الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستدل الحنفية بهذا النهي على أن صوت المرأة عورة، فإنها إذا كانت منهية عن فعل يسمع له صوت خلخالها، فهي منهية عن رفع صوتها بالطريق الأولى.
والظاهر أن صوت المرأة ليس بعورة إن أمنت الفتنة، بدليل أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يروين الأخبار للرجال الأجانب.
{وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي ارجعوا إلى طاعة الله والإنابة إليه أيها المؤمنون جميعا، وافعلوا ما أمركم به من هذه الصفات والأخلاق الحميدة، واتركوا ما نهاكم عنه من غض البصر وحفظ الفرج والدخول إلى بيوت الآخرين بلا استئذان وما كان عليه الجاهلية من الأخلاق والصفات الرذيلة، تفوزوا بسعادة الدنيا والآخرة. وخوطبوا بصفة الإيمان للتنبيه على أن الإيمان الصحيح هو الذي يحمل صاحبه على الامتثال وعلى التوبة والاستغفار من الهفوات والزلات، فإن التوبة سبب الفلاح والفوز بالسعادة.
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات ما يأتي:
1 -
وجوب غض البصر من الرجال والنساء عما لا يحل من جميع المحرّمات وكل ما يخشى الفتنة من أجله؛ لأن البصر مفتاح الوقوع في المنكرات، وشغل القلب بالهواجس، وتحريك النفس بالوساوس، وبريد السقوط في الفتنة أو الزنى، ومنشأ الفساد والفجور.
2 -
وجوب حفظ الفروج أي سترها عن أن يراها من لا يحل، وحفظها من التلوث بالفاحشة كالزنى واللواط، واللمس والمفاخذة والسحاق.
3 -
تحريم الدخول إلى الحمام بغير مئزر، قال ابن عمر: أطيب ما أنفق الرجل درهم يعطيه للحمّام في خلوة، أي في وقت لا يوجد فيه الناس أو قلة الناس.
وذكر الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
4 -
إن غض البصر وحفظ الفرج أطهر في الدين، وأبعد من دنس الذنوب، والله مطّلع عالم بأفعال العباد ونيات القلوب وهمسات الألسن، واستراق السمع والبصر، وبكل شيء، لا تخفى عليه خافية، ويجازي على ذلك كله.
5 -
العورات أربعة أقسام:
أ-عورة الرجل مع الرجل: يجوز له أن ينظر إلى جميع بدنه إلا ما بين السرة والركبة، وهما ليستا بعورة، وعند أبي حنيفة رحمه الله: الركبة عورة.
وقال مالك: الفخذ ليست بعورة أي في الصلاة لا في النظر، والدليل على أنها عورة ما
وقال لعلي رضي الله عنه فيما رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم عن علي: «لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت» . أما الأمرد فلا يحل النظر إليه.
ولا يجوز للرجل مضاجعة الرجل، وإن كان كل واحد منهما في جانب من الفراش؛
لما روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي سعيد الخدري أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد» .
وتكره المعانقة وتقبيل الوجه إلا لولده شفقة. وتستحب المصافحة لما
روى أنس قال: قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال:«لا» ، قال: أيلتزمه ويقبّله؟ قال: «لا» ، قال: أفيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: «نعم» .
ب-وعورة المرأة مع المرأة: كعورة الرجل مع الرجل، لها النظر إلى جميع بدنها إلا ما بين السرة والركبة، وعند خوف الفتنة لا يجوز، ولا تجوز المضاجعة.
والأصح أن المرأة الذمية (غير المسلمة) لا يجوز لها النظر إلى بدن المسلمة؛ لأنها أجنبية في الدين، والله تعالى يقول:{أَوْ نِسائِهِنَّ} وليست الذمية من نسائنا.
ج -وعورة المرأة مع الرجل: إن كانت أجنبية عنه فجميع بدنها عورة، ولا يجوز له أن ينظر إلى شيء منها إلا الوجه والكفين؛ لحاجتها لذلك في البيع والشراء. ولا يجوز أن يتعمد النظر إلى وجه الأجنبية لغير غرض، وإن وقع بصره عليها بغتة يغض بصره، للآية:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ} .
وأجاز أبو حنيفة النظر مرة واحدة إذا لم يكن محل فتنة. ولا يجوز أن يكرر النظر إليها،
للحديث المتقدم: «يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة» .
ويجوز النظر للخطبة،
لقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه ابن حبان والطبراني عن أبي حميد الساعدي: «إذا خطب أحدكم المرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها، إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته، وإن كانت لا تعلم» ويجوز النظر عند البيع ليعرفها عند الحاجة، وكذلك يجوز عند تحمل الشهادة النظر إلى الوجه؛ لأن المعرفة تحصل به. أما النظر للشهوة فهو محظور؛
لقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أحمد والطبراني عن ابن مسعود: «العينان تزنيان» .
كذلك يجوز للطبيب الأمين أن ينظر للمرأة للمعالجة، ويجوز للختّان أن ينظر إلى فرج المختون؛ لأنه موضع ضرورة، ويجوز تعمد النظر إلى فرج الزانيين لتحمل الشهادة على الزنى، وإلى فرج المرأة لتحمل شهادة الولادة، وإلى ثدي المرضعة لتحمل الشهادة على الرضاع. ويصح النظر لبدن المرأة للإنقاذ من غرق أو حرق وتخليصها منه.
وأما إذا كانت المرأة ذات محرم من الرجل بنسب أو رضاع أو مصاهرة فعورتها معه ما بين السرة والركبة كعورة الرجل. وقال جماعة منهم أبو حنيفة:
بل عورتها معه: ما لا يبدو عند المهنة.
وأما إذا كانت المرأة زوجة: فيجوز له أن ينظر إلى جميع بدنها، حتى إلى فرجها، غير أنه يكره النظر إلى الفرج.
د-وعورة الرجل مع المرأة: إن كان أجنبيا منها فعورته معها ما بين السرة والركبة. وقيل: جمع بدنه إلا الوجه والكفين كهي معه، والأول أصح بخلاف المرأة في حق الرجل؛ لأن بدن المرأة في ذاته عورة، بدليل أنه لا تصح صلاتها مكشوفة البدن، وبدن الرجل بخلافه. ولا يجوز لها قصد النظر عند خوف الفتنة، ولا تكرار النظر إلى وجهه،
للحديث السابق: «احتجبا منه» أي عن ابن أم مكتوم، وإن كان أعمى.
وإن كان زوجا فلها أن تنظر إلى جميع بدنه، غير أنه يكره النظر إلى الفرج، كما يكره له أيضا.
ولا يجوز للرجل أن يجلس عاريا في بيت خال، وله ما يستر عورته؛ لأنه
روي أنه صلى الله عليه وسلم سئل عنه، فقال فيما رواه البخاري والترمذي وابن ماجه:«الله أحق أن يستحيي منه»
وقال فيما أخرجه الترمذي عن ابن عمر: «إياكم والتعري، فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط، وحين يفضي الرجل إلى أهله»
(1)
.
6 -
أمر الله تعالى النساء بألا يبدين زينتهن للناظرين إلا الوجه والكفين حذرا من الافتتان، والزينة نوعان: ظاهر وباطن، أما الظاهر فمباح لكل الناس من المحارم والأجانب. وأما الباطن فلا يحل إبداؤه إلا لمن سمّاهم الله تعالى في هذه الآية.
(1)
تفسير الرازي: 202/ 23 - 204
أما السّوار: فقالت عائشة: هو من الزينة الظاهرة؛ لأنه في اليدين.
وقال مجاهد: هو من الزينة الباطنة؛ لأنه خارج عن الكفين، وإنما يكون في الذراع. وأما الخضاب فهو-في رأي ابن العربي-من الزينة الباطنة إذا كان في القدمين.
7 -
يجب على المرأة ستر شعرها وعنقها ومقدم صدرها، لقوله تعالى:
{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ} والخمار: ما تغطي به المرأة رأسها. روى البخاري عن عائشة قالت: رحم الله نساء المهاجرات الأول لما نزل: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ} شققن أزرهن فاختمرن بها.
8 -
استثنى الله تعالى من الرجال الذين لا يجوز للمرأة إبداء زينتها لهم المحارم ومن في حكمهم وهم الأزواج، وآباءهن وكذا الأجداد، سواء من جهة الأب أو الأم، وأبناء الأزواج ذكورا وإناثا، والإخوة الأشقاء أو لأب أو لأم، وأبناء الإخوة كذلك. ويلحق بهم الأعمام والأخوال، وهؤلاء هم الأقارب من جهة النسب، ومثلهم الأقارب من جهة الرضاع، وجميع هؤلاء يسمون المحارم.
ومن الاستثناء: النساء والمماليك العبيد والإماء المسلمات والكتابيات، في رأي الأكثرين، وقيل: الإماء فقط، والتابعون غير أولي الإربة وهم المسنون الضّعفة أو البله، أو العنّين أو الممسوح، وهم في المعنى متقاربون، والأطفال الذين لم يفهموا شيئا عن عورات النساء، ولم يظهر فيهم الميل الجنسي لصغر سنهم.
9 -
يحرم على المرأة فعل ما شأنه الإيقاع في الفتنة والفساد والتبرج والتعرض للرجال، كالضرب بالنعال، والتعطر والتزين عند الخروج من البيت. فإن ضربت المرأة بنعلها فرحا بحليها فهو مكروه كما ذكر القرطبي.
10 -
التوبة على المؤمنين والمؤمنات واجبة وفرض متعين بلا خلاف بين