الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر الشيخ محمد بن حمد بن خريف التويجري صفة موت الشيخ صالح الخريصي في آخر كتابه (طرائف وذكريات في أحوال الأولين والسوالف) فقال:
مناقب الشيخ صالح الخريصي:
حدثني رجل ثقة يقول: إن القاضي فلانًا حصلت عنده قضية صعبة، فلم يتيسر له وجه الحكم فيها لعزوب الدليل عنه فيها، فأهمه ذلك، وجعل يفكر فيه عدة أيام.
وذات ليلة رأي شيخ الإسلام ابن تيمية في المنام فقال له (أسأل عنها الشيخ الخريصي تراه فيه بركة) وكان هذا القاضي زميلًا للخريصي، فأتي إليه وأخبره بالقضية وبكلام شيخ الإسلام.
فقال الخريصي (الحكم بالقضية كذا وكذا، واكتم علي) يعني كلام شيخ الإسلام فيه.
قلت: وليعلم أن أهل السنة والجماعة لا يعوِّلون على المنامات في جميع الأحكام الشرعية، وإنما يعولون على (قال الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الصحابة رضي الله عنهم.
ولكن هذه رؤيا حق أرشده فيها إلى حَيِّ حاضر أهلًا لذلك لأنه عالم البلد وقاضيها، كما قد حصل ذلك، ولا يبعد أن يكون هذا من كرامات الأولياء، والحمد لله رب العالمين.
ومن لطف الله تعالى بالشيخ الخريصي في مرض موته: أن الله رحمه فلم ينزعج للمرض، فلم ينقل المستشفيات، ولا غرف الإنعاش، ولا سافر للخارج ولله الحمد، بل صبر للمرض في بيته، وفي الآخر قد أسندوا له
وأجلسوه، إذ انخفض رأسه فنظروه وإذا هو قد مات، رحمه الله، وهذا والله أعلم أستجابة من الله تعالى لدعائه في القنوت (اللهم أحيينا بعافية، وأمتنا بعافية، وأبعثنا بعافية، وأدخلنا الجنة بعافية) اللهم آمين.
انتهى كلام الشيخ محمد بن خريف.
هذا ورأيت إثبات ما أورده الأستاذ الأديب عبد الكريم بن صالح الطويان من ذكر الساعات الأخيرة للشيخ صالح بن أحمد الخريصي وبيان سيرته وعلاقاته بالآخرين، لأنني رأيته أجمع من ذكر ذلك، والشيخ صالح يستحق أن ينقل عنه ذلك.
قال الأستاذ عبد الكريم الطويان في كتابه (نبض الحياة):
رجلٌ كان على الأمر الأول:
حين أبيضَّ خيط الفجر الصادق في مشرق مدينة (بريدة) فجر الاثنين الثامن والعشرين من شهر رمضان من عام 1415 هت، كان الشيخ صالح بن أحمد الخريصي (1327 - 1415 هـ) مستلقيًا في فراشه، بعد أن أسنَّ وبلغ الثامنة والثمانين من عمره، وأقعده المرض، وكانت زوجته الوفية، التي سهرت معه تلك الليلة، تُمرضه في ذلك الصباح، وتتلو على مسامعه آيات من كتاب الله، وكان سمعه معها، ونظره إليها، في تلك اللحظات، فاضت روحه إلى بارئها! ! ليكون آخر شيء سمعه هو كتاب الله العظيم، الذي أحبه، وعاش عمره كله يتلوه، ويحفظه، ويقضي بأحكامه ويتخلق بأخلاقه، ويدعو الناس إلى الاستمساك به، وتدبره وإحلال حلاله، وتحريم حرامه، ويقول لهم بصوته الجهوري (يا عباد الله، إن كتاب الله هو عصمة أمركم، وسبيل نجاتكم وقائدكم إلى مرضاة الله).
وحين أصبح الناس في منطقة القصيم، وأشرقت الشمس، وشاع نبأ وفاته، أقبلوا للصلاة عليه، من كل قرية وهجرة، وكانت جنازته، والصلاة عليه، وتشييعه يوما مشهودا ما شهد الناس شبيهه، فقد أديت الصلاة عليه في مسجد العيد الكبير ببريدة، وازدحم المسجد الواسع بخلق كثير، وجمع غفير، وبكاه الناس، وذكروا سيرته بالخير، وأثنوا عليه بما هو أهله، ودعوا له بالمغفرة والرحمة والرضوان.
لقد كان الشيخ (الخريصي) تغمده الله بواسع رحمته، أحد العلماء الصالحين المصلحين، الأمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وكان قاضيا عدلا نزيها، حريصا على إصلاح ذات البين، محبا للفقراء والمساكين، عطوفا عليهم، وكان زاهدا في الدنيا زهادة القادر لا زهدة العاجز، كثير المكث في مسجده، تاليًا للقرآن، ذاكرا للرحمن، مُسبحًا بحمده، وكان جهوري الصوت في قراءته ووعظه، لقد كانت سيرته أكثر تأثيرا في القلب من لسانه، وكانت أعماله أبلغ وأفصح من أقواله، لقد رحل عن دنيانا، لكن سيرته الحميدة وأقضيته العادلة، وذكراه الجميلة، في ذاكرة الأجيال التي رأته وسمعت منه، وتعلمت عنه.
لقد نشأ رحمه الله في أسرة متدينة، وبيئة صالحة، يُحدثني الأستاذ (علي بن عبد الله الحسين) عن أحد إخوان الشيخ: أن الشيخ (الخريصي) كان في صباه، صالحًا متعبدًا، وحين كان عمره تسع سنوات بعثته والدته لخراف التمر من إحدى المزارع، فاستبطأته، فأرسلت في أثره أخاه الكبير، فوجده في عرض الطريق، قد ألقى (مطحن) الخراف، وقام مصليًا .. !
وقال لي الشيخ علي بن عبد الله المشيقح: كان والده تاجرًا، محبا لأهل الخير حريصا على تنشئة أولاده تنشئة إسلامية، وتولى أحد أبنائه إمامة مسجد الخريصي الواقع قبلة جامع بريدة الكبير، ولما توفاه الله، خلفه أخوه، ثم لم
يلبث أن لحق بأخيه، رحمهما الله، فلما طلب الشيخ (صالح) لإمامة المسجد، رفضت والدته، فأقنعها الشيخ عمر بن سليم رحمه الله فتولى الشيخ إمامة المسجد والتدريس فيه ابتداء من عام 1353 هـ، وكان قد ترك حرفته التي يسترزق منها، وتفرغ لطلب العلم، فمر بحالة شديدة من العوز والحاجة.
وقال لي الشيخ علي العبد الله المشيقح: كان الخصم إذا أساء القول علي الشيخ في مجلس القضاء، يأتيه من غدٍ في الجلسة التالية، فلا تجد الشيخ قد حمل عليه غلًا أو أضمر حقدًا.
وحدثني ابنه الكبير الشيخ (سليمان) قال: (جلس والدي للقضاء في بريدة عام 1360 هـ نيابة عن قاضي القصيم الشيخ عمر بن محمد بن سليم، وكان أول وقته يقضي في منزله، الصباح وبعد العصر، وأذكر أنه أنهى إحدى عشرة قضية بعد صلاة العصر، وربما جلس في ضحوة عيد ليحكم بين خصمين متنازعين).
لقد كان رحمه الله زاهدا في الدنيا، بسيطا في ملبسه ومسكنه ومركبه لا يتأنق بها ولا يختار لها، وكانت الدنيا لا تُذكر في مجلسه، وقلَّ أن يرى إلا ومصحفه بيده، أو يقرأ القرآن عن ظهر غيب، وكان قلَّ أن يفارق مسجده، فبعد قضاء الصلاة، وانتهاء درسه، يمكث في خلوة المسجد، تاليًا للقرآن ذاكرًا لله، وربما دخل عليه، صاحب حاجة من حوائج الدنيا، وبيده ورقته، فيضع عليها الشيخ ختمه وهو مواصل قراءته لا يقطعها! وكأن لسان حاله يقول: إن التجارة مع الله، هي التجارة التي لا تبور، وهي خير وأبقى.!
