الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعضنا ويولد بعض. {وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} بعد الموت. {إِنْ هُوَ} أي ما الرسول. {اِفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً} فيما يدعيه من الرسالة. {بِمُؤْمِنِينَ} بمصدقين بالبعث بعد الموت.
{رَبِّ انْصُرْنِي} عليهم وانتقم لي منهم. {بِما كَذَّبُونِ} بسبب تكذيبهم إياي. {عَمّا قَلِيلٍ} أي بعد زمان قليل. {لَيُصْبِحُنَّ} ليصيرن. {نادِمِينَ} على كفرهم وتكذيبهم.
{الصَّيْحَةُ} : الصوت الشديد، وهي صيحة العذاب والهلاك، وهي صيحة جبريل، صاح عليهم صيحة هائلة تصدعت منها قلوبهم فماتوا. {بِالْحَقِّ} بالوجه الثابت الذي لا دافع له. {غُثاءً} شبههم في دمارهم بغثاء السيل، وهو ما يحمله من الورق والعيدان اليابسة، وأصل الغثاء: نبت يبس، أي صيرناهم مثله في اليبس. {فَبُعْداً} من الرحمة وهلاكا. {لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ} المكذبين.
المناسبة:
هذه هي القصة الثانية في هذه السورة، وهي قصة هود عليه السلام، في قول ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر المفسرين؛ لقوله تعالى في سورة الأعراف حكاية لقول هود:{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} ومجيء قصة هود عقيب قصة نوح في سورة الأعراف وسورة هود والشعراء.
وقال بعضهم: المراد بهم صالح وثمود؛ لأن قومه الذين كذبوه هم الذين هلكوا بالصيحة، والعقاب المذكور هنا هو الصيحة، فالقصة هي قصة صالح عليه السلام.
التفسير والبيان:
{ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ}
…
{تَتَّقُونَ} أي ثم أوجدنا من بعد قوم نوح الهلكى قوما آخرين، هم عاد قوم هود عليه السلام، فإنهم كانوا مستخلفين بعدهم، وقيل: المراد ثمود، لقوله تعالى:{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ} . فأرسل الله تعالى فيهم رسولا منهم، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فكذبوه وخالفوه وأبوا اتباعه لكونه بشرا مثلهم، فقال لهم: أفلا تتقون وتخافون عقاب الله بعبادتكم غيره من وثن أو صنم، فإن العبادة لا تنبغي إلا له، ولا يستحقها غيره؟!
{قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ}
…
{تَشْرَبُونَ} أي قال أشراف قومه المتصفون بصفات ثلاث هي شر الصفات:
أولها-الكفر بالخالق وجحود وحدانية.
ثانيها-الكفر بيوم القيامة والتكذيب بالبعث والجزاء والحساب، والمعاد الجثماني.
ثالثها-الانغماس في الحياة الدنيا التي أنعم الله بها عليهم، حتى بطروا وجحدوا النعمة، وقالوا: ما هود الذي يدعي أنه رسول إلا بشر عادي مثلكم في الصفات والحال، لا ميزة له عليكم، فهو يأكل من طعامكم، ويشرب من شرابكم الذي تشربون منه، فكيف يدعي الفضل عليكم، ويزعم الرسالة من الله إليكم؟ {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ، إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ} أي وأقسموا لئن أظهرتم الطاعة لبشر مثلكم، واتبعتموه، إنكم حينئذ تخسرون عقولكم، وتغبنون في آرائكم، وتضيعون مجدكم بترككم آلهتكم واتباعكم إياه من غير فضيلة له عليكم.
وبشرية الرسول هي الشبهة الأولى لإنكار هؤلاء القوم. ثم ذكروا شبهة ثانية وهي الطعن في صحة الحشر والنشر، والطعن في نبوته القائمة على إثبات ذلك، فقالوا:
{أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} أي أيعدكم أنكم تخرجون وتبعثون من قبوركم أحياء بعد موتكم وصيرورتكم ترابا وعظاما بالية؟! ثم قرنوا بالإنكار استبعادهم الشديد وقوع ما يدعيه بقولهم:
{هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ} أي بعد بعد ما توعدون به أيها القوم من حدوث البعث الجثماني وعودة الحياة مرة أخرى، للحساب والجزاء. ثم أكدوا إنكار البعث بقولهم:
{إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا، نَمُوتُ وَنَحْيا، وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} أي ما الحياة إلا واحدة وهي حياة الدنيا، فالبعض يموت، والبعض يحيا، وأنه لا إعادة ولا حشر ولا بعث. وبعد أن طعنوا في صحة الحشر، بنوا عليه الطعن في نبوة هود، فقالوا:
{إِنْ هُوَ إِلاّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً، وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ} أي ما هود الذي يدعي النبوة ويثبت البعث إلا مجرد رجل اختلق الكذب على الله، فيما جاءكم به من الرسالة والإنذار والإخبار بالمعاد، وما نحن له بمصدقين فيما يدّعي ويزعم.
ولم يجب الله تعالى عما أوردوه من الشبهتين المتقدمتين، أما كون الرسول بشرا فهو أدعى وألزم للمؤانسة، وتيسر الأخذ عنه، ومناقشته، وتكوين القناعة من أمثالهم عقلا وفكرا ومحاكمة، فليست القضية مجرد إلزام بالقول. وأما استبعاد الحشر فلضعف عقولهم، وقصور ميزانهم؛ لأن العاقل يدرك أنه سبحانه لما كان قادرا على كل الممكنات، عالما بكل المعلومات، وجب أن يكون قادرا على الحشر والنشر، ولأن الإعادة أمر ضروري لإقامة صرح العدالة بين الناس، فلولا الإعادة لكان تسليط القوي على الضعيف في الدنيا ظلما، ولا رادع له، ولا عقاب عليه، وهو غير لائق بالحكيم، لذا قال تعالى:{إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى} [طه 15/ 20].
ولما يئس هود من إيمان قومه بقولهم: {وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ} فزع إلى ربه:
{قالَ: رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ} أي رب انصرني على قومي نصرا مؤزرا بسبب تكذيبهم إياي في دعوتي لهم إلى الإيمان بك وتوحيدك وإثبات لقائك.
فأجاب الله دعاءه: