الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عذابه، مثل قوله تعالى:{وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ} [النور 2/ 24] وقوله عز وجل: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} [النور 12/ 24].
أي أن هذه الأوصاف إما لما في هذه السورة من أحكام ومواعظ وأمثال، وإما لجميع ما في القرآن من الآيات البينات والأمثال والمواعظ، والأول رأي الزمخشري، والثاني رأي الرازي وابن كثير.
فقه الحياة أو الأحكام:
تضمنت الآيات أحكاما رئيسة كبري ثلاثة هي ما يتعلق بالزواج، ومكاتبة الأرقاء، والإكراه على الزنى.
1 -
أما ما يتعلق بالزواج: فقد ذكر الله تعالى حكم زواج القادرين على تكاليفه، والعاجزين عن أهبته.
أ-فإن كان الشخص قادرا على الزواج صحيا وماليا، فالله تعالى يأمر الأولياء بالتزويج، تحقيقا للعفة والستر والصلاح، فإن الزواج طريق التعفف.
والصحيح أن الخطاب للأولياء، لذا قال أكثر العلماء: في الآية دليل على أن المرأة ليس لها أن تزوج نفسها بغير ولي.
وقال أبو حنيفة: إذا زوجت المرأة نفسها ثيبا كانت أو بكرا بغير ولي من كفء لها جاز.
وحكم الزواج يختلف باختلاف حال الإنسان من خوف الوقوع في الزنى ومن عدم صبره، ومن قوته على الصبر وزوال خشية الزنى، فإن خاف الهلاك في الدّين أو الدنيا أو فيهما فالزواج حتم فرض، وإن لم يخش شيئا وكانت الحال معتدلة، فقال الشافعي: الزواج مباح، وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد: هو مستحب. دليل الرأي الأول: أن الزواج قضاء لذة، فكان مباحا كالأكل
والشرب، ودليل الرأي الثاني
الحديث الصحيح المتفق عليه بين الشيخين وأحمد عن أنس: «من رغب عن سنتي فليس مني» .
ونهى الحق تعالى عن الامتناع عن التزويج بسبب فقر الرجل والمرأة، ووعد بالغنى للمتزوجين الطالبين رضا الله والاعتصام من معاصيه، في قوله:{إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} . فإن وجد متزوج لا يستغني، فلا يخل بمعنى الآية، إذ لا يلزم من هذا دوام الغنى واستمراره، بل لو كان في لحظة واحدة لصدق الوعد، فالمال غاد ورائح، أو أن الغنى مرتبط بمشيئة الله تعالى، ويكون معنى الآية: يغنيهم الله من فضله إن شاء؛ كقوله تعالى: {اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد 26/ 13].
وهذه الآية: {إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} دليل على تزويج الفقير، ولا يقول: كيف أتزوج وليس لي مال؛ فإن رزقه على الله. وقد زوّج النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي أتته تهب له نفسها لمن ليس له إلا إزار واحد، وليس لها بعد ذلك فسخ الزواج بالإعسار؛ لأنها دخلت عليه. وليس في الآية دلالة على منع التفريق بسبب الإعسار بعد أن تزوجت المرأة موسرا، وإنما يفرّق بينهما؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ} [النساء 130/ 4]. كل ما في الأمر أن الآية وعد بالإغناء لمن تزوج فقيرا.
ب-وأما إن كان الشخص عاجزا عن تكاليف الزواج، فالله يأمره بالاجتهاد في التعفف، فقال:{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ..} . الخطاب لمن يملك أمر نفسه، لا لمن زمامه بيد غيره، فإنه يقوده إلى ما يراه، كالمحجور عليه.
والاستعفاف: طلب أن يكون عفيفا، والله يأمر بهذه الآية كل من تعذّر عليه النكاح ولا يجده بأي وجه أن يستعفف.
ولما كان أغلب الموانع عن الزواج عدم المال وعد تعالى بالإغناء من فضله،
فيرزقه ما يتزوج به، أو يجد امرأة ترضى باليسير من الصداق، أو تزول عنه شهوة النساء.
وقوله تعالى: {لا يَجِدُونَ نِكاحاً} أي طول (مؤن) نكاح، فحذف المضاف. أو يراد به ما تنكح به المرأة من المهر والنفقة، كاللّحاف: اسم لما يلتحف به، واللباس اسم لما يلبس، فعلى هذا لا حذف في الآية.
وعلى هذا من تاقت نفسه إلى الزواج إن وجد التكاليف المالية فالمستحب له أن يتزوج، وإن لم يجدها فعليه بالاستعفاف، فإن أمكن ولو بالصوم، فإن الصوم له وجاء، كما جاء في الخبر الصحيح. ومن لم تتق نفسه إلى النكاح فالأولى له التخلي لعبادة الله تعالى.
2 -
وأما مكاتبة الأرقاء من عبيد وإماء فهي أمر مستحب شرعا؛ لأن الشرع يتشوف إلى تحرير الأنفس البشرية، وإذا تحرر الإنسان ملك نفسه، واستقل واكتسب وتزوج إذا أراد، فيكون الزواج أعف له. والكتابة: عقد بين السيد وعبده، وهي في الشرع: أن يكاتب الرجل عبده على مال يؤديه منجّما عليه (مقسطا) فإذا أدّاه فهو حرّ.
وتطلب الكتابة إن علم السيد في المكاتب خيرا، أي دينا وصدقا وصلاحا، ووفاء بالمعاملة، وأمانة وقدرة على الاكتساب، وإلا لم تطلب. واختلف العلماء في كتابة من لا حرفة له، فكرهه الأوزاعي وأحمد وإسحاق، ورخص فيه مالك وأبو حنيفة والشافعي.
وتكون الكتابة بقليل المال وكثيره، وعلى أنجم (أقساط) ولا خلاف في ذلك بين العلماء. وقال الشافعي: لا بدّ فيها من أجل، وأقلها ثلاثة أنجم، وقال الجمهور: تجوز ولو على نجم (قسط) واحد. ولا تجوز حالّة البتة عند الشافعي وتجوز عند الحنفية وأصحاب مالك.
والمكاتب عبد ما بقي عليه من مال الكتابة شيء؛
لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو: «المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم» .
وهو متفق عليه بين المذاهب.
وإذا عجز المكاتب عن قسط، ولم يطالبه السيد، لا تنفسخ الكتابة ما داما على ذلك ثابتين.
وإذا أدى المكاتب ما التزم به عتق، ولا يحتاج إلى إعتاق السيد، ويعتق معه أولاده الذين ولدوا أثناء الكتابة، ولا يعتق الولد قبل الكتابة إلا بشرط.
وقد أمر الله السادة بإعانة المكاتبين في مال الكتابة؛ إما بأن يعطوهم شيئا مما في أيديهم، أو يحطّوا عنهم شيئا من مال الكتابة.
3 -
وأما الإكراه على الزنى أو الإجارة على الزنى: فهو حرام قطعا، سواء أرادت الفتاة ذلك أو امتنعت عنه، فلا فرق في حرمة هذا الإكراه بين حال إرادة التحصن (التعفف) أو حال عدم إرادته، كما لا فرق بين قصد الكسب الدنيوي والأولاد أو عدم قصده. وبالرغم من حرمة فعل المستكرهة فإن الله غفور للمكرهات رحيم بهن؛ فإن الإكراه أزال العقوبة الدنيوية، وهو عذر للمكرهة، أما المكره فلا عذر له فيما فعل. وما أشبه الأمس باليوم فإن المرأة أصبحت في عصرنا أداة للسياحة واستقطاب الزبائن والدعاية.
4 -
عدد الله تعالى في قوله: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ.} . على المؤمنين نعمه فيما أنزل إليهم من الآيات المنيرات الواضحات، وفيها من أمثال الماضين للتحفظ عما وقعوا فيه، وهي أيضا موعظة وعبرة لمن اتقى الله وخاف عقابه.