لقد كان أحد العلماء الكبار، الذين صغرت الدنيا في أعينهم، وأفنوا أعمارهم في سبيل الله، وأبلوا أجسامهم في طاعة الله، لقد زهد بما في أيدي الناس، فأحبه الناس، بذل العلم والنصيحة والدعوة والعدل، وسد ثغرة زمنية ومكانية، قام فيها مقامًا صالحًا وأمينًا وسديدًا.
وكان رحمه الله عابدا لله، يقوم الليل، ويحرص على النوافل، قال لي ولده الأكبر (الشيخ سليمان): (لقد حج والدي فرضه سنة 1347 هـ ولم يدع الحج بعدها سوي موسم واحد، وكان يتابع العمرة، ويصوم التطوع، ولو قلت لك: إنه يقوم الليل كله، لما كنت مبالغًا، بل كلما أفاق من نومه صلى ما كتب الله له، وكان يصلي بالناس في التراويح بثلاث وعشرين ركعة، ويختم القرآن مرتين في شهر رمضان، وربما ختمه ثلاثة مرات، وربما قرأ في ركعة القيام بجزء ونصف جزء، وكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وربما سمعت قراءته في خلوة المسجد وأنا مقبل على المسجد، وكان يحرص على ختم القرآن في آخر نهار عرفة، وفي إحدى السنوات بدأ القراءة آخر نهار الثامن من ذي الحجة، وختم في موعد نهار التاسع!
ويتنفل بعد صلاة المغرب، بثلاث تسليمات، يطيل في الركعتين الأخيرتين) رحمه الله، كان سلفيًا على الأمر الأول، حريصا على إتباع السنة عاضًا عليها بالنواجذ، نابذا للبدعة، متمسكًا بأخلاق أهل القرآن، قال لي الشيخ علي بن عبد الله المشيقح: إن الشيخ (الخريصي) صلى مرة صلاة (المغرب) فقرأ فيها سورة (الأعراف) إحياء لسنة فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد شهر رمضان.
وقال لي ابنه (سليمان): كان والدي قبل غروب الشمس بنصف ساعة يقوم من مجلسه مهما كانت أهميته، ليوُرد، فيبتهل إلى الله وُيسبحه ويذكره حتى غياب الشمس، وكان إذا عاد من الوضوء صلى ركعتين، وإذا قام أحد من مجلسه للوضوء ورجع سأله: هل صليت ركعتي الوضوء؟ بل ربما قام من مجلس القضاء للوضوء فإذا عاد صلى الركعتين، والخصوم جلوس ينتظرونه .. ! !
وكان كثيرا ما يردد، دعاء أبينا إبراهيم عليه السلام:(واجعل لي لسان صدق في الآخرين)، ثم يقول: هو الثناء الحسن والذكر الطيب .. ! !
وقال الأستاذ: عبد العزيز بن حمود المشيقح: (كان الشيخ (الخريصي) إذا زار والدي، وجلس في المجلس، يأتي ومعه أولاده، فيستفتح المجلس بدعوتهم لقراءة القرآن واحدا بعد الآخر، ثم يفرغ بعد ذلك للحديث والطعام، وكان إذا أم الناس وصلي لا تكاد تسمع قراءته من البكاء والخشوع، وفي السنوات الأخيرة من عمره، كان يشغله بذكر الله والبكاء! ).
ومما يُروى عنه حبه للفقراء والمساكين، حدثني الأستاذ محمد المندرج قائلا:(كان الشيخ في بداية عمله بالقضاء، حين يتسلم راتبه، يشتري بمعظمه أطعمة يوزعها على المحتاجين من جيرانه)، ولا يأتيه رجل تحمَّل حمالة أو غرمًا أو فقير عاجز، أو مسكين بائس إلا كتب له، يحث الناس على مساعدته ومديد العون له، وكان مجرد توثيق الشيخ له كافيًا لكي يجعل الناس يسارعون إلى إعانته.
وحدثني الشيخ صالح بن محمد الصعنوني، قال: جاء رجل يشتكي أقاربه الذين حالوا بينه وبين الزواج من إحدى الأسر، فأحضرهم الشيخ وقال: إذا رفضتم هذه الأسرة، فأعينوه ليتزوج من غيرهم، وهذه مساهمة مني لزواجه، ودفع لهم جزءًا كبيرًا من مهره.
وقال حفيده الأستاذ محمد بن أحمد الخريصي، في كلمة بجريدة الجزيرة عدد 8198: (كان يُقرب الفقراء والمساكين في مجلسه ويحبهم ويكرمهم غاية الإكرام ويكسوهم الملابس، ويُطعمهم الطعام، بفضل الله، كل يوم جمعة ويدعوهم لولائمه الخاصة دائما، بل إن مائدته اليومية يندر أن تخلو من عدة مساكين يتناولون الطعام معه جنبا إلى جنب، ويسأل عنهم إذا غابوا، ويزورهم في حال مرضهم، ويصرف على إعاشتهم بشكل شهري، ويشفع لذوي الحاجات عند الولاة، وبابه مفتوح يدخله الغني والفقير وطلبة العلم والزائرون من كل
بلد، فهو كما قال عنه الملك فيصل رحمه الله لجلسائه:(إن هذا الرجل ليس هذا زمانه فالرجل من بقية السلف الصالح) .. انتهى.
وقال لي إبنه (سليمان): (كان والدي عند عزمه على الحج، يصحب معه كل قريب أو جار لم يسبق له الحج ليتم فرضه معه، وكان في سنين الحاجة، إذا اشترى كيس سكر أو أرز أو ربطة كبريت وزعها على المحتاجين، ولا يبقي للبيت سوى نصف ذلك .. ).
وكان رحمه الله يحرص على تزويج أبنائه وبناته منذ أن يتم لهم البلوغ، فقل أن يتجاوز الولد ستة عشر عاما إلا زوجه، ويقول (سليمان) قلت لوالدي: إن زواج البنت المبكر، ينتج عنه بعض المشاكل لصغر سنها، قال لي:(ما دامت هي عندي فقلبي على وجل)! بل إن والدي في صباي استدان (ديته) من أحد التجار ليزوجني وعمري ستة عشر عامًا، ولم أعلم بذلك إلا في كهولتي حين حدثني بذلك أحد أصدقاء والدي .. ! ! ).
وكان جُل وقته لقضاء مصالح الناس الشرعية، فبعد فترة الدوام الرسمي في رئاسة محاكم القصيم، وذهابه إلى منزله، يظل أصحاب الحاجات يراجعونه في منزله ومسجده، وربما لحقوه في مزرعته التي يستريح بها بعض الأيام بعيد العصر، وربما المغرب، وفي هؤلاء من يستفتيه ومن يسعى في حق عام، ومن يطلب شفاعته، أو ليُصدق على وثيقته أو ليكتب له ليستعين بالله ثم بإخوانه المسلمين لوفاء دينه .. ، وكان يستقبل أولئك كلهم بابتسامته المعهودة، وحلمه وسعة صدره ولا يضيق بأحد، ولهذا كان رحمه الله محبوبًا من كافة فئات المجتمع من الشيوخ والشباب، والعلماء وطلبة العلم، وفي أوساط الصناع والزراع والتجار وعامة الناس، ولم نعلم له مبغضًا أو ناقدًا، وكان لصفاء نفسه
ونقاء فطرته، يحسن الظن بالناس جميعًا، ويستجيب لدعوات الناس في منازلهم، ويحرص على مناسباتهم، ويعود المريض ويهنئ المسرور، ويعزي المصاب، وكنت ترى فيه شمائل العالم الصادق النزيه الذي يُخالط الناس، ويصبر على أذاهم، ويشاريهم ويبايعهم ويشاركهم حياتهم حلوها ومرها
…
!
