المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من ترجمة الشيخ صالح الخريصي لابنه عبد الله: - معجم أسر بريدة - جـ ٥

[محمد بن ناصر العبودي]

فهرس الكتاب

- ‌باب الخاء

- ‌الخال:

- ‌الخالد:

- ‌الخبيصان:

- ‌الخرَّاز:

- ‌الخرَّاز:

- ‌قدم التسمية بالخراز:

- ‌وثائق لأسرة الخراز أهل خب البريدي:

- ‌الخرَّاز:

- ‌الخربوش:

- ‌الخريبيش:

- ‌الخْرَيْصي:

- ‌والدة الشيخ صالح الخريصي:

- ‌الشيخ الخريصي زعيم المحافظين:

- ‌أنموذج من كلام الشيخ صالح الخريصي:

- ‌رسالة أخرى للشيخ صالح الخريصي:

- ‌وفاة الشيخ صالح الخريصي:

- ‌مناقب الشيخ صالح الخريصي:

- ‌نماذج من خط الشيخ صالح بن أحمد الخريصي:

- ‌من ترجمة الشيخ صالح الخريصي لابنه عبد الله:

- ‌الْخْرَيِّف:

- ‌ الخريف

- ‌ الخريف

- ‌من أحوال البحر - منافعه وأضراره:

- ‌الرحلة في طلب العلم إلى الرياض:

- ‌من حكمة وجود المماليك من الناس سابقًا:

- ‌الخَزَّار:

- ‌الْخَضَر:

- ‌ الخضر

- ‌الخليفة:

- ‌الخِلْب:

- ‌الخَلَف:

- ‌الخلاوي:

- ‌الخْقَاقَ:

- ‌وثائق لأسرة الخفاجي:

- ‌الأعمال التطوعية والخيرية:

- ‌الخطيب:

- ‌الخفاجي:

- ‌مسجد الخطيب:

- ‌الخطيب:

- ‌الخَطَّاف:

- ‌‌‌الخضيري:

- ‌الخضيري:

- ‌عودة إلى رجال أسرة الخضيري:

- ‌شهادة ذوي المهن المستقذرة:

- ‌الجدل في قضية كفاءة النسب:

- ‌العلماء وطلبة العلم والمسئولون في الدولة من الأسرة:

- ‌من علماء الخضيري:

- ‌الخْضَيْري:

- ‌الخضير:

- ‌ مسجد العجلان

- ‌ الخضير

- ‌السيرة الذاتية للشَّيخ علي الخْضَيْر:

- ‌الشيخ علي الخضير قمة الشجاعة في تراجعه عن الغلو والتطرف:

- ‌المعاهد والمستأمن

- ‌ الخْضَيْر:

- ‌حمد الخضير والخيل:

- ‌وصية حمد الخضير:

- ‌الخْضَيْر:

- ‌ابن خضير والإمامة في قصر بريدة:

- ‌خط عبد الله بن خليفة:

- ‌الخليفة:

- ‌ الخليفة

- ‌محمد الخليفة:

- ‌الخليفة:

- ‌الخمَّاس:

- ‌الخَمِيس:

- ‌مجتمع الخميسية وسكانها:

- ‌وثائق للخميس:

- ‌الخميس:

- ‌ الخميس

- ‌الخْمَيِّس:

- ‌الخْوَيْلِد:

- ‌الخويلدي:

- ‌سليمان بن محمد بن عبد العزيز الخويلدي (أبو أحمد):

- ‌الخْيَارِي:

- ‌الخياط:

- ‌الخيرالله:

- ‌الخيرالله:

الفصل: ‌من ترجمة الشيخ صالح الخريصي لابنه عبد الله:

‌من ترجمة الشيخ صالح الخريصي لابنه عبد الله:

بعد كتابة ما سبق وقفت على ترجمة الشيخ صالح بن أحمد الخريصي كتبها ابنه عبد الله وذكر أن هذا هو الجزء الأول منها ويقع في 30 صفحة من القطع الكامل مكتوبة على الآلة الكاتبة ولم تطبع، رأيت منها أشياء لم تذكر من قبل ورأيت أن من المفيد نقل ما ليس فيما ذكرته من الترجمة أو ما هو موضح فيها أكثر من الأولى، قال:

هذا وقد كتبت عن سيرة والدي الشيخ صالح بن أحمد الخريصي رحمه الله، وجمعت ما يسره الله لي مما حضرني وكنت أعرفه عنه، ومما حدثني به بعض الإخوان.

