الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحقيق فإذا ثبت لي صدق النبا وأمكنني بسطه على وجه مفيد أتيت به قراء لغة العرب إن شاء ربك القدير والسلام (1).
سليمان الدخيل
صاحب جريدة الرياض ومجلة الحياة
وقال الأستاذ معن بن شناع العجلي في كتابه: (الخميسية وما حولها):
مجتمع الخميسية وسكانها:
ليس المقصود بسكان الخميسية أولئك الأفخاذ، والفصائل، والحمائل التي ذكرنا أسماءها في المقدمة، لأن هذه قد كانت ترتاد الخميسية وتنيخُ ركائبها حولها، أو تبرك في (صفاتها)، ذلك قد كان من أجل الامتراء، والكيل، والتزود بما يلزم هذه القبائل من مقومات الحياة، ووسائل العيش، فهي قد كانت تحف بالخميسية بإيلها، وخيولها، شتاءً، وصيفًا، وتزدحم بها سكِكُها، وطرقاتها، وأسواقها، ولكن وجودها في هذه المدينة قد كان موسميًا، وليس للإقامة، والسكن، وإن كان الكثير من مشايخ تلك القبائل قد آثر العشرة، واختار المداخلة، والأنس في مجالس الخميسية ودواوينها.
إنما المقصود بالسكان في هذا العنوان هو المجموعات، والأسر، والبيوت، والأفراد الذين أسكنهم ابن خميس في هذه الأرض، فاختطوا المنازل، وبنوا البيوت، وفضلوا السكني فيها على غيرها، انتقل بعضهم إليها من سوق الشيوخ أو من البصرة والزبير، وآخرون جاءوها من العشائر القريبة منها، ولا شك أنهم خليط من الأصول، والفروع، والأرومات، والعروق، والأنساب، والانتماءات المتباعدة، ولقد جمعت بينهم
(1) نشر هذا البحث في مجلة لغة العرب م 1، ج 1، أيار 1912، ص 430 - 439 (م).
المتاجرة بالبضائع، والسلع، وألفت جميعهم المنافع والمصالح اليومية، وقرب بعضهم من بعض رواج السوق في البيع والشراء.
فقسم ابن خميس هذه المدينة على هيئة سوق الشيوخ كما ذكرنا إلى محلات، وأن بين هؤلاء تجارًا للأقمشة، والأطعمة، وباعة الملابس الجاهزة، وتجارًا للعتاد، والسلاح، وفيهم عطارون، وقصابون، ونجارون، وباعة حديد وأخشاب، ومجهزو طابوق، والذين يصنعون اللَّبِنَ، ويطبخونه، وعمال البناء، والمُكارون على الحمير والإبل لنقل البضائع، والأفراد، وملاحون للسفن والمشاحيف، الذين يمدون الخميسية من جهة الهور بكل الأغراض المعيشية، ومواد الأغذية، وفيهم مصلحوا السفن، ومرقعوا المشاحيف، و (البلامة)، وصاغة الذهب والفضة من الصابئة، وفيهم تجار الغنم والبقر والإبل، وباعة الحليب، واللبن من معدان الهور والحدادون، والصفارون، والحاكة، والخياطون، والخفافون، والسراجون لما يلزم الخيل، وحدادوا السنابك، والصياقلة لصناعة الخناجر، وتصليحها.
فإن هؤلاء السكان يمثلون وسطًا تجاريًا مكتفيًا بنشاطه الخاص، ومستقلًا بأيديه العاملة، وبالكفايات، والتجارب المثمرة على ص عيد العمل اليومي، والمهارات النسبية البسيطة في تعاطي الحرف، والصناعات السهلة.