قال الأستاذ عبد الكريم الطويَّان:
وأذكر أنني زرته قبل بضع سنوات بعد صلاة العشاء في منزله المفتوح دائما للناس، وبينما نتحدث إذ دخل عليه أحد أعيان البلد، فتحدث معه عن حاجة بريدة إلى توسعة مسجد العيد الجنوبي
…
لقد كان الشيخ (الخريصي) يسعى ويشفع لإنجاز كثير من المرافق الدينية العامة، ويقدم وساطته لأصحاب الحاجات وتُقبل شفاعته، وتُلبي طلباتهم، فكم سعي رحمه الله لتأسيس مقبرة أو تسويرها، أو لحضور خطة مسجد، وتحديد قبلته وذكر لي ابنه (سليمان) أن الشيخ (صالح) دخل على الملك فيصل رحمه الله يعرض عليه إنشاء (مقبرة) لإحدى المدن ثم دخل عليه بعد ذلك شخص آخر في حاجة له، فقال لجلسائه: هذا الشيخ (الخريصي) جاء من بريدة، ليطلب تأسيس مقبرة، وذلك جاء لحاجة خاصة به .. ! !
وكان دائمًا في طليعة الاجتماعات العامة التي تعقدها جمعية البر الخيرية ببريدة، وجماعة تحفيظ القرآن الكريم بالقصيم، وأحد المتحدثين في هذه الاجتماعات.
وإذا توفي أحد العلماء الكبار صلى عليه بنفسه وشيعه للمقبرة ولا زلت أذكر وفاة الشيخ صالح البليهي رحمه الله حين أم الشيخ (الخريصي) جموع المصلين عليه فبكى وأبكى الناس خلفه
…
! !
وقال لي ابنه (سليمان) حين توفي الشيخ محمد المطوع رحمه الله كان والدي في مكة، وحين عاد وزاره الشيخ عبد الله المطوع قال له والدي: لو كنت موجودا لصليت على والدك ولزدته تكبيرات
…
! !
وقال عنه حفيده محمد بن أحمد الخريصي: (له أعمال جبارة في مجال الدعوة إلى الله بالتي هي أحسن، وله رسائل مختصرة في العقيدة والإرشاد الدعوي والنصائح الاجتماعية، وله باع طويل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بطرق حكيمة لاحتواء المفاسد ومعالجتها بأسلوب حكيم، فكثر حامدوه، واهتدى على يديه بتوفيق الله خلق كثير
…
).
وحدثني الأخ (عبد الرؤوف البندي) من جيران الشيخ، قال: لما انتقل الشيخ من حيه القديم، وسكن في منزله الجديد بجوارنا وصلي بالناس في أحد الأوقات، وكان خلفه عدد قليل من المصلين، ولما أتم الصلاة، فإذا الذين يقضون الصلاة ضعف العدد، فتوجه إلى المصلين يعظهم ويخوفهم من التفريط والغفلة، ولما عدت إلى منزلي قال لي أهلي: لقد أخرجنا إلى فناء الدار، صوت الشيخ الجهوري وهو يقول:(يا عباد الله) .. ! !
وفي كلمته بجريدة الرياض عدد 9747 كتب الدكتور حسن الهويمل، مُخبرًا عن الشيخ جاء فيها: (عندما عينت مديرًا لمكتب الضمان الاجتماعي ببريدة، كان رحمه الله إذ ذاك رئيسًا لمحاكم القصيم، زرته في بيته لإبلاغه، واسترشاده، فدعا لي بالخير، وقال اسمع يا بني: (هذا الكرسي الذي تحل به اليوم ستبرحه يومًا ما، إما بالوفاة أو بالترقية، أو بالنقل، وأنت بين يومين، يوم بالبدء ويوم النهاية، فلا تشغلك فرحة البدء عن موقف النهاية، فكر في اليوم الذي ستترك فيه هذا الكرسي، وأعمل ما يحفظ لك ذكرك ودينك ويؤنس
وحشتك)! لقد كانت تلك الكلمات محفورة في ذهني كلما ذكرتها دعوت له، وكلما تسلم عزيز منصبًا رويتها له) انتهى.
