الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{بَشَراً سَوِيًّا} [مريم 17/ 19] كما يطلق للجمع، كقوله:{فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً} [مريم 26/ 19] ولم يثنّ المثل؛ لأنه في حكم المصدر، فيوصف به الاثنان والجمع والمذكر والمؤنث.
{وَقَوْمُهُما} يعني بني إسرائيل {عابِدُونَ} خادمون مطيعون، خاضعون منقادون {مِنَ الْمُهْلَكِينَ} بالغرق في البحر الأحمر {الْكِتابَ} التوراة {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} لعل بني إسرائيل يهتدون إلى المعارف والأحكام. ولا يجوز عود الضمير إلى فرعون وقومه؛ لأن التوراة نزلت بعد إغراقهم.
المناسبة:
هذه هي القصة الرابعة في هذه السورة، ويلاحظ فيها وحدة الموضوع والهدف وشبهة إنكار النبوة، فموضوعها: وصف حال المتكبرين السادة الأشراف الملأ من قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وأيوب ويوسف، وفرعون وملئه، وتكذيبهم رسلهم الذين جاءوهم بالحق وبالبينات والمعجزات الواضحات الدالة على صدقهم. والهدف: هو العبرة والعظة حتى لا يستبد الكفار بآرائهم، ويمعنوا في العناد والكفر، فيستحقوا مثل عقاب من تقدمهم.
وأما شبهة إنكار النبوة من المنكرين في هذه القصص فهي واحدة وهي وحدة البشرية أو قياس حال الأنبياء على أحوالهم، لما بينهم من المماثلة في الحقيقة، وهي شبهة زائفة باطلة؛ لأن النفوس البشرية، وإن اشتركت في أصل القوى والإدراك، فإنها متباينة فيهما، فالناس يتفاوتون في طاقات المواهب والأفكار والمدارك، وفي الاستعدادات الفطرية، وهذا ما أشار إليه قوله تعالى:
{قُلْ: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ} [الكهف 110/ 18].
التفسير والبيان:
{ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ} .. {قَوْماً عالِينَ} أي ثم أرسلنا بعد الرسل
المتقدمين موسى وأخاه هارون إلى فرعون وأشراف قومه وأتباعهم من الأقباط بالآيات والحجج الدامغة والبراهين القاطعة، ولكن هؤلاء القوم استكبروا عن اتباعهما والانقياد لأمرهما؛ لكونهما بشرين، كما أنكرت الأمم الماضية بعثة الرسل من البشر، وكانوا قوما متكبرين، كما قال تعالى:{اِذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى، فَقُلْ: هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكّى، وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى} [النازعات 17/ 79 - 19] وقال سبحانه: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ} [القصص 4/ 28].
والآيات كما قال ابن عباس رضي الله عنهما هي الآيات التسع وهي العصا، واليد، والجراد، والقمّل، والضفادع، والدم، وانفلاق البحر، والسنون، ونقص الثمرات.
ودلت الآية على أن النبوة كانت مشتركة بين موسى وهارون، وكذلك كانت المعجزات واحدة، فمعجزات موسى عليه السلام هي معجزات هارون عليه السلام.
وكانت صفة فرعون وقومه أمرين: أحدهما-الاستكبار والأنفة، والثاني- أنهم كانوا قوما عالين، أي رفيعي الحال في أمور الدنيا أو في الكثرة والقوة، أي على جانب من الحضارة والعلم، والعز والسلطان، بدليل الواقع التاريخي.
وكانت شبهتهم هي قولهم: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا، وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ} ؟ أي قال فرعون وملؤه (أشراف قومه): كيف ننقاد لأمر موسى وأخيه هارون، وقومهما بنو إسرائيل خدمنا وعبيدنا المنقادون لأوامرنا؟! أي أن الرسالة تتنافى مع البشرية، وأن قوم موسى وهارون أتباع أذلة لفرعون وقومه، وهكذا شأن الماديين لا يؤمنون بالقوى المعنوية، ويقيسون عزة النبوة وتبليغ الوحي عن الله على الرياسة أو الزعامة الدنيوية المعتمدة على الجاه والمال.