الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المناسبة:
بعد بيان إنكار الكفار للبعث، وأنه لا رجعة إلى الدنيا بعده، ذكر تعالى أنهم يسألون في النار سؤال تقريع وتوبيخ عن مدة لبثهم في الأرض، دون أن يكون القصد مجرد السؤال. ثم ذكر تعالى ما هو كالدليل على وجود البعث، ثم أمر رسوله بأن يستغفره ويسترحمه، تعليما وإرشادا للأمة، حتى لا يكونوا مثل أولئك الكفار.
التفسير والبيان:
ينبه الله تعالى الكفار على ما أضاعوه في عمرهم القصير في الدنيا من طاعة الله تعالى وعبادته وحده، ولو صبروا لفازوا كالمؤمنين، فيقول:
{قالَ: كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} أي قال الله أو الملك المأمور بسؤالهم: كم كانت مدة إقامتكم في الدنيا؟ والغرض من السؤال التبكيت والتقريع والتوبيخ، تنبيها لهم على أن ما ظنوه دائما طويلا، فهو يسير بالنسبة إلى ما أنكروه من البعث، فتحصل لهم الحسرة على سوء اعتقادهم في الدنيا.
{قالُوا: لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} نسوا مدة لبثهم في الدنيا، لعظم ما هم فيه من الأهوال والعذاب، حتى ظنوا أن المدة يوم أو بعض يوم، أو المراد تحقير مدة لبثهم بالنسبة إلى ما وقعوا فيه من أليم العذاب.
{فَسْئَلِ الْعادِّينَ} أي فاسأل الحاسبين، أو الملائكة الحفظة الذين يحصون أعمال العباد وأعمارهم.
{قالَ: إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} قال لهم الملك: ما لبثتم إلا
زمنا يسيرا، على كل تقدير، ولو كنتم تعملون شيئا من العلم لآثرتم الباقي على الفاني، ولعملتم بما يرضي ربكم، ولو صبرتم على طاعة الله وعبادته كما فعل المؤمنون لفزتم كما فازوا.
روى ابن أبي حاتم عن أيفع بن عبد الكلاعي الذي خطب الناس فقال:
ثم شدد الله تعالى في توبيخهم على غفلتهم فقال:
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ} أي أفظننتم أنكم مخلوقون عبثا، أي لعبا وباطلا بلا قصد ولا حكمة لنا، بل خلقناكم للعبادة والتهذيب والتعليم وإقامة أوامر الله تعالى. وهل ظننتم أنكم لا تعودون إلينا في الدار الآخرة للحساب والجزاء، كما قال تعالى:{أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} أي هملا [القيامة 36/ 75].
{فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ، لا إِلهَ إِلاّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} أي تنزه وتقدس الله صاحب الملك الواسع، الثابت الذي لا يزول، أن يخلق شيئا عبثا، فإنه الملك الحق المنزه عن ذلك، وهو ذو العرش العظيم الحسن البهي الذي يدبر فيه نظام الكون بحكمة ومقصد سام.
ثم ردّ الله تعالى على من نسب إليه ولدا أو شريكا فقال:
{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ، فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} أي ومن يعبد إلها آخر مع الله الذي لا يستحق العبادة سواه، دون أن يكون له دليل على صحة معتقده وعبادته، فجزاؤه محقق شديد عند ربه وخالقه، وذلك توبيخ وتقريع وتهديد بما لا يوصف، فمن ادعى إلها آخر فقد ادعى باطلا من حيث لا برهان له فيه، وما لا برهان فيه لا يجوز إثباته.
{إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ} أي إنه لا يفوز الكفار بشيء من النعيم، وإنما مصيرهم إلى الجحيم، وهذا يقابل افتتاح السورة، فإنه بشر بفلاح المؤمنين، وختم هنا بخيبة الكافرين.
{وَقُلْ: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ} أي قل أيها النبي:
يا رب اغفر لي ذنوبي، واستر عيوبي، وارحمني بقبول توبتي، ونجاتي من العذاب، فأنت خير من رحم عباده.
أخرج البخاري ومسلم والترمذي وابن حبّان عن أبي بكر أنه قال:
والآيتان الأخيرتان من آيات الشفاء،
أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود أنه مرّ برجل مصاب، فقرأ في أذنه:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً.} .
حتى ختم السورة، فبرأ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له:«بماذا قرأت في أذنه؟» فأخبره، فقال:«والذي نفسي بيده، لو أن رجلا موقنا قرأها على جبل لزال» . وواضح من ذلك أن المعول عليه هو إيمان القارئ ويقينه وصفاؤه، واستعداد المريض وقابليته للتداوي بالقرآن.