وفي عدد الجزيرة 8195، كتب الأستاذ عبد العزيز الدباسي، يروي عن القاضي الشيخ علي الصقعبي، أنه قال:(كنت في إحدى مدن القصيم قاضيًا وفي أحد الأيام نمت بالليل وأنا أفكر في مسألة من المسائل، فرأيت في النوم شيخ الإسلام (ابن تيمية) رحمه الله فقال لي: إن المسألة في المجلد، وأخبر برقمه، ثم قال اذهب إلى الشيخ: صالح الخريصي، فإن فيه بركة، يقول القاضي المذكور، فلما قمت ذهبت إلى بريدة، وأتيت إلى الشيخ صالح في المحكمة، وسألته عن المسألة، فأجابني إجابة شافية ثم قصصت له الرؤيا، فبكى الشيخ صالح، وأمسك بعضدي وقال: لا تذكرها حتى ألقى ربي، ولكن القاضي (الصقعبي) مُرض وأحس أنه مرض الموت فأخبر بها، رحمهما الله جميعًا) انتهى.
وذكر لي ابنه الشيخ (سليمان): (أنه في صباح يوم الاثنين، وهو اليوم الذي توفي فيه والدي، بعث الشيخ (فهد العبيد) أحد تلاميذه إلى أخي (عبد الله) وأوصاه أن يذهب إلى (الوالد)! ! ويظهر أن الشيخ (فهد) رأى في تلك الليلة رؤيا تفيد وفاة والدي، فجاءني، أخي وذهبنا إلى الوالد، فوجدناه متوفي في ذلك الصباح رحمه الله كما ذكر (سليمان) أن (السويد) رأى في صباح ذلك اليوم في منامه، أن رجلًا عليه عمامة خضراء نزل من السماء ومعه كفن للشيخ (الخريصي) قبل أن يبلغه نبأ الوفاة .. ! !
وروى القاضي (الشيخ علي بن إبراهيم المشيقح) في مقدمة كتابه (العقيدة الجامعة الكافية) تفاصيل رؤيا طويلة، أريها يوم 7/ 9 / 1399 هـ حيث رأى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وراجع معه بعض المسائل العلمية، ثم
يقول في ختم ما ذكر: (وبينما نحن نتحدث معه إذا مُستأذن يقرع باب المجلس، فقمت إليه، وفتحت الباب فإذا هو الشيخ (صالح بن أحمد الخريصي) فقلت: له هذا شيخ الإسلام (ابن تيمية) فدخل ومعه أناس، ففرح بشيخ الإسلام فرحًا شديدًا، وعند ذلك استيقظت، وكتبت الرؤيا) انتهى.
إلى أن قال:
وقد ترك بعده أبناء بررة، خلفوه في مآثره، وفي إمامة مسجده، وهم حريصون على أن يسيروا بسيرته، إذ هم امتداد مبارك، وعقب صالح - إن شاء الله رحمه الله وبارك له في عقبه، ونفع الأجيال المسلمة بعلمه وخبره وسيرته، وأسكنه فسيح جناته، كفاء نصحه للأمة، وقيامه بالواجب، وأدائه للحقوق (1).
قال الدكتور عبد الله الرميان:
وعبد الله بن صالح الخريصي: خلف والده في إمامة المسجد ومازال وكان يؤم في حياة والده خصوصًا بعد عجز والده وملازمته للبيت وقد طلب العلم على والده ولازمه ملازمة تامة حتى تأثر به وسار على نهجه وهو الإمام والخطيب في هذا الجامع الأن ويشرف على مكتبة الجامع الكبير (2).
ومن الأخبار المتعلقة بالشيخ صالح الخريصي ما ذكره الأستاذ ناصر العمري، قال:
كان لأسرة الفضل ملك زراعي قد أجروا أرضه وعمرت بيوتا غربي مدينة بريدة ومن هذه البيوت بعض بيوت عبد العزيز الحمود المشيقح وبيت عبد الرحمن الخضير وقد رغب أصحاب البيوت، وكذلك الفضل في فسخ الإجارة والتعويض
(1) نبض الحياة لعبد الكريم بن صالح الطويان، ص 316 - 327.
(2)
مساجد بريدة، ص 184.