المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سبب النزول أو قصة الإفك في السنة النبوية الصحيحة: - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ١٨

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة المؤمنون

- ‌تسميتها وفضلها:

- ‌مناسبة السورة لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌خصال المؤمنين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌من أدلة وجود الله وقدرته

- ‌1 -خلق الإنسان

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌2 -خلق السموات وإنزال الأمطار وتسخير الأنعام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌خلق السموات:

- ‌المطر والنبات:

- ‌أحوال الأنعام:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القصة الأولى-قصة نوح عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القصة الثانية-قصة هود عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القصة الثالثة-قصص صالح ولوط وشعيب وغيرهم عليهم السلام

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القصة الرابعة-قصة موسى وهارون عليهما السلام

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القصة الخامسة-قصة عيسى وأمه مريم عليهما السلام

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مبادئ التشريع في الحياة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفات المسارعين في الخيرات

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إنكار أعمال الكفار ومشركي قريش وأسبابها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (67):

- ‌نزول الآية (76):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نعم الله العظمى على عباده

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إنكار المشركين البعث وإثباته بالأدلة القاطعة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌ الأول

- ‌التفسير والبيان:

- ‌والثاني:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نفي الولد والشريك لله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إرشادات إلى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تمني الإنسان عند الموت الرجوع إلى الدنيا ليعمل صالحا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌موازين النجاة في حساب الآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التنبيه على قصر مدة اللبث في الدنيا وعقاب المشركينورحمة المؤمنين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة النور

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌فضلها:

- ‌مشتملاتها:

- ‌ميزة سورة النور

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحكم الأول والثانيحد الزنى وحكم الزناة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌وحكمة حد الزنى:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌1 - تحريم الزنى:

- ‌2 - وجوب الحد في الزنى:

- ‌3 - صاحب الولاية في إقامة الحد:

- ‌4 - أداة الجلد:

- ‌5 - صفة الجلد وطريقة الضرب ومكانه عند الجمهور:

- ‌6 - الشفاعة في الحدود:

- ‌7 - الترغيب في إقامة الحدود:

- ‌8 - حضور إقامة الحد:

- ‌9 - حكمة الحد:

- ‌10 - هل الآية منسوخة

- ‌11 - عموم التحريم:

- ‌الحكم الثالثحد القذف

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحكم الرابعحكم اللعانأو قذف الرجل زوجته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌1 - آيات اللعان وآية القذف:

- ‌2 - وحكمة اللعان:

- ‌3 - هل ألفاظ اللعان شهادات أم أيمان

- ‌4 - شروط المتلاعنين:

- ‌5 - وترتب على الخلاف السابق أيضا الاختلاف في ملاعنة الأخرس

- ‌6 - إذا قذف الرجل زوجته بعد الطلاق

- ‌7 - إذا قذف زوجته ثم زنت

- ‌8 - إذا شهد أربعة على امرأة بالزنى، أحدهم زوجها

- ‌9 - إذا أبى الزوج اللعان

- ‌10 - كيفية اللعان:

- ‌11 - آثار اللعان وما يترتب عليه: يترتب على اللعان:

- ‌أولا

- ‌ثانيا

- ‌ثالثا

- ‌12 - ما يحتاج إليه اللعان:

- ‌13 - إذا قذف الرجل مع زوجته أجنبيا:

- ‌14 - استدل بمشروعية اللعان على جواز الدعاء باللعن على كاذب معين

- ‌15 - قال العلماء: لا يحل للرجل قذف زوجته

- ‌الحكم الخامسقصة الإفك

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول أو قصة الإفك في السنة النبوية الصحيحة:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء القذفة الأخروي في قصة الإفك

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحكم السادسالاستئذان لدخول البيوت وآدابه

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (27):

- ‌نزول الآية (29):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحكم السابعحكم النظر والحجاب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحكم الثامن والتاسع والعاشرزواج الأحرار ومكاتبة الأرقاء والإكراه على الزنى

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (33):

- ‌نزول آية: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ}:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الحكم الثامن-ما يتعلق بالزواج:

- ‌الحكم التاسع-مكاتبة الأرقاء:

- ‌الحكم العاشر-الإكراه على البغاء:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الله منوّر السموات والأرض بدلائل الإيمان وغيرها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة

- ‌أحدهما:

- ‌الثاني:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المؤمنون المهتدون بنور الله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال الكافرين في الدنيا وخسرانهم في الآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأدلة الكونية على وجود الله وتوحيده

- ‌الإعراب

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌النوع الأول-تسبيح المخلوقات:

- ‌النوع الثاني-إنزال المطر:

- ‌النوع الثالث-اختلاف الليل والنهار:

- ‌النوع الرابع-أنواع المخلوقات:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌البقاء على الضلال والنفاق بالرغم من البيان الشافي

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الطاعة والامتثال عند المؤمنين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أصول دولة الإيمان

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحكم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشرحالات الاستئذان في داخل الأسرة وتخفيف الثياب الظاهرةعن العجائز

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الحكم الحادي عشر:

- ‌الحكم الثاني عشر:

- ‌الحكم الثالث عشر:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إباحة الأكل من بيوت معينة دون إذن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌الأولى-في نفي الحرج عن الأكل من بيوت معينة:

- ‌الثانية-رفع الإثم عن المعذورين في التخلف عن الجهاد:

- ‌الثالثة-نفي الحرج عن الناس في مؤاكلة المرضى

- ‌سبب نزول آية: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً}:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الاستئذان عند الخروج وأدب خطاب النبي صلى الله عليه وسلموالتحذير من مخالفة أمره

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (63):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: ‌سبب النزول أو قصة الإفك في السنة النبوية الصحيحة:

عظم الجريمة. {وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ} بكم، وجواب لولا محذوف تقديره: لعاجلكم بالعقوبة.

{خُطُواتِ الشَّيْطانِ} أي طرق تزيينه ونزغاته ووساوسه، بإشاعة الفاحشة. {فَإِنَّهُ} أي المتّبع. {يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ} أي القبيح المفرط في القبح. {وَالْمُنْكَرِ} ما تنكره النفوس وتنفر منه وينكره الشرع. وهو بيان لعلة النهي عن اتباعه.

{وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} بالتوفيق إلى التوبة الماحية للذنوب وشرع الحدود المكفرة لها. {ما زَكى} ما طهر من دنس الذنوب. {مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ} أيها العصبة بما قلتم من الإفك.

{أَبَداً} آخر الدهر، أي ما طهر من هذا الذنب بالتوبة أحدا مطلقا. {يُزَكِّي} يطهر من الذنب. {مَنْ يَشاءُ} بقبول توبته منه. {وَاللهُ سَمِيعٌ} لمقالتهم. {عَلِيمٌ} بنياتهم.

{وَلا يَأْتَلِ} لا يحلف، من الألية وهي الحلف. {أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ} في الدين.

{وَالسَّعَةِ} في المال أي أصحاب الغنى والثراء، وفيه دليل على فضل أبي بكر رضي الله عنه وشرفه. {أَنْ يُؤْتُوا} على ألا يؤتوا. {وَلْيَعْفُوا} لما فرط منهم أي يمحوا الذنوب.

{وَلْيَصْفَحُوا} بالإغضاء عنه. {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ} على عفوكم وصفحكم وإحسانكم إلى من أساء إليكم. {وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} مع كمال قدرته، فتخلقوا بأخلاقه.

‌سبب النزول أو قصة الإفك في السنة النبوية الصحيحة:

روى الأئمة منهم أحمد، والبخاري تعليقا، ومسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت

(1)

:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج لسفر، أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، فأقرع بيننا في غزوة غزاها

(2)

، فخرج فيها سهمي (نصيبي) وخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بعد ما نزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه، فسرنا، حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك، وقفل، ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذن بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني،

(1)

تفسير ابن كثير: 268/ 3 وما بعدها.

(2)

هي غزوة بني المصطلق، وهي غزوة المريسيع.

