الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
هذه صفات المسارعين في الخيرات:
1 -
{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} أي إن الذين هم من خوفهم من عذاب ربهم دائمون في طاعته، فالمراد من الإشفاق أثره وهو الدوام في الطاعة. أو أن المراد خائفون من الله، ويكون الجمع بين الخشية والإشفاق للتأكيد.
2 -
{وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} أي والذين هم بآيات الله الكونية والقرآنية المنزلة يصدقون تصديقا تاما لا شك فيه. والآيات الكونية: هي آيات الله المخلوقة الدالة على وجوده بالنظر والفكر، كإبداع السموات والأرض وخلق النفس الإنسانية. والآيات المنزلة في القرآن، مثل الإخبار عن مريم:
{وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ} [التحريم 12/ 66]، أي أيقنت أن ما كان إنما هو عن قدر الله وقضائه، ومثل ما شرعه الله، فهو إن كان أمرا فهو مما يحبه ويرضاه، وإن كان نهيا فهو مما يكرهه ويأباه، وإن كان خيرا فهو حق.
3 -
{وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ} أي لا يعبدون معه غيره، بل يوحدونه ويعلمون أنه لا إله إلا الله، الأحد الفرد الصمد، الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وأنه لا نظير له ولا كفؤ له.
ويلاحظ أن الصفة الثانية: {وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} هي الإيمان بالتوحيد ونفي الشريك لله تعالى، وهو توحيد الربوبية، والصفة الثالثة هي توحيد الألوهية والعبادة ونفي الشرك الخفي، وهو أن يكون مخلصا في العبادة، بأن تكون لوجه الله تعالى وطلب رضوانه.
ولم يقتصر على الصفة الثانية؛ لأن كثيرا من المشركين يعترفون بتوحيد
الربوبية، كما قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ} [لقمان 25/ 31]، ولا يعترفون بتوحيد الألوهية والعبادة، فعبدوا الأصنام والأوثان ومعبودات أخرى.
4 -
{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا، وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ} أي والذين يعطون العطاء، وهم وجلون خائفون ألا يتقبل منهم، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الإعطاء، وهذا من باب الإشفاق والاحتياط؛ روى الإمام أحمد والترمذي وابن أبي حاتم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، {الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا، وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر، وهو يخاف الله عز وجل؟ قال:«لا يا بنت أبي بكر، يا بنت الصدّيق، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق، وهو يخاف الله عز وجل» .
وقوله تعالى: {أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ} أي لأنهم أو من أجل أنهم.
والإيتاء لا يقتصر على العطاء المادي من زكاة أو صدقة، وإنما يشمل كل حق يلزم إيتاؤه، سواء كان ذلك من حقوق الله تعالى، كالزكاة والكفارة وغيرهما، أو من حقوق الآدميين، كالودائع والديون والعدل بين الناس؛ لأن من يؤدي الواجب من عبادة أو غيرها، وهو وجل من التقصير والإخلال بنقصان أو غيره، فإنه يكون مجتهدا في أن يوفّيها حقها في الأداء.
وترتيب هذه الصفات في نهاية الحسن؛ لأن الصفة الأولى دلت على حصول الخوف الشديد الموجب للاحتراز عما لا ينبغي، والصفة الثانية دلت على أصل الإيمان والتعمق فيه، والصفة الثالثة دلت على ترك الرياء في الطاعات، والصفة الرابعة دلت على الإتيان بالطاعات مع الخوف من التقصير، وذلك هو نهاية مقامات الصديقين.
{أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ} أي أولئك الذين يبادرون في الطاعات لئلا تفوتهم، ويتعجلون في الدنيا وجوه النفع والإكرام؛ كما قال تعالى:{فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ} [آل عمران 148/ 3]، وقال:{وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا، وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ} [العنكبوت 27/ 29]، وهم لأجل الطاعات سابقون الناس إلى الثواب، وينالون الثمرة في الدنيا قبل الآخرة، لا أولئك الكفار الذين أمددناهم بالمال والبنين، فظنوا خطأ أن ذلك إكرام لهم.
والخلاصة: أن السعادة ليست هي سعادة الدنيا، وإنما سعادة الآخرة بالعمل الطيب، وإيتاء الصدقات، مع الخوف والخشية.
وبعد بيان كيفية أعمال المؤمنين المخلصين، ذكر الله تعالى حكمين من أحكام أعمال العباد:
الأول- {وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها} أي إن منهاج شرعنا ألا نكلف نفسا إلا قدر طاقتها، وهذا إخبار عن عدله في شرعه، ورحمته بالعباد، وهو أيضا يريد به التحريض على ما وصف به الصالحين وتسهيله على النفوس.
والثاني- {وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ} أي ولدينا كتاب الأعمال أو صحائف الأعمال، وقيل: اللوح المحفوظ، يبين بدقة وصدق لا يخالف الواقع أعمال الناس في الدنيا، كما قال تعالى:{هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ، إِنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية 29/ 45]، وقال سبحانه:{لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصاها} [الكهف 49/ 18]، فالأظهر أن المراد بالكتاب كتاب إحصاء الأعمال.
ثم بيّن الله تعالى فضله على عباده في الحساب بعد بيان يسر التكليف فقال:
{وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} أي وهم لا يبخسون في الجزاء من الخير شيئا، بل يثابون على