الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ} طباق معنوي؛ لأن المعنى: ادفع بالحسنة السيئة.
المفردات اللغوية:
{رَبِّ إِمّا} أدغمت فيه نون إن الشرطية في ما الزائدة، أي إذا كان لا بد من أن تريني؛ لأن ما والنون للتأكيد {ما يُوعَدُونَ} من العذاب في الدنيا والآخرة {فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظّالِمِينَ} أي معهم، فأهلك بهلاكهم؛ لأن شؤم الظلمة قد يحيق بما وراءهم، كقوله تعالى:
{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال 25/ 8]. وإن تكرار كلمة {رَبِّ} في بدء الجملتين لزيادة التضرع {وَإِنّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ} أي بقدرتنا تعجيل العذاب، لكنا نؤخره؛ لأن بعضهم أو بعض ذرياتهم سيؤمنون، أو لأنا لا نعذبهم وأنت فيهم.
{اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وهو الصفح والإحسان والإعراض عنهم {السَّيِّئَةَ} أذاهم إياك {بِما يَصِفُونَ} يصفونك به أو يقولون ويكذبون، فإنا سنجازيهم عليه {أَعُوذُ} أعتصم {هَمَزاتِ الشَّياطِينِ} نزغاتهم ووساوسهم بالشر {أَنْ يَحْضُرُونِ} في أموري؛ لأنهم إنما يحضرون بسوء، أو يحومون حولي في بعض الأحوال.
المناسبة:
بعد أن ردّ الله تعالى على المشركين مزاعمهم من اتخاذ الولد والشريك وأبطل سوء اعتقادهم كإنكار البعث والجزاء، وجّه رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء والتضرع بالنجاة من عذابهم، ثم أرشده إلى مقابلة السيئة بالحسنة؛ لأن الإحسان يفيد أحيانا، ثم أمره أن يستعيذ من وساوس الشياطين في مختلف الأعمال.
التفسير والبيان:
يأمر الله تعالى نبيه ببعض الأدعية عند حلول النقم، فيقول:
{قُلْ: رَبِّ إِمّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ، رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظّالِمِينَ} أي إن كان ولا بد من أن تريني ما تعدهم من العذاب في الدنيا أو في الآخرة، فلا
تجعلني فيهم، ونجني منهم ولا تعذبني بعذابهم؛ لأن العذاب قد يصيب غير أهله، كما قال تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال 25/ 8]
روى الإمام أحمد والترمذي وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «وإذا أردت بقوم فتنة، فتوفني إليك غير مفتون» .
وعن الحسن: أنه تعالى أخبر نبيه أن له في أمته نقمة، ولم يطلعه على وقتها، فأمره بهذا الدعاء.
والإرشاد إلى هذا الدعاء ليعظم أجره، وليكون دائما ذاكرا ربّه، ولتعليمنا ذلك.
{وَإِنّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ} أي لو شئنا لأريناك ما نوقعه بهم من النقم والبلاء والمحن، ولكنا نؤخره لوقت معلوم؛ لأن بعضهم أو بعض ذرياتهم سيؤمن.
ثم علمه أسلوب الدعوة حتى يتحقق لها النجاح فقال:
{اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ، نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ} أي قابل السيئة بالحسنة، وتحمل ما تتعرض له من أنواع أذى الكفار وتكذيبهم، وادفع بالخصلة التي هي أحسن، بالصفح والعفو، والصبر على الأذى، والكلام الجميل كالسلام، نحن على علم بحالهم وبما يصفوننا به من الشرك والتكذيب.
ونظير الآية قوله تعالى: {اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ، كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَما يُلَقّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا، وَما يُلَقّاها إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت 34/ 41 - 35] أي وما يلهم هذه الوصية أو هذه الخصلة إلا الذين صبروا على أذى الناس، فعاملوهم بالجميل في مقابلة القبيح، وما يلهمها إلا صاحب الحظ العظيم في الدنيا والآخرة. وقيل: هذه الآية منسوخة بآية السيف، وقيل: محكمة؛ لأن المداراة مرغوب فيها، ما لم تتعارض مع الدين والمروءة.