الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن أحكامه أيضا: نفي الولد إن تعرّض له فيه، وثبوت حد الزنى على المرأة؛ لقوله تعالى:
{وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ} أي ويدفع عنها الحد: حد الزنى الذي ثبت بشهادته.
{لَمِنَ الْكاذِبِينَ} فيما رماها به من الزنى {غَضَبَ اللهِ} سخطه وتعذيبه {فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} بالستر في ذلك {تَوّابٌ} يقبل التوبة في ذلك وغيره {حَكِيمٌ} فيما حكم به في ذلك وغيره. وجواب {لَوْلا} تقديره: لبين الحق في ذلك وعاجل بالعقوبة من يستحقها.
سبب النزول:
أخرج البخاري وأبو داود والترمذي عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء
(1)
، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«البيّنة أو حد في ظهرك» فقال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا مع امرأته رجلا ينطلق، يلتمس البينة! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«البينة أو حدّ في ظهرك» .
فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزل الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل، فأنزل الله عليه:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ} فقرأ حتى بلغ {إِنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ} .
وأخرجه أحمد بلفظ: لما نزلت: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ، ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ، فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً، وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً} قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار: أهكذا نزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار، ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟ قالوا: يا رسول الله، لا تلمه، فإنه رجل غيور، والله ما تزوج امرأة قط، فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته.
فقال سعد: والله يا رسول الله، إني لأعلم أنها حق، وأنها من الله، ولكني تعجبت أني لو وجدت لكاعا
(2)
مع رجل لم يكن لي أن أنحيّه ولا أحركه، حتى
(1)
نسبة إلى أمه السحماء.
(2)
امرأة لكاع: لئيمة وقيل: ذليلة النفس.
آتي بأربعة شهداء، فو الله لا آتي بهم، حتى يقضي حاجته.
قال: فما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية، وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، فجاء من أرضه، فوجد عند اهله رجلا، فرأى بعينه، وسمع بأذنه، فلم يهجه حتى أصبح، فغدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له: إني جئت أهلي عشاء، فوجدت عندها رجلا، فرأيت بعيني، وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه.
واجتمعت الأنصار، فقالوا: قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة إلا أن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية، ويبطل شهادته في الناس.
فقال هلال: والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا، فو الله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يضربه، فأنزل الله عليه الوحي، فأمسكوا عنه، حتى فرغ من الوحي، فنزلت:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ} الآية. وأخرج أبو يعلى مثل هذه الرواية من حديث أنس.
وفي رواية: لما نزلت الآية المتقدمة في الذين يرمون المحصنات، وتناول ظاهرها الأزواج وغيرهم قال سعد: يا رسول الله، إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة! والله لأضربنّه بالسيف غير مصفح عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه، والله أغير مني» ؟!
وأخرج الشيخان وغيرهما عن سهل بن سعد قال: جاء عويمر إلى عاصم بن عدي، فقال: اسأل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا، فقتله، أيقتل به، أم كيف يصنع به؟ فسأله عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم السائل، فلقيه عويمر
(1)
، فقال: ما صنعت؟ قال: ما صنعت؟ إنك لم تأتني بخبر، سألت
(1)
هو عويمر بن زيد بن الجدّ بن العجلاني.
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاب السائل، فقال عويمر: فو الله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه، فسأله، فقال: إنه أنزل فيك وفي صاحبك.. الحديث. أي فيمن وقع له مثل ما وقع لك.
قال الحافظ ابن حجر: اختلف الأئمة في هذه المواضيع، فمنهم من رجّح أنها نزلت في شأن عويمر، ومنهم من رجح أنها نزلت في شأن هلال، ومنهم من جمع بينهما بأن أول من وقع له ذلك هلال، وصادف مجيء عويمر أيضا، فنزلت في شأنهما. وإلى هذا جنح النووي، وتبعه الخطيب، فقال: لعلهما اتفق لهما ذلك في وقت واحد.
قال ابن حجر: لا مانع من تعدد الأسباب.
وقال القرطبي: والمشهور أن نازلة هلال كانت قبل، وأنها سبب الآية.
وقيل: نازلة عويمر بن أشقر كانت قبل؛ وهو حديث صحيح مشهور خرجه الأئمة. قال السهيلي: وهو الصحيح. وقال الكلبي: والأظهر أن الذي وجد مع امرأته شريكا عويمر العجلاني؛ لكثرة ما
روي ان النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين العجلاني وامرأته.
والمهم أن جميع الروايات متفقة على ثلاثة أمور:
أولها: أن آيات اللعان نزلت بعد آية قذف المحصنات بتراخ عنها وأنها منفصلة عنها.
وثانيها: أنهم كانوا قبل نزول آيات اللعان يفهمون من قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ} أنها تشمل الأجنبية والزوجة على السواء.
وثالثها: أن هذه الآية نزلت تخفيفا على الزوج.