ذكر نسبه ونشأته:

هو الشيخ الفقيه العالم العابد الزاهد الورع التقي النقي الكريم السخي ذو السيرة المرضية والأخلاق الحميدة والصفات الحسنة القاضي أبو سليمان صالح بن أحمد بن عبد الله بن حسين بن سمران بن جابر الخريصي.

ولد رحمه الله في مدينة بريدة في عام ألف وثلاثمائة وسبع وعشرين من الهجرة وقيل قبل ذلك، وتوفي أبوه أحمد والشيخ ما يقارب أربع سنين، فنشأ يتيمًا وتربى في أحضان والدته، وكانت امرأة صالحة عابدة قارئة للقرآن كثيرة الذكر والعبادة تقوم الليل للصلاة والتهجد، وتوقظ أولادها لصلاة الليل، فتربي الشيخ في بيت خير وصلاح وكرم، وقامت أمه بالحنو والشفقة عليه مع إخوانه الأشقاء وهم عبد الرحمن ومحمد وعبد العزيز وقد رغبت أن تبقى مع أولادها ولم تتزوج.

فتفرغت لخدمتهم وحرصت على تربيتهم جزاها الله خيرًا وأحسن إليها، وكانت تدعو لأولادها بالصلاح والهداية، وقد حفظ عنها أنها كانت تقول:

ص: 115

يا الله، يا والي الأمر

والعبد بحكم مولاه

صالح طول له العمر

واسعده بدينه ودنياه

وكان الشيخ صالح رحمه الله منذ صغره يذهب إلى المسجد وهو صغير السن.

وكان إخوانه يبعثونه ليأتي لهم بتمر من نخيل غربي بريدة فيذهب الشيخ ماشيًا على قدميه ثم يتأخر عليهم، فيقول بعض إخوانه تلقونه هالحين، أي تجدونه، قد أخذ التمر ثم وقف يصلي بالنفود، ثم يذهب أخوه فيجده قائمًا يصلي ساجدًا الله، فيأخذ أخوه التمر ويرجع إلى البيت والشيخ في صلاته.

ذكر طلبة العلم:

بدأ الشيخ رحمه الله بالتعلم والقراءة أولًا على المعلم المطوع محمد بن حمد الهويمل وعبد العزيز الصالح الفرج، فقرأ عليهما في تلاوة القرآن وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم بعد ذلك جد واجتهد وشمر في طلب العلم وعكف على القراءة في مختلف العلوم الشرعية ولازم علماء فطاحل وفقهاء أفاضل فمن مشايخه علامة القصيم الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم المتوفى سنة 1351 هـ رحمه الله، قرأ عليه في التوحيد والفقه والحديث وغيرها.

ومن مشايخه أيضا العلامة الشيخ عمر بن محمد بن سليم رحمه الله المتوفى سنة 1362 هـ، وقد لازمه وأخذ عنه في صنوف العلوم من عقيدة وفقه وحديث وتفسير ولغة وفرائض ومصطلح وأصول.

ومن المشايخ الذين قرأ عليهم الشيخ العلامة عبد العزيز بن إبراهيم العبادي المتوفى سنة 1358 هـ. وكان كفيف البصر، وقد لازمه الشيخ ملازمة تامة وقرأ عليه في جميع الفنون والمتون والمطولات، وحل عليه كتبًا كثيرة كما هي طريقة طلاب العلم المتقدمين.

ص: 116

وكان العبادي من محبته للعلم والكتب يأخذ الكتاب بيده فيلمسه ويقلبه ثم يناوله للشيخ ثم يقول عطنا يا صالح من هالنور.

ومن مشايخه الذين قرأ عليهم الشيخ صالح بن إبراهيم الكريديس رحمه الله، وهو إمام مسجد ابن شريدة المعروف الآن في شارع الصناعة، قرأ عليه حفظ القرآن وتجويده وقرأ عليه في النحو وغيره من المتون.

