الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مضاف فيعم {راعُونَ} قائمون بحفظها وإصلاحها، والرعي: الحفظ، والراعي: الذي يحفظ الشيء ويصلحه.
{صَلَواتِهِمْ} جمع صلاة، وهي مثل {لِأَماناتِهِمْ} تشمل المفرد والجمع {يُحافِظُونَ} يواظبون عليها، ويؤدونها في أوقاتها {أُولئِكَ} الجامعون لهذه الصفات {الْوارِثُونَ} لا غيرهم، أي هم الأحقّاء بأن يسموا ورّاثا دون غيرهم {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} بيان لما يرثونه، وتقييد الوراثة بعد إطلاقها تفخيم لها وتأكيد، وهي مستعارة لاستحقاقهم الفردوس من أعمالهم.
و {الْفِرْدَوْسَ} : أعلى الجنة {هُمْ فِيها خالِدُونَ} ماكثون أبدا. وأنث الضمير لأنه اسم للجنة، أو لطبقتها العليا. وفيه إشارة إلى المعاد، ويناسبه ذكر المبدأ بعده.
سبب النزول:
نزول الآية (2):
{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ} :
روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي رافعا بصره إلى السماء، فلما نزلت رمى ببصره نحو مسجده، وأنه رأى رجلا يعبث بلحيته، فقال:«لو خشع قلب هذا، لخشعت جوارحه»
(1)
.
أخرج الحاكم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء، فنزلت:{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ} فطأطأ رأسه.
وأخرج ابن مردويه بلفظ: كان يلتفت في الصلاة.
وأخرجه سعيد بن منصور عن ابن سيرين مرسلا بلفظ: كان يقلب بصره، فنزلت. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن سيرين مرسلا: كان الصحابة يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، فنزلت.
التفسير والبيان:
يبشر الله تعالى بالفلاح والفوز المؤمنين المتصفين بسبع صفات، ويحكم لهم بذلك، فيقول:
(1)
تفسير البيضاوي: ص 451
1 -
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} أي قد فازوا وسعدوا، لاتصافهم بصفة الإيمان أي التصديق بالله ورسله واليوم الآخر.
2 -
{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ} أي خائفون ساكنون، والخشوع:
خشوع القلب، وهو الخضوع والتذلل مع الخوف وسكون الجوارح. قال الحسن البصري: كان خشوعهم في قلوبهم، فغضوا بذلك أبصارهم، وخفضوا الجناح.
والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، وحينئذ تكون له راحة وقرة عين، كما
قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي عن أنس: «حبّب إليّ الطيب، والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة» .
وروى الإمام أحمد أيضا عن رجل من أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا بلال، أرحنا بالصلاة» .
والخشوع واجب ضروري لتعقل معاني الصلاة، ومناجاة الرب تعالى، وتذكر الله والخوف من وعيده، وتدبر آيات القرآن وتفهم معانيها، كما قال تعالى:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها} [محمد 24/ 47] وحينئذ يتخلص غالبا من وساوس الشيطان ومحاولة شغل الفكر وصرف المصلي عن صلاته، كما قال تعالى:{وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ} [الأعراف 205/ 7]. لكن جمهور العلماء لم يشترطوا الخشوع في الصلاة للخروج من عهدة التكليف، وإنما هو شرط لتحصيل الثواب عند الله تعالى.
3 -
{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} أي الذين يتركون رأسا كل ما كان حراما أو مكروها، أو مباحا لا خير فيه، ولا يعني الإنسان ولا حاجة له فيه.
وذلك يشمل الكذب والهزل والسب وجميع المعاصي وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال، كما قال تعالى:{وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً} [الفرقان 72/ 25].
ومع الأسف الشديد استبد اللهو في عصرنا في أفعال وأقوال كثير من الناس
برؤية التلفاز، وقراءة المجلات غير النافعة واللعب بالأوراق، واللهو، والبعث، وضياع الوقت فيما لا يجدي، مع أن الوقت من ذهب، لذا وصفت أمتنا بالتخلف لإهدار قيمة الوقت بين أفراد شعبها.
4 -
{وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ} قال ابن كثير: الأكثرون على أن المراد بالزكاة هاهنا زكاة الأموال، مع أن هذه الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة، والظاهر أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات النصب والمقادير الخاصة، وإلا فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجبا بمكة، قال تعالى في سورة الأنعام، وهي مكية:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ} [141]. وقد يحتمل أن يكون المراد بالزكاة هاهنا زكاة النفس من الشرك والدنس، كقوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها} [الشمس 9/ 91 - 10] وكقوله: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ} [فصلت 6/ 41 - 7] على أحد القولين في تفسيرهما. وقد يحتمل أن يكون كلا الأمرين مرادا، وهو زكاة النفوس وزكاة الأموال، فإنه من جملة زكاة النفوس، والمؤمن الكامل: هو الذي يفعل هذا، والله أعلم.
وقال الرازي: وقول الأكثرين إنه الحق الواجب في الأموال خاصة، وهذا هو الأقرب؛ لأن هذه اللفظة قد اختصت في الشرع بهذا المعنى
(1)
.
5 -
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ}
…
{مَلُومِينَ} أي والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام، فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنى ولواط، ولا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم بالعقد، أو بملك اليمين، أي ما ملكت أيمانهم من السراري-في الماضي حيث كان الرق قائما-فمن اقتصر على الحلال، فلا لوم عليه ولا حرج.
{فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ} أي فمن طلب غير ذلك من
(1)
تفسير ابن كثير: 238/ 3، وما بعدها، تفسير الرازي: 80/ 23
الزوجات والإماء، فأولئك هم المتناهون في العدوان، المتجاوزون حدود الله.
وهذا يدل على تحريم المتعة والاستمناء باليد.
6 -
{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ} أي والذين يحفظون حرمة الأمانة وقدسية العهد، فإذا ائتمنوا لم يخونوا، بل يؤدون الأمانة إلى أهلها، وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بذلك، فأداء الأمانة والوفاء بالعهد صفة أهل الإيمان، أما الخيانة والغدر وخلف الوعد وعدم الوفاء بمقتضى العقد بيعا أو إجارة أو شركة أو غيرها، فهي صفة أهل النفاق الذين
قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم-فيما يرويه الشيخان والترمذي والنسائي عن أبي هريرة: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» وقال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ} [الأنفال 27/ 8].
والأمانة والعهد يشملان جميع ما ائتمن الإنسان عليه من ربه أو من الناس، كالتكاليف الشرعية، والودائع، وتنفيذ العقود.
7 -
{وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ} أي والذين يواظبون على الصلاة ويؤدونها في أوقاتها، مع استكمال أركانها وشروطها.
جاء في الصحيحين عن ابن مسعود قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: برّ الوالدين، قلت:
ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله».
وقد افتتح الله ذكر هذه الصفات الحميدة بالصلاة، واختتمها بالصلاة، فدل على أفضليتها، كما
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد وابن ماجه والحاكم والبيهقي عن ثوبان: «استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الصلاة إلا مؤمن» . أي الزموا الاستقامة بالمحافظة على إيفاء الحقوق ورعاية الحدود، والرضى بالقضاء، ولن تحصوا ثواب الاستقامة.
ثم رتب الله تعالى الجزاء الحسن على هذه الأفعال، فقال: