبرز فخذك ولا تنظر فخذ حي أو ميت).
كذلك ما يفعله بعض الناس في لباسهم السراويل القصار التي يسمونها الهاف، ويلبسون عليها ثوبا رقيقا يصف البشرة من بياض وسواد وهذا فيه خطر عظيم في الصلاة خاصة، وفي غيرها عامة.
فيا معشر المسلمين، ويا معشر المسؤولين من العلماء والأمراء والكبراء والزعماء، اتقوا الله وراقبوه، وقوموا بما أوجب الله عليكم من الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، ولا تأمنوا مكر الله فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، ولا تغتروا بستره وحلمه، وما فتح عليكم من النعم، فإنه ما أخذ قوم إلا عند غرتهم ونعمتهم وسلوتهم، وهذا الواجب العظيم لا يختص به فرد دون فرد، لأنه صلى الله عليه وسلم خاطب الأمة كلها في قوله (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده) إلى آخر الحديث، لكن على أهل الحسبة، وهم النواب من المسئولية ما ليس على غيرهم، فاتقوا الله عباد الله وحولوا بين إخوانكم، وبين مراتع الهلكة، وذودوهم عن موارد العطب، فإنكم مسئولون عنهم أمام الله، كما ورد في الحديث (إن الجار يتعلق بجاره يوم القيام، ويوقفه بين يدي الله عز وجل، ويقول: يا رب سل هذا لم خانني فيقول يا رب ما خنته في أهل ولا مال فيقول صدق، ولكنه رآني على ذنب كذا من فعل محظور أو ترك مأمور فلم يأمرني ولم ينهني).
فإن أخذتم على أيديهم نجوتم جميعًا، وإن تركتموهم هلكتم جميعًا، فما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه لجبير بن نفيل حين رآه يبكي بعد فتح قبرص، وقد فرق بين نسائهم وذرياتهم، فقال مالك تبكي في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله، وأذل الشرك وأهله، فقال ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الأمر، أضاعوا أمر الله فصاروا كما ترى.
هذا وأسأل الله تعالى الكريم أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يجعلنا وإياكم من أنصار دينه، وأن يحفظ إمام المسلمين وولي عهده وأسرتهما.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.