وكان أحد المؤرخين قد توسع، وأسهب في الكلام عن تجارة الخميسية، وأنا لا أريد أن أكرر ذلك، بيد أني لم أشأ أن أكلف نفسي البحث في أنساب هذه البيوت، والذوات، والأسر، ولم أنظر في استقراء البحث عن الأنساب، والأصول، ولقد اكتفيت بإيراد الأسماء، والكني، والألقاب فقط مستندًا إلى العارفين بأولئك القوم سكان الخميسية الأوائل، وأظهرهم الآن، وأكبرهم سنًّا،
وأقواهم في الذاكرة هو علي بن ناصر منصور الخلاوي، وكان جده من أوائل سكان الخميسية، فإنه قد زودني مشكورًا بهذه القائمة:
1 -
عبد الله صالح علي الخميس
2 -
حمد عبد الله صالح علي الخميس
3 -
محمد عبد الله صالح علي الخميس
4 -
أحمد عبد الله صالح علي الخميس
5 -
صالح حمد عبد الله الخميس
6 -
عبد العزيز حمد عبد الله الخميس
7 -
سليمان حمد عبد الله الخميس
8 -
عبد الكريم حمد عبد الله الخميس
9 -
إبراهيم حمد عبد الله الخميس
10 -
عبد الله حمد عبد الله الخميس
11 -
محمد حمد عبد الله الخميس
12 -
توفيق أحمد عبد الله الخميس
13 -
طارق أحمد عبد الله الخميس
14 -
تركي الخميس
15 -
عبد الله العلي الخميس
16 -
إبراهيم المزيرعي
17 -
عبد الرزاق البديوي
18 -
عبد الله جاسم الطعر
19 -
علي عبد العزيز الشمالي
20 -
ضاري ريكان برغش طواله شيخ الاسلم
21 -
محمد عبد العزيز الشمالي
22 -
حمد الحمود الخميس
23 -
علي حمود الحمود الخميس
24 -
صالح الحمود الخميس
25 -
عبد الله فهد الرويلي الخميس
26 -
علي عبد الكريم الخميس
27 -
ماضي عبد الرحمن الخميس
28 -
ملا عبد العزيز الخنتوش
29 -
أحمد عبد العزيز الخنتوش
30 -
عبد الرحمن عبد العزيز الخنتوش
31 -
محمد مطلك البستي
32 -
منصور ناصر محمد الخلاوي
33 -
ناصر منصور ناصر الخلاوي
34 -
علي ناصر منصور الخلاوي
35 -
علي خلف الحربي
36 -
صالح الخميري
37 -
عبد الله سليمان الخميس
38 -
كعيد المهاوش
39 -
عبيد المهاوش
40 -
رعيد المهاوش
41 -
شنيور حسين المهاوش
42 -
علي حسين المهاوش
43 -
عبد الله عبد العزيز الشمالي
44 -
محمد الحصين الشمالي
45 -
عبد العزيز سليمان
46 -
عبد الله الحميدان
47 -
عبد الله عباس الطيار
48 -
فليح حسن الشويلي
49 -
عبد الرزاق القصاب الشويلي
50 -
محمد القصاب الشويلي
51 -
إبراهيم أبا حسين
52 -
عسكر الضاحي
53 -
سالم الخلف الظفيري
54 -
جاسم التركي
55 -
صالح الظفيري
56 -
عبد الرزاق الشمالي
57 -
عبد العزيز السعيد
58 -
صالح السعيد
59 -
أحمد السعيد
60 -
إبراهيم الدليجان
61 -
محمد الدليجان
62 -
إسماعيل الدليجان
63 -
ذياب المفتول
64 -
مهدي الغيص
65 -
محمد الغيص
66 -
شنتاف عويد السعيد
67 -
عطية الجودة البدري
68 -
جاسم حسين المهاوش
69 -
سلمان حسين المهاوش
70 -
خير الله الغانم
71 -
سليمان الغانم
72 -
عبد العزيز خلف الصانع
73 -
محمد خلف الصانع
74 -
عبد العزيز إبراهيم الدهيِّم
75 -
عبد اللطيف سليمان الدهيِّم المحارب
76 -
عبد اللطيف إبراهيم الدهيم
77 -
سليمان إبراهيم الدهيم
78 -
حسين الشنون البدري
79 -
فرج الجاهجاه البدري
80 -
عبد الحسين كاطع البدري
81 -
عبد العزيز إبراهيم الزويد
82 -
حسن علي الزويد
83 -
يوسف عبد الله الزويد
84 -
جعيدان محسن
85 -
جبر راضي التيسي
86 -
كريدي جلاب الطبيلي
87 -
سعدون جلاب الطبيلي
88 -
حطيحط عبد الحسين
89 -
مفتاح الصبيّح
90 -
سبتي الصبيّح
91 -
كاظم الموشي
92 -
عبد الجبار الموشي
93 -
حريجة الصفران
94 -
جاسم الصفران
95 -
عبيد الصفران
96 -
مهدي البغدادي
97 -
سليمان البغدادي
98 -
غانم الموسى
99 -
عبد الله صالح السيفي