ومن مشايخه الذين قرأ عليهم الشيخ الفقيه محمد بن عبد الله الحسين المتوفى سنة 1382 هـ، إمام مسجد العجيبة، قرأ عليه الشيخ في التوحيد والفقه والنحو وغيرها، وكان الشيخ محمد إذا غاب يخلف الشيخ صالح يصلي بالجماعة، وذلك قبل أن يكون الشيخ إماما في مسجده، لأن الشيخ كان في العجيبة قريبًا من مسجد ابن حسين.

ومن مشايخه العلامة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد رحمه الله، المتوفى سنة 1401 هـ، وقد قدم إلى بريدة سنة 1363 هـ بعد وفاة الشيخ عمر، فقرأ الشيخ صالح عليه أول ما قدم بريدة في الفقه.

هؤلاء مشايخه الذين قرأ عليهم وأخذ عنهم.

وجلس في المسجد المنسوب إليه في غرب بريدة للتعليم والتدريس والتف عليه جملة من طلاب العلم، وكان من أوائل من قرا عليه عبد الله المحسن، وسليمان العناز، ومحمد الدخيل ورشيد المشيقح، ومحمد العبد العزيز المشيقح، وعلي البراهيم المشيقح، ومحمد بن عبد الله السليم، ومحمد بن عبد العزيز السليم، ومحمد العبودي وأخوه سليمان العبودي، وأبو حماد الرسي وصالح الموسى، ومحمد الموسى، وعبد الله السليمان السيف، وعبد الله المحمد الحسين وغيرهم.

ص: 117

ولما سافر الشيخ عمر إلى الرياض عام 1360 هـ وقد صحبه في سفره الشيخ عبد الله الرشيد خطيب الجامع الكبير ببريدة، خلف الشيخ عمر الشيخ صالح على إمامة الجامع والخطابة فيه، فامتثل الشيخ، ثم قال له الشيخ عمر وإذا جاءك خصوم فاقض بينهم.

يقول الوالد الشيخ صالح فخفت ورعبت وخشيت أن يغمي علي من الخوف والوجل، فقلت يا شيخ أعفني عن القضاء، فقال اسمع بارك الله فيك.

يقول الوالد الشيخ الخريصي، فخرجت وأنا لا أرى الشمس من الوجل، لأن القضاء شأنه عظيم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين.

ثم ذهب الشيخ صالح إلى عبد العزيز الحمود المشيقح رحمه الله وكان من وجهاء بريدة ومعروفًا بمحبة العلم وأهله وإكرام العلماء فطلب منه الشيخ أن يشفع له عند الشيخ عمر ليعفيه من القضاء.

فقال عبد العزيز الحمود: لو استشارنا الشيخ عمر لأشرنا عليه أن يوليك القضاء نيابة عنه.

فامتثل الشيخ وقام بالقضاء والإمامة والخطابة بالجامع الكبير.

وجلس فيه للتعليم والتدريس فكثر عليه الطلاب وقرأ عليه من طلاب العلم الذين يقرءون على الشيخ عمر، وكان يحضر ويستمع لدرس الشيخ بعض وجهاء البلد، وكانت طريقة الشيخ في التدريس طريقة مشايخه، فإذا جلس في الحلقة، قال للطالب: سم أي أبدأ القراءة بالتسمية فيقرأ الطالب في الكتاب ما يتيسر من المسائل والأبواب ثم يقول له الشيخ بركة - أي بارك الله لك فيما قرأت.

ص: 118

وكان الشيخ حال قراءة الطالب يعلق ويقرر على بعض المسائل التي تحتاج إلى توضيح، وإذا كان الطالب يقرأ حفظًا في متن فإذا انتهى من حفظه، أعاد الشيخ قراءة المتن ثم يقرر ويشرح.

وكان يبدأ تقريره وشرحه بقوله بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلي على محمد قال رحمه الله تعالى. وكان يجلس بعد صلاة الفجر فيقرأ الطلاب أولا جميعًا حفظًا متنًا أو متنين تارة في الأصول الثلاثة أو كتاب التوحيد وتارة في العقيدة الواسطية أو كشف الشبهات، وتارة في الأربعين النووية وتارة في النحو في الأجرومية أو ملحة الإعراب، ثم بعد شرح الشيخ وتقريره يقرأ كل طالب بكتابه في مختلف الفنون، وبعض التلاميذ يقرأ حفظا في القرآن ثم يقرأ في الكتاب وهذه الجلسة بعد الفجر كانت تنتهي بعد طلوع الشمس ثم يقوم الشيخ فيصلي ركعتين في مكانه، ثم يخرج إلى بيته ومعه بعض الطلبة فيتناول الجميع القهوة والشاهي والحليب في وقت الشتاء مع إفطار خفيف.

وكانت هذه الجلسة بعد الفجر تطول في أول ما بدأ الشيخ بالتدريس وتمتد إلى الضحى كما ذكر ذلك بعض طلابه الأوائل.

ثم كان الشيخ يجلس بعد صلاة الظهر في المتون والمطولات ويكثر عليه الطلاب خصوصًا ممن كان يشتغل في التجارة أول النهار، وكانت تطول هذه الجلسة وتمتد في بعض الأحيان إلى قبيل العصر، ثم يخرج الشيخ إلى بيته فيتناول ما يتيسر من القهوة والشاي ومعه بعض الطلاب، ولما قيل للشيخ لعلك تجعل وقت الظهر راحة لك فقال: راحتنا بالقراءة.

ثم بعد صلاة العصر مباشرة يقرأ عليه بعض طلاب العلم في رياض الصالحين أو مشكاة المصابيح، يقرأ ثلاثة أحاديث أو أربعة ثم يشرح الشيخ كل

ص: 119

حديث بعد قراءته له، ثم يقوم فيجلس في الحلقة مستقبل القبلة فيقرأ عليه الطلاب أولا في المتون تارة بزاد المستقنع أو آداب المشي إلى الصلاة وتارة في عمدة الأحكام أو بلوغ المرام، وتارة بالورقات في أصول الفقه، ثم بعد شرح الشيخ يقرأ كل طالب بكتابه، وبعد انتهاء هذه الجلسة يخرج الشيخ إلى بيته ومعه بعض طلابه لمشاركته في طعام العشاء لأن الشيخ كان يتعشى ذلك الوقت قبيل المغرب وهذا كان في حدود عام 1375 هـ، ولما قيل لأحد طلاب الشيخ الملازمين لدروسه لماذا لا تقرأ إلا على الشيخ، فقال الشيخ صالح عنده فائدة ومائدة، وغيره ليس عنده إلا فائدة.

وكان بعد صلاة المغرب يجلس في المسجد فيقرأ عليه كل طالب وجهًا من القرآن حفظًا، ثم يقرءون عليه في علم الفرائض في الرحبية وتارة في النحو وغيرها من المتون.

ثم إذا أذن المؤذن للعشاء يقوم الشيخ فيجلس في المحراب مستقبلًا الجماعة المسجد فيقرأ عليه ثلاثة من كبار الطلبة في تفسير ابن كثير وفي البداية والنهاية، وفي كتاب في الوعظ أو في مختصر التبصرة لابن الجوزي أو لطائف المعارف لابن رجب أو في الترغيب والترهيب للمنذري رحمه الله.

ثم بعد صلاة العشاء يخرج الشيخ إلى بيته أو بيت بعض المحبين ومعه بعض طلاب العلم فيقرءون عليه في القرآن كل طالب يقرأ وجها ثم يختم أحد الطلبة هذا المجلس بكتاب متنوع.

ولما سأله أحد الطلاب وكان مبتدأ بماذا يقرأ فقال له الشيخ عليك بالمفتاح، عليك بكتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فهي مفتاح العلم النافع.

ـ

ص: 120

وكان يوصي بطلب العلم وكثرة القراءة ويقول القراءة نور للأشخاص ونور للمساجد ونور للبيوت وكانت حلقة الشيخ لطلب العلم واسعة وكانت مهيبة جدًّا ويظهر عليها أثر السكينة والخشوع كأن على رؤوس الجالسين الطير.

وكان الطالب بين يدي الشيخ متأدبًا متواضعًا جالسًا جلسة المتعلم بين يدي معلمه، فكان لا يتكلم ولا يتلفت ولا يتململ ولا يعبث وغالبًا أنه ما يقوم من الحلقة حتى ينتهي الدرس، وكان يحضر حلقة الشيخ عدد كثير من بين طالب ومستمع وقد يبلغون في بعض الأيام ما يقارب مائة وكان المستمع للدرس يجلس خلف الحلقة

ذكر شيء من صفاته وأخلاقه:

كان رحمه الله طويل القامة أبيض الوجه خفيف شعر اللحيين قوي الجسم قليل اللحم يعلوه بهاء العلم والطاعة والعبادة وكان على سمت السلف الصالح والرعيل الأول من رآه وشاهده فكأنما رأى رجلا من السلف المتقدمين ذا سمت حسن وعقل رزين.

وكان الشيخ حريصا على إتباع السنة في كل قول وعمل محافظا على السنن والمستحبات ويكره التساهل بها، وكان محافظا على وقته وأيام عمره وملازما للمسجد في غالب أوقاته، بل كان قلبه معلقًا في المسجد.

وكان يحب الطيب ويكثر منه في شماغه ولحيته ويحرص على البخور في مجالسه بل كان جيبه لا يخلو من كسر البخور وكان إذا لبس نعليه أو خفيه بدأ بالأيمن ثم الأيسر وإذا خلع بدأ بالأيسر ثم الأيمن وكذلك في ثيابه اقتداء بالسنة.

وكان لا يخوض في أمر الدنيا ولا يحب أن تذكر في مجلسه، وكان لا يتكلم فيما لا يعنيه ولا يسأل عما لا يخصه، وكان يتكدر إذا ذكرت عنده الغيبة أو النميمة أو احتقار الناس وينهى عن ذلك، وكان كثير الصمت من جالسه تعجب من قلة كلامه إلا فيما ينفعه أو ينفع إخوانه المسلمين.

ص: 121

وكان يحب المسابقة على الأقدام فكان إذا خرج إلى البر هو والإخوان وطلبة العلم يأمر بالمسابقة فيسابق معهم وكان سريعا لا يسبق، وكان يجيد السباحة فيسبح في البحر وغيره، وكان يحرص على النوم مبكرًا أول الليل، وكان لا يحب السهر بل ينهى عنه، وكان يحرص على القيلولة، وهي النوم قبل الظهر أو بعده لأن فيها إعانة على قيام الليل، وكان ينام آخر الليل بعد تهجده ليستقبل أول النهار بقوة ونشاط وربما نام يسيرا بعد ارتفاع الشمس.

وكان رحمه الله يأمر أهل بيته بالصلاة والمحافظة عليها والاهتمام بها في أوقاتها، وكان يحث أبناءه على الصلاة في المسجد مع الجماعة، وكان يحرص على إيقاظهم لصلاة الفجر ويتفقدهم ويغضب على من يتأخر عنها أو تفوته ويؤدبه على ذلك.

وكان يقول الأدب الحسن ينفع الأب والولد في حياتهما وبعد وفاتهما.

وكان رحمه الله بارا بوالدته حريصا على أرضائها وإدخال السرور عليها وقضاء حوائجها، وكان إذا دخل بيتها يسلم عليها ثم يقبلها ويجلس بجانبها موقرًا لها متواضعًا ويتكلم معها برفق ولين وتقدير واحترام، وكان كثير الدعاء لوالده أحمد رحمه الله ويتصدق عنه ويهدي له الثواب، وقد رأى بعض المحبين ممن عاصر والد الشيخ رؤيا حسنة وقصها على الشيخ في حياته، فقال له: إني رأيت والدك أحمد في بستان فسيح فيه نخيل وهو يقول هذا كله من صالح.

فكان رحمه الله جوادا كريما سخيا بماله وعلمه، وجاهه يحب البذل والعطاء والكرم والسخاء ويرغب في ذلك.

وكان أهل الحاجات يأتون الشيخ في عمله ومنزله وفي مسجده ومزرعته القضاء حوائجهم وتصديق وثائقهم، فكان الشيخ يستقبلهم بانشراح صدر، وقد

ص: 122

حدث بعض المزارعين المتضررين أنه سافر إلى الشيخ وهو في مكة في وقت إجازته فصدق الشيخ على وثيقته ثم ساعده وأعطاه مبلغًا من المال، وقال هذا أجرة لسفرك، فرجع الرجل مسرورا شاكرًا للشيخ داعيًا له.

وكان يحب الشفاعة للفقراء والمحتاجين والمرضى والمعسرين وغيرهم ممن نزلت به فاقة واشتدت به كربة فلا يألو جهدًا في ذلك.

وكان في شهر رمضان من كل سنة يشتري ثيابًا وشمغًا ثم يوزعها.

وكان يقيم وليمة كلما قدم من سفر ويدعو لها المشايخ والإخوان والأقارب والجيران وكان يأمر بتوزيع ما يبقى من الأرز واللحم والفواكه وفي بعض الأحيان، يأمر بعض من حضر أن يحمل معه صحنا من الطعام لأهله.

وكان رحمه الله مكرما لجيرانه محسنًا إليهم ينفق عليهم ويتعاهدهم فيما تجود به نفسه، وكان في الشتاء يشتري حطبا ثم يهدي إليهم وإذا اشترى من الأطعمة كالسكر وغيره وزع عليهم. وفي رمضان يوزع عليهم تمرًا.

وكان رحمه الله يفتح باب مجلسه كل جمعة بعد صلاة الجمعة مباشرة القهوة والشاي والطيب، وكان يوزع على من حضر ما تيسر من الدراهم.

وكان أيضا في آخر عمره يفتح بابه كل ليلة ويقيم عشاء فيتعشى معه من يزوره ويحضر المجلس ويوزع عليهم ما تيسر من الدراهم.

ذكر أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:

كان رحمه الله أمرًا بالمعروف ناهيًا شديد الغيرة على محارم الله، صابرًا على ما يناله من أذى ومشقة، وكان شجاعًا جسورًا صادعًا بأمر الله لا يهاب ولا يخاف في الله لومة لائم، وكان يغير المنكر بيده إن استطاع فإن لم يستطع فبلسانه.

ص: 123

وكان يحرص على الرفق واللين ويدفع بالتي هي أحسن مما فيه درءً المفسدة أو جلب لمصلحة، وكان يحب الصفح والستر ويقيل ذوي العثرات، وكان يستعمل الهجر إذا كان أنفع لصاحبه.

وقد تولى رحمه الله رئاسة الهيئة قبل تعيينه قاضيًا، وكان عضدًا وكهفًا للمتطوعين وأهل الحسبة، وكان خير سند ومعين بعد الله جل وعلا لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان كثير التوجيه والنصح للقيام بهذا الواجب العظيم وكان يقول لا صلاح للعباد والبلاد إلا بقيام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وكان يجمع أئمة المساجد والمؤذنين وأعضاء الهيئة فيذكرهم ويحثهم على التعاون والتعاضد والقيام بهذه الأمانة العظيمة.

ولم يشتغل رحمه الله بالتأليف بسبب انشغاله بالقضاء والتدريس، ولكن له نصائح ورسائل تزيد على ستين وهي مجموعة في كتاب وسوف يطبع إن شاء الله تعالى، وله تقاريظ على بعض الكتب، فله تقريظ على كتاب "السلسبيل في معرفة الدليل" للشيخ صالح البليهي رحمه الله، وله تقريظ على كتاب "الريحانة في خطب المنابر" للشيخ عبد الله الخليفي رحمه الله، وله تقريظ علي كتاب "المناهل العذاب" للشيخ صالح السعوي وفقه الله.

ذكر عمله في القضاء:

ولما تولى الشيخ عبد الله بن حميد القضاء في بريدة كان الشيخ صالح مساعدًا له ثم تولى الشيخ القضاء في الأسياح وفي الدلم ثم عيين في قضاء بريدة ثم بعد ذلك صار رئيسًا لمحاكم القصيم، ولم يزل في القضاء حتى عام 1407 هـ.

