الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أحوال البحر - منافعه وأضراره:
ذهب الوالد رحمه الله تعالى من هنا أوقات المساغب وهو جذع، إلى بعض بلدان الخليج يتطلب أسباب المعيشة ثم صار يذهب مع أهل البحر للغياصه لطلب الدُر، وبقي هناك مدة أربعة عشر سنة لم يتحصل على شيء بل ربما كان مطلوبًا في معيشته.
ونظام الغياصة في البحر معروف عندهم فصاحب السفينة يتفق مع رجال يحملهم معه يغوصون، وهو يقوم بمصاريفهم ويسجلها عليهم، ويستوفيها من المحصول، والمحصول بينهم أنصاف حسب العادة لهم نصف وله نصف، وكل رجل يغوص يكون معه رجل آخر يسمَّى السَّيْب ينزّله بالحبل ويجذبه بسرعة جيدة إذا انتهى نفسه.
والبحر مثل البر في الخصوبة والجدب، فالموضع الذي يأتيه السيل وقت الوسم يخصب فيوجد فيه الدُّر كما يوجد الفقع في البر.
وكانوا يعرفون مواقع البحر كما نعرف البر.
وكان يوجد في البحر ماء عذب، نعمة من الله لخلقه في مواضع معروفة، عين تفور في قعره، عذبة، في أمكنة من البحر، ولهن أسماء عندهم، يذهبون إليها ويوقفون السفينة عليها ويرسونها، ثم ينزل أحدهم ماسكًا فم القربة بيده، فإذا وصلها بالقعر لقى فم القربة بالعين وهي تفور فتمتليء بسرعة ثم يوكيها ويحرك الرشا فيجذبونه بسرعة وهو ماسكها، ثم ينزل الآخر يملأ القربة الثانية وهكذا.
ثم يذهبون إلى الموضع الذي فيه المحار (الدُر) فيرسون السفينة (وصفة إرسائها ينزلون الشراع، ويقطُّون البلد (أي ينزلونه في قعر البحر) وهو
حديد أكبر من رأس الثور، لها أسنان بارزة، مربوطة برأس رشاء، يقذفونها في البحر من جهة الريح فتغرز أسنانها بالأرض، تربط السفينة لا تزول عن مكانها، ثم ينصبون المقامات على جوانب السفينة على عدد الرجال، والمقام هو: خشبة برأسه بكرة عليها الرشا تدور به.
فيخلع الرجل ثيابه ويربط نفسه برأس الرشا من تحت الإبط، ويربط برجله حديدة مبهمة بنحو كيلوين فيلقي نفسه في البحر وتجذبه الحديدة أيضًا بسرعة كما في المثل: اصبر والحجر يوديها والرشا بيد السَّيْب يرسله معه حتى يصل القعر، فيفتح عينه يطلب الصدف، لأن ماء البحر مالح والصدف ينبت في أرض البحر شجيرات شبه طير، يوجد المحار (الدُر) في بطنها إن وجدت وهو قليل، والغائص يكتم نفسه، إذا قارب انتهاء نفسه حرك الرشا بيده فيجذبه السيب بسرعة جيدة فيجد راحة بالنفس مع قوة الجذب، فإذا طلع رأسه من الماء شهق بالنفس، ثم جلس قليلًا يستريح نفسه، والسيب يأخذ ما معه بالحقيقة فيفرغه في صحن السفينة، وكلهم يعملون هكذا، والنَّوخذا واقف يراقب عملهم.
فإذا انتهى ما في هذا الموضع من الصدف ساروا قليلًا لموضع آخر، فإذا أرادوا يسيرون نزل أحدهم وقلب البلد عن الأرض ليرفعوه بالرشا، فإذا وقفوا ألقوه يربط السفية وهكذا.
يبدءون العمل في الصباح الغير مبكر إلى بعد الظهر.
ولا يذوقون في الصباح طعامًا ولا شرابًا قبل العمل لأجل يرتاح النفس ويطول مع الفراغ.
فإذا بطَّلوا العمل وإذا الطباخ قد أصلح لهم غداء جيدًا فيشبعون منه، فلا يأكلون غيره إلا بكرة مثلها.