100 -
حمد علي المجبل
101 -
صالح أبو عكله
102 -
رشيد أبو عكله
103 -
عثمان العثيم
104 -
هاني البوحميدي
105 -
نصيف آل بوحميدي
106 -
جواد القناص
107 -
حسان مظلوم العراكي
108 -
حبيب مظلوم العراكي
109 -
محمد أبو دلة
110 -
عيفان البغدادي
111 -
إبراهيم عبد المحسن
112 -
عبد الله الكفاري
113 -
علي الكفاري
114 -
عبد الله عثمان الضبيعي
115 -
علي عثمان الضبيعي
116 -
سلميان عبد الرزاق الضبيعي
117 -
حمد علي عبد العزيز
118 -
أحمد القريشي
119 -
عثمان القريشي
120 -
منصور النافع
121 -
محمد النافع
122 -
إبراهيم النافع
123 -
عبد الله الصنات
124 -
عبد الله عبد العزيز الحميضي
125 -
صالح عبد العزيز الحميضي
126 -
محمد عبد العزيز الحميضي
127 -
عثمان عبد العزيز الحميضي
128 -
يوسف العكيب
129 -
محيسن العكيب
130 -
علي السبيع
131 -
عبد العزيز المزيني
132 -
عبد العزيز السبيعي
133 -
ناصر الخزيم أبو حاره
134 -
إبراهيم الهيجل
135 -
جاسم الجرجيس
136 -
كاطع الجشمة
137 -
صالح الفداغي
138 -
خليل إبراهيم عبد الله المعيض
139 -
عبد الله علي الصلال
140 -
عثمان الدايل
141 -
محمد الياسر
142 -
محمد عبد العزيز الحصان الحميدي
143 -
إبراهيم البصري
144 -
إبراهيم الفهد
145 -
حسن العياف
146 -
عبد الواحد السعيد أبو اذان
147 -
سليمان حسن جبر
148 -
علي المعين
149 -
إبراهيم الجناحي
150 -
حنون حسين المهاوش
151 -
علي عبد الله الزمام
152 -
علي بن جلاجل
153 -
عبد الله الجنصان
154 -
عبد الله الصميرني
155 -
محمد عباس طه
156 -
طه عباس طه
157 -
محمد عيسى مبارك
158 -
الشيخ سليمان المسفر (كان فقيها شغل إمامة جامع الخميسية)
159 -
ماضي الخميس
160 -
يوسف السريهيد
161 -
ساير العلي
162 -
أحمد المخيمر
163 -
إبراهيم التواجر
164 -
إبراهيم عبد الله الهذلول
165 -
صالح جبر عبد الله الهذلول
166 -
هيلة الشمالي - وهي المساعدة من جهة المال لمؤسس الخميسية عبد الله حسب أقوال الرواة
167 -
عبد الله عثمان الحويل
168 -
محمد المنصور
169 -
عبد الله بن رميان
170 -
بلال سليمان
171 -
أسرة الظبيان
172 -
أسرة الزركان
173 -
مزعل الصديان
174 -
أسرة عبد العزيز الكعيبي
175 -
أسرة عبد العزيز العتيق (الدكسي)
176 -
أسرة الفداغ
177 -
محمد العية
178 -
فرحان الشويرب
179 -
شمخي جبر السالم
180 -
عبد الكريم المطيرفي
181 -
خلف طويره
182 -
فليفل علي
183 -
الشيخ علي العرفج (أول إمام وخطيب لجامع الخميسية)
184 -
عطار عبيد
185 -
عبد الله الرسم
186 -
أبو فهد (من العمارة)
187 -
رزيج الصفار
188 -
مذخر
189 -
عطية المكطف
190 -
رحيم المانع
191 -
ظويعن (أبو عبيد)
192 -
محمد عبد الله اليطيلي
193 -
عوض الجوراني
194 -
الرعوهي العنبري
195 -
مجيبل
196 -
عبد العزيز المانع
197 -
ابن حلاده وحمولته (1)
إلى أن قال الأستاذ معن شناع العجلي:
ويقول الأستاذ سليمان ما ملخصه: إن أغلب أهالي المدينة هم من نجد ولا شك أنهم جميعا مسلمون سنيون على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وهذا معتقدهم على طريقة شيخ الإسلام ابن تيمية، ومذهب تلميذه ابن القيم، وليس في نجد إلَّا مذهب واحد وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ولم يستحدث بعده أي مذهب، إنما أولئك العلماء والفقهاء، والدعاة الأكابر هم من أتباع الإمام أحمد وعلى مذهبه، ويصدر من الخميسية أنواع الحبوب كالأرز والشعير والذرة وغيرها ويصدر منها أيضًا التتن (التبغ) والملبوسات وأنواع الأقمشة وغرها من الحاجات الضرورية (2).
