الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحكمة حد الزنى:
الحفاظ على الأعراض والحقوق، ومنع اختلاط الأنساب، وتحقيق العفاف والصون، وطهر المجتمع، والحيلولة دون ظهور اللقطاء في الشوارع، وانتشار الأمراض الجنسية الخطيرة، كالزّهري والسيلان، وتكريم المرأة نفسها، وعدم إهدار مستقبلها.
روي عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا معشر الناس اتقوا الزنى، فإن فيه ست خصال: ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة، أما التي في الدنيا: فيذهب البهاء، ويورث الفقر، وينقص العمر، وأما التي في الآخرة: فسخط الله سبحانه وتعالى، وسوء الحساب، وعذاب النار» .
{الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً.} . الآية: هذا خبر خرج مخرج الغالب فلا يقصد به التحريم الاصطلاحي، وإنما التنزه والابتعاد والترفع، والمعنى: أن الشأن في الزاني الفاسق الفاجر ألا يرغب إلا في نكاح أمثاله من النساء الزانيات الفاسقات، فهو عادة لا يرغب في نكاح المرأة الصالحة، وإنما يميل إلى الزواج بالفاسقة الخبيثة أو المشركة مثلها التي لا تهتم عادة لحرمة العرض، ولا تأبه بشأن التعفف.
وكذلك الشأن في الزانية الخبيثة لا يرغب فيها غالبا إلا زان خبيث مثلها أو مشرك لا يتعفف عادة.
وبدئ بالزاني هنا، وبالزانية في الآية السابقة؛ لأن هذه الآية تتحدث عن النكاح وإبداء الرغبة فيه بالخطبة، والعادة أن ذلك يكون من الرجل، لا من المرأة، أما أكثر دواعي الزنى فتكون من المرأة فبدئ بها كما بينا، فهي المادة في الزنى، وأما في النكاح فالرجل هو الأصل؛ لأنه الراغب والطالب عادة.
وليس معنى الجملتين في الآية هنا واحدا، فإن الجملة الأولى تصف الزاني بأنه لا يرغب في العفيفات المؤمنات، وإنما يميل إلى الزانية والمشركة، والجملة الثانية تصف الزانية بأنه لا يرغب فيها المؤمنون الأعفاء، وإنما يميل إليها الفجار والمشركون، فكان المعنى مختلفا إذ لا يلزم عقلا من كون الزاني لا يرغب إلا في مثله أن الزانية لا يرغب فيها غير أمثالها، وكانت الآية موضحة وجود التلاؤم والانسجام والتفاهم والاقتران من كلا الطرفين: الرجل والمرأة. وقد سمعنا كثيرا اليوم أن الممثلين والممثّلات ونحوهم من أهل الفن لا يتزوج الواحد منهم أو الواحدة إلا بمحترف فنا مماثلا؛ لأن عنصر الغيرة في زعمهم يجب أن يرتفع، ليستمر الفريقان في عملهما، وإلا تعرض الزواج للهدم والفسخ والزوال، فكما لا يألف العفيف ولا يقبل غير العفائف، كذلك لا تقبل العفيفة الشريفة بحال إسفاف زوجها وتبذّله، واختراقه حدود الصون والعفة، ولربما كانت المرأة أشد غيظا وغضبا وتحرقا من الرجل في هذا، وقد يكون العكس، والمعول عليه وجود الدين والخلق والإحساس المرهف وتوافر الغيرة الدينية على الحرمات والأعراض، والبعد عن جعل العلاقة بين الرجل والمرأة مجرد علاقة مادية شهوانية، كما هو الشائع اليوم لدى الماديين الملحدين الذين رفعوا مسألة العرض من قاموس الأخلاق والقيم، سواء في الشرق أو الغرب.
{وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} أي حرّم التزوج بالبغايا أو تزويج العفائف بالرجال الفجار على المؤمنين الأتقياء، والمراد بالتحريم التنزه والتعفف مبالغة في التنفير؛ لأنه تشبّه بالفسّاق، وتعرض للتهمة، وتسبب لسوء المقالة، والطعن في النسب وغير ذلك من المفاسد.
وهذا رأي الجمهور كأبي بكر وعمر وجماعة من التابعين وفقهاء الأمصار جميعا، فيجوز نكاح الزانية، والزنى لا يوجب تحريمها على الزوج، ولا يوجب الفرقة بينهما، ويؤيدهم
ما أخرجه الطبراني والدارقطني من حديث عائشة
وما أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما عن ابن عباس أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن امرأتي لا تمنع يد لامس! قال صلى الله عليه وسلم: غرّبها، قال: أخاف أن تتبعها نفسي، قال:
فاستمتع بها. وهو دليل على جواز نكاح الزانية، وعلى أن الزوجة إذا زنت لا ينفسخ نكاحها.
وقوله: «لا تمنع يد لامس» معناه الزانية، وأنها مطاوعة من راودها، لا ترد يده. وقوله:«غرّبها» أي أبعدها بالطلاق، وهذا دليل آخر على جواز نكاح الفاجرة.
وقوله: «فاستمتع بها» أن لا تمسكها إلا بقدر ما تقضي متعة النفس منها، والاستمتاع بالشيء: الانتفاع به إلى مدة، ومنه سمي نكاح المتعة، ومنه آية:{إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ} [غافر 39/ 40].
وأما حكم الحرمة في الآية فمخصوص بالسبب الذي ورد فيه، أو منسوخ بقوله تعالى:{وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ} [النور 32/ 24] فإنه يتناول المسافحات.
وقال جماعة من السلف (علي وعائشة والبراء، وابن مسعود في رواية عنه): إن من زنى بامرأة أو زنى بها غيره لا يحل له أن يتزوجها،
وقال علي: إذا زنى الرجل فرّق بينه وبين امرأته؛ وكذلك هي إذا زنت. ودليلهم أن الحرمة في الآية على ظاهرها، والخبر في قوله {الزّانِي لا يَنْكِحُ.} . بمعنى النهي، وأحاديث منها
ما رواه أبو داود عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لا يدخل الجنة ديّوث» ومنها
ما رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة:
العاقّ لوالديه، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال، والدّيّوث، وثلاث لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنّان بما أعطى».