وكان رحمه الله مسددًا في قضائه وأحكامه حريصًا على إيقاع الصلح بين أهل الخصوم، وكان واسع الصدر حليمًا ذا تثبت فلا يستعجل في صدور

ص: 124

الأحكام القضائية، وكان صابرًا على ما يحصل عليه من تطاول من بعض الخصوم عفوا عنهم، وكان الناس في الحاضرة والبادية يرغبون أن يتولى الشيخ صالح حل مشاكلهم والنظر في قضاياهم لاقتناعهم به وحرصه على إنجاز قضاياهم وتخليص معاملاتهم.

وكان الشيخ رحمه الله يحث القضاة على الصبر والاحتساب والتثبت والاجتهاد وتحري الحق والصواب واللجوء إلى الله في حل القضايا وفصل الخصومات.

وقد وجه بذلك نصيحة قيمة مفيدة لعموم القضاة فهي مطبوعة في عالم 1382 هـ، وذكر بعض القضاة وفقه الله أنه لا يزال يقرأ هذه النصيحة المباركة ويكررها، وأنه قد انتفع بها واستفاد منها فائدة كبيرة.

وكان الشيخ رحمه الله مع قيامه بالقضاء والتدريس فهو إمام جامعه المعروف وسط البلد وقد أم فيه من عام 1354 هـ حتى عام 1411 هـ.

ذكر اتصاله بولاة الأمور:

كان رحمه الله يواصل زيارة الملوك والأمراء ويكرمهم ويقدرهم ويسمع ويطيع لهم بالمعروف ويكثر الدعاء لهم، وكان محبوبا لديهم لصدقه وإخلاصه ونصحه لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وكانت كلمته بحمد الله وشفاعته مقبولة، وكان في عيد الفطر والأضحى يزور الملك فيسلم عليه ويهنئه ويدعو له، وكان يقول له من فضل الله عليكم أنه يدعي لكم سرًّا وجهرًا علي المنابر، وكانوا يزورنه في بيته ويقيم لهم مأدبة تكريما لهم وقياما بحقهم، وكان كثيرًا ما يبذل لهم النصيحة سرًّا وجهرًا.

ص: 125

ذكر شيء من عبادته:

كان يصلي في السفر التطوع المطلق وكان يصلي على الراحلة وعلى السيارة وكذلك يتنفل وهو ماشي.

وكان يوم الجمعة يتفرغ للعبادة ولا يجلس للطلبة، وكان يكثر فيه من الذكر والقراءة، وكان يطيل التنفل قبل صلاة الجمعة، وكانت خطبه رحمه الله بليغة ومؤثرة ترقق القلوب، وتبعث على العمل الصالح وتذكر بالدار الآخرة، وكان إذا خطب يعتمد على عصى بيده اليسرى.

وكان إذا استسقى في خطبة الجمعة يرفع يديه ويبالغ في رفعهما ثم يقلب يديه وهو يدعو فيجعل ظهورهما إلى السماء وبطونهما إلى الأرض.

وكان يدعو في خطبة الجمعة لولاة الأمر بالصلاح والتوفيق والهداية ويستغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وكان يختم الخطبة الأولى بقراءة آية ثم يقول بارك الله لي ولكم .. الخ. ويختم الخطبة الثانية بقوله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان

الخ).

وكان يصلي الراتبة بعد الجمعة ست ركعات في المسجد، وكان في عصر الجمعة يتحرى ساعة الإجابة فيجتهد في الدعاء وقد حدثني بعض المحبين أن رجلا رأي الشيخ ذات مرة بعد صلاة العصر يوم الجمعة أنه استقبل القبلة ثم رفع يديه يدعو فلم يحطهما حتى غربت الشمس وكان بعد فراغه من الدعاء يمسح وجهه بيديه.

وكان رحمه الله له حظ وافر من قيام الليل فكان يحافظ عليه حضرًا وسفرا حتى في شدة البرد لا يتركه.

وقد حدث بعض من كان يصحب الشيخ في سفره يقول كنا مسافرين في وقت الشتاء فلما كان في ليلة شديدة البرد استيقظت من النوم فإذا الشيخ قائم

ص: 126

يصلي فأردت أن أقوم فعجزت أن أخرج رأسي من الغطاء من شدة البرد فتعجبت من همة الشيخ وقوة صبره في ذلك البرد الشديد.

وقد حدثت أيضا أحد زوجات الشيخ أنه في ليلة زواجه عليها قام فاحيا غالب الليل بالصلاة، تقول فتعجبت من هذه الصلاة وطول ركوعه وسجوده في ليلة عرسه، وكان رحمه الله غالبا ما يستيقظ في منتصف الليل، ففي الشتاء في الساعة السادسة غروبي أي ما يوافق الحادية عشر ونصف زوالي، فما يزال يتهجد إلى قبيل الفجر بساعة، وكان يجهر بقراءته في صلاة الليل.

وكان يطيل القيام في رمضان إذا دخلت العشر الأواخر فيقرأ بالركعة نصف جزء أو ما يقارب جزءا، وقد حدثني من صلى معه في وقت الشتاء أن الشيخ قرأ البقرة في ركعة وآل عمران في ركعة ثم سلم، ثم قرأ النساء في ركعة والمائدة في ركعة ثم سلم، ثم جعل يقرأ في كل ركعة سورة كاملة حتى قرأ عشر سور في عشر ركعات وحدث أيضا من صلى مع الشيخ في آخر ليلة من رمضان أن الشيخ في صلاة القيام ابتدأ بالقراءة من سورة الشعراء فختم بهم تلك الليلة.

وكان رحمه الله كثير البكاء والخشية الله.

وكان الشيخ مرة في قيام رمضان يقرأ سورة طه فلما بلغ قوله تعالى: (وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلمًا) بكى بكاء عظيمًا فلم يستطع أن يواصل القراءة فتأخر وقدم من خلفه فأتم بهم الصلاة.

وكان رحمه الله يعود من أصابه مرض سواء كان في بيته أو في المستشفى ويدعو له بالشفاء والعافية ويضع يده عليه وتارة يرقيه، وكان حريصًا على الزيارة في الله فيزور أهل العلم والصلاح وكبار السن.

وكان رحمه الله يتبع جنازة الميت في بعض الأحيان ويحثو على القبر ثلاث مرات ويعزي أهل الميت في مصابهم ويبعث لهم طعاما، وكان يصلي على الجنازة

ص: 127

في المقبرة إذا لم يكن صلى عليها في المسجد، ويصلي على القبر الذي يعرف صاحبه إذا فاتته الصلاة عليه، وكان لا يصلي على الجنازة مرة ثانية، ويكره أن يصلي على القبر في وقت النهي

وكان يكثر من زيارة القبور بل كان كل جمعة يذهب إلى المقبرة ماشيًا، ثم بعد ذلك كان يذهب راكبا، وكان إذا دخل المقبرة يحب أن يخلع نعليه بين القبور ويأمر بعض أبنائه بحملها، وكان يسلم على صاحب القبر الذي يعرفه ويدعو له، خصوصا مشايخه وأقاربه، وكان يهتم بزيارة قبر أبيه وقبر أمه فيسلم عليهما ويدعو لهما ويبكي.

وكان رحمه الله حريصا على المحافظة على مقابر المسلمين وغيرها من مصالح أهل البلد فكان يهتم بحمايتها والمدافعة عنها، ويسعى جهده في تحصيل ما فيه نفع لأهل البلد في دينهم ودنياهم.

وكان إذا سافر يحب الخروج أول النهار بل كان يستحب أن يمشي آخر الليل قبل الفجر بساعة أو ساعتين، ويقول إن الأرض تطوى في الليل وفي هذا الوقت بركة.

ولما كان السفر على الإبل كان يقوم آخر الليل ثم يمشي قبل الفجر وكان يأمر بعض طلبة العلم ممن له صوت حسن وحافظ للقرآن أن يقرأ ويرفع صوته وهم يمشون راكبين على الإبل.

وكان في بعض الأحيان إذا دخل وقت الصلاة وهو يسير في الطريق يأمر بالآذان فيؤذن بعض أبنائه وهو راكب على سيارته، فيجيب المؤذن ثم يدعو ثم بعد ذلك يقف فيأمر بالإقامة ويصلي.

ص: 128