وقال الأستاذ معن بن شناع العجلي أيضًا:
وفي إحدى السنين انعزلت مدينة سوق الشيوخ عن البادية بسبب التُرع والمستنقعات والمياه والعفنة التي خلفها الفيضان، فكان ذلك سببًا للحيلولة بين
(1) الخميسية وما حولها، ص 57 - 65.
(2)
الخميسية وما حولها، ص 28.
المدينة وبين القوافل القادمة إليها من البادية فتداعى بعض التجار النجديين إلى البحث عن مكان آخر موصول بالبادية لا تحول المياه بينه وبين قوافل الإبل، ولقد حدثت في الوقت نفسه نزاعات وفتن - سببها التنافس التجاري بين النجديين والمهاجرين وبين الحضر إذ كانت أكثر عشائر سوق الشيوخ ميالة إلى التعامل والبيع والشراء والقروض والاستدانة مع النجديين، وكان هذا داعيًا إلى الفرقة والتنافس بين محلة الحضر ومحلة النجادة فوجد الشيخ عبد الله بن صالح الخميس نفسه مضطرًا إلى ارتياد مكان آخر لتخطيط مدينة أخرى على حافة المياه مربوطة بالصحراء لمعالجة مشكلة التنافس التجاري، والمغالبة والتزاحم في مدينة سوق الشيوخ.
ولما علمت الحكومة التركية أن العشائر المحيطة بسوق الشيوخ تفضل الأخذ والعطاء التجاري وحسن المعاملة في دكاكين النجديين والاطمئنان إلى الأمانة والمعاملة الإسلامية وأن هذا الإيثار والانحياز قد أحْفَظَ تُجَار السوق الآخرين وأثار المشاحنات، فلقد ارتأت الحكومة العثمانية المتسلطة يومذاك بأن تحسم هذه المنافسة وتقطع دابر الخصام التجاري بارتياد مكان آخر خارج مدينة سوق الشيوخ القيام فيه سوق مختص بالنجديين، ليتعاملوا مع البدو والعشائر دون منافسة فاختير الشيخ عبد الله بن صالح الخميس لهذه المهمة لما كان يتصف به من الحصافة والكياسة ورجاحة الحلم والإجماع النجديين في مدينة السوق على احترامه واعتماده والركون إليه فطلب منه القائمقام التركي أن يذهب بنفسه ويستطلع الموضع اللائق، والمكان المناسب لإقامة مدينة أخرى وسوق بديل عن سوق الشيوخ التي عزلتها مياه الفيضان وحالت دون وصول البدو إليها.
فذهب عبد الله الخميس وأخذ معه البسي النجدي والد محمد المطلق الذي كان معروفًا في سوق الشيوخ بصلاحه واستقامة سيرته، وفي ورعه وتدينه ومعاملته الحسنة في التجارة، وانطلقت معهم امرأة نجدية، وكانت تاجرة معروفة في سوق الشيوخ، وتدعى هيلة الشمالي أو بنت الشمالي وكانت امرأة مسنة صالحة تتعاطى التجارة بنفسها وتعتمر العقال فوق خمارها ومعروفة بين أهل الخير والأجواد بإحسانها وفضلها فاختار هؤلاء الثلاثة الموقع الحالي المدينة الخميسية، ووقف عبد الله الخميس قائلًا: قفا هنا لنبني مدينة الخميسية وتناول قصبة فذرعها ليحدد بها مكانا لمسجد الجامع، وكانه أول عمل يعمله عبد الله الخميس بنيته السليمة.
ثم أخذ يخطط معالم ويضع الصوى لتسمية مَحَلةٍ للنجادة وسماها محلة أهل الديرة ومحلة للبغادة ومحلة ثالثة للحضر، وكأنه يريد أن يجعل هذه المدينة مثالًا من مدينة سوق الشيوخ، فلم يجعلها خاصة للنجديين وحدهم، وهكذا ولدت الخميسية عام 1299 هـ - 1881 م، وتوفي الشيخ عبد الله بن صالح الخميس في شهر رجب من عام 1327 هـ.
لقد اختار عبد الله الخميس وفضّل أن تقوم مدينته على حافة الهور فوق سهل منبسط متحدر تحت مرتفع من الأتربة وسلاسل من الكثبان والربوات يمتد على طول حافة الهور المسمي بهور السناف، وكان الموقع الجغرافي البري للخميسية وما يعزله عن الهور من الضروس والمرتفعات والتلول ما يشبه السور الذي لم يعمله أحد من الناس، ولكن وعورة الأرض على حافة الهور قد تكونت على مر السنين بعوامل جيولوجية من التعرية والتآكل فانتشر التراب بفعل طغيان مياه الأهوار في كل السنين.
أما الآن فقد جُفِّفَت تلك الأهوار وغدت كأنها جزء من البادية، ولم تعد الخميسية الآن على حافة الهور بل هي آثار وأطلال كأنها لا عهد لها بما كان يهددها من عواقب الفيضان (1).
قال الأستاذ معن بن شناع العجلي أيضًا:
لقد وافق بناء الخميسية في أيام عمرها الأولى أحداث رهيبة وقعت في مدينة سوق الشيوخ ارتجت لها الأرض، وماجت بالأجسام التي مزقها الرصاص، وأرقت الدور واستهدفت قبيلة حجام، وآل حسن، بهجمات قام بها الجيش التركي، وسطرنا بعض ذلك في صفحات أخرى من هذا الكتاب.
كان كل ذلك يجري حول الخميسية، وفيما يجاورها، وينعقد دخان البنادق في الهواء الذي يمر عليها، وتقتل هذه العشائر الجامحة حولها، وتنقطع السبل والطرق بسبب الهجمات التركية المتصلة، والجحافل العثمانية التي تجول هنا وهناك بين جثث القتلى المنثورة في أرياف (المجرة) يضاف لها الاغتيالات، ومبادرات الطيش العنيف، والغرور العنيد القائم على قدم وساق، والفتك الغادر الذي قد أصبح عادة وسلوكًا على ضوء النهار، أو تحت سُجُف الظلام، كما يظهر واضحًا للقارئ في كمال البصيرة والمشاهدة والرؤيا من مضامين صور الحوادث التي صيغت على الورق في هذا الكتاب.
كل هذا كان حول الخميسية وأكثر منه، وقد كانت هي آمنة مطمئنة لم يسكب على الأرض فيها أي دم لمظلوم، وهذا موضع العجب، وداعية السؤال.
كيف كان آل خميس يديرون الخميسية ضامنين الاستقرار والهدوء والأمن، وحماية التجارة، وسلامة خمسة آلاف نسمة من تلك البيوت، والعوائل، والطبقات
(1) الخميسية وما حولها، ص 23 - 24.
المتباينة من الأعلين والأسفلين كانوا يعيشون ويحيون، ويتجرون كأنهم أسرة واحدة بقلوب مطمئنة، وعيون قريرة، ولم يحدث أن امتشق أحد حسامه بوجه أحد منهم، أو هز واحد منهم خنجرًا بوجه ابن خميس أو لوح بقصبة.
لقد كانت المشاجرات والدعاوي تحسم في ديوان ابن خميس، ويصدر فيها الحكم الفصل فينصرف المعاندون والمتخاصمون إلى أماكن تجارتهم راضين مرضيين، لأن ابن خميس عندما ينشغل بفض المنازعات تكون يده اليمني منتقلة بين كيسه الخاص، وجيوب المتخاصمين
…
هاك خذ
…
وأنت هذا أيضًا هاك فخذ .. خذ ما كتب الله لك.
هكذا كان يفعل بسد الغرامات عن المغرمين من كيسه الخاص، وعلى هذا النهج كان يؤدي الفصول والديات عندما تثور ثائرة الأوتار، وتقع النائرة والفتنة بالمطالبة بالثارات أمامه، فقد كان هذا العقل معروفًا من ابن خميس في البوادي والحواضر.
ولقد أكلت نزعة الإصلاح المغروزة في فطرة ابن خميس جميع الأموال التي كان يجنيها من الخميسية، فلم يدخر لا هو ولا أولاده شيئًا مما كان يفيض عليهم من صفراء الخميسية وبياضها، ويكون العجب على أشده إذا علمنا - نحن أبناء هذا الزمان - أن هذه العشائر التي كانت نافرة ثائرة، واترة وموتورة تدخل الخميسية، وتبيع وتشتري وسلاحها محمول على مناكبها، ويجلس شيوخها بصدورهم الواغرة بالعداء وخناجرهم الملطخة بالدماء في ديوان ابن خميس يتبادلون الأخبار والأحاديث النافعة، ويسلم بعضهم على بعض في غاية التواضع والمسامحة، وما أحسن قول زهير ابن أبي سلمى:
نعم الفتى هرم لم تعزُ
…
نازلة إلَّا وكان لها من رأيه فرج (1)
انتهى كلام الأستاذ معن بن شناع العجلي.
(1) الخميسية وما حولها، ص 70 - 71.