الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا الحكم وهو التحية على الأهل، وإن كان معلوما من الآية المتقدمة:
{حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها} إلا أنه أعيد هنا لطلبه بين الأقارب، حتى لا يظن أن علاقة القرابة لا تحتاج إلى تبادل السلام والتحية، فذلك من الآداب العامة والحقوق الإسلامية التي لا يصح إهمالها. قال الضحاك: في السلام عشر حسنات، ومع الرحمة عشرون، ومع البركات ثلاثون.
{كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أي هكذا يفصل الله لكم معالم دينكم، كما فصل لكم في هذه الآية ما أحل لكم فيها، وكما بيّن لكم ما في هذه السورة أيضا من أحكام وشرائع بيانا شافيا، لكي تتدبروها وتتفهموا عن الله أمره ونهيه وآدابه، فتفوزوا بسعادة الدنيا والآخرة.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآية على ما يأتي:
1 -
لا إثم ولا حرج على أصحاب الأعذار في التخلف عن الجهاد، وهم الأعمى والأعرج والمريض، أي أن الله رفع الحرج عن الأعمى فيما يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه البصر، وعن الأعرج فيما يشترط فيه المشي للتكليف به، وما يتعذر من الأفعال مع وجود العرج، وعن المريض فيما يؤثر المرض في إسقاطه؛ كالصوم وشروط الصلاة وأركانها، والجهاد ونحو ذلك.
ولا مانع من مؤاكلة هؤلاء ذوي الأعذار، وترك عادة تخصيصهم بطعام خاص حذرا من استقذارهم والترفع عن مجالستهم.
2 -
أباح الله للناس الأكل من مواضع أحد عشر دون استئذان صريح إذا علم رضا صاحب الطعام؛ لما علم بالعادة أن هؤلاء القوم تطيب نفوسهم في الأغلب بأكل من يدخل عليهم، والعادة كالإذن في ذلك، لذا خصهم الله تعالى بالذكر،
وافتتحها تعالى بالأكل من البيوت الخاصة بأصحابها للإشارة إلى التسوية بينها وبين تلك المواضع العشرة الباقية.
وأسباب رفع الحرج في الأكل من هذه المواضع إذن: إما الملك الخاص وإما القرابة وإما الوكالة والاستئجار، وإما الصداقة. والقرابة، وكذا الملك الخاص للبيوت: تشمل بيوت الأبناء والآباء والأمهات والإخوان والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات. والوكالة مفهومة من قوله: {أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ} فإنه يشمل عند جمهور المفسرين الوكلاء والعبيد والأجراء. والصداقة تبيح الأكل والشرب من بيوت الأصدقاء بغير إذن إذا علم أن نفس صاحب الشيء تطيب به لتفاهته ويسير مؤنته، أو لما بينهما من المودة. والصديق: من يصدقك في مودّته وتصدقه في مودتك، ولكن لا يجوز الادخار والحمل، واتخاذ ذلك وقاية لماله، ولو كان المتناول تافها يسيرا. وكان صلى الله عليه وسلم يدخل حائط (بستان) أبي طلحة المسمى ب (بيرحا) ويشرب من ماء فيها طيب بغير إذنه.
وبناء عليه، لا تجوز في رأي المالكية شهادة الصديق لصديقه، ولا شهادة القريب لقريبه.
3 -
يباح الأكل منفردا أو جماعة، وإن اختلفت أحوال الجماعة في الأكل كمّا وكيفا، فللإنسان أن يأكل وحده، أو مع القريب أو الصديق أو الجار أو أي شخص مسلم أو كافر. وقد نزلت الآية كما عرفنا في بني ليث بن عمرو من كنانة، كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده، ويمكث أياما جائعا حتى يجد من يؤاكله، ومنه قول بعض الشعراء:
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له
…
أكيلا، فإني لست آكله وحدي
أو أنها نزلت في قوم من الأنصار إذا نزل بهم ضيف لا يأكلون إلا معه، أو في قوم تحرّجوا عن الاجتماع على الطعام؛ لاختلاف الطباع في القزازة.
قال ابن عطية: وكانت هذه السيرة موروثة عند العرب عن إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام؛ فإنه كان لا يأكل وحده. وكان بعض العرب إذا كان له ضيف لا يأكل إلا أن يأكل مع ضيفه؛ فنزلت الآية مبينة سنّة الأكل، ومذهبة كل ما خالفها من سيرة العرب، ومبيحة من أكل المنفرد ما كان عند العرب محرّما، نحت به نحو كرم الخلق، فأفرطت في إلزامه، وإن إحضار الأكيل لحسن، ولكن بألا يحرم الانفراد.
4 -
يسن السلام عند الدخول على الأهل والأقارب في البيوت المسكونة، وكذا غير المسكونة، فيسلّم المرء فيها على نفسه بأن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. وكذا المساجد، فيسلّم على من كان فيها، فإن لم يكن في المساجد أحد، فالسلام أن يقول المرء: السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال إبراهيم النخعي والحسن البصري عن آية: {فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً} أراد المساجد.
قال ابن العربي: «القول بالعموم في البيوت هو الصحيح، ولا دليل على التخصيص» وأطلق القول ليدخل تحت هذا العموم كل بيت كان لغيره أو لنفسه، فإذا دخل الإنسان بيتا لغيره استأذن كما تقدم، فإذا دخل بيتا لنفسه سلّم، كما ورد في الخبر المتقدم عن ابن عمر، يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. فإن كان فيه أهله وخدمه فليقل: السلام عليكم. وإن كان مسجدا فليقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
وقال القشيري في قوله: {فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً} : والأوجه أن يقال: إن هذا عام في دخول كل بيت، فإن كان فيه ساكن مسلم يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإن لم يكن فيه ساكن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وإن كان في البيت من ليس بمسلم قال: السلام على من اتّبع الهدى، أو السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.