ص: 171

أقبلت إلى رحلي، فلمست صدري، فإذا عقد لي من جزع ظفار

(1)

قد انقطع.

فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرّهط الذين كانوا يرحّلونني، فاحتملوا هودجي، فرحلوه على البعير الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه.

وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن، ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل، وساروا، ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منازلهم، وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدونني، فيرجعون إلي.

فبينا أنا جالسة في منزلي، غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطّل السّلمي ثم الذّكواني قد عرّس

(2)

من وراء الجيش، فأدلج

(3)

، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني، فعرفني حين رآني، وقد كان رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه

(4)

حين عرفني، فخمّرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حين أناخ راحلته، فوطئ على يدها، فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة، حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا في نحر الظّهيرة

(5)

.

(1)

الجزع: خرز معروف في سواده بياض كالعروق، وظفار: مدينة باليمن.

(2)

التعريس: نزول القوم في السفر من آخر الليل للاستراحة في بقعة، ثم يرتحلون.

(3)

أدلج: سار من أول الليل.

(4)

الاسترجاع: أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.

(5)

وسط النهار عند الظهر أي وقت الظهيرة.

ص: 172

فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبيّ ابن سلول.

فقدمنا المدينة، فاشتكيت

(1)

حين قدمناها شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني

(2)

في وجعي أني لا أرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي أرى منه حين أشتكي،

إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلّم ثم يقول: «كيف تيكم؟» -تي: إشارة إلى المؤنث-فذلك الذي يريبني، ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعد ما نقهت

(3)

، وخرجت معي أم مسطح قبل (المناصع) وهو متبرّزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف

(4)

قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه في البرّية، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها في بيوتنا.

فانطلقت أنا وأم مسطح-وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصدّيق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب-فأقبلت أنا وابنة أبي رهم أم مسطح قبل بيتي، حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها

(5)

، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئسما قلت، تسبّين رجلا شهد بدرا؟ فقالت: أي هنتاه

(6)

، ألم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت:

فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي،

(1)

اشتكى عضوا من أعضائه: مرض وأحس بألم فيه.

(2)

يريبني: يوقعني في الريبة والشك.

(3)

نقه من المرض: صحّ.

(4)

المتبرّز: موضع التبرز، والكنف: جمع كنيف: المكان المخصص لقضاء الحاجة.

(5)

المرط: واحد المروط: وهي أكسية من صوف أو خزّ كان يؤتزر بها.

(6)

هنتاه: الهنة: هي الشيء الذي يستقبح، والمراد هنا الندبة المشوبة بالتعجب من الفعلة القبيحة لمسطح.

ص: 173

دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلّم، ثم قال:«كيف تيكم؟» فقلت له:

أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قال: نعم، قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي، فقلت لأمي:

يا أمتاه، لماذا يتحدث الناس به؟ فقالت: أي بنية، هوّني عليك، فو الله لقلّما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبّها، ولها ضرائر إلا أكثرن عليها.

قالت: فقلت: سبحان الله! وقد تحدث الناس بها؟ فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت، لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي.

قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي، يسألهما ويستشيرهما في فراق أهله، قالت: فأما أسامة بن زيد، فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود، فقال أسامة: يا رسول الله، أهلك، ولا نعلم إلا خيرا. وأما علي بن أبي طالب، فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك الخبر.

قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: «هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» فقالت له بريرة: والذي بعثك بالحق، إن-أي ما-رأيت منها أمرا قطّ أغمصه

(1)

عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الدواجن فتأكله.

فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه، فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول، فقال وهو على المنبر: «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي-يعني عبد الله بن أبي-فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا

(1)

غمصه: استصغره ولم يره شيئا.

ص: 174

رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي».

فقام سعد بن معاذ الأنصاري رضي الله عنه، فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج، أمرتنا، ففعلنا أمرك.

فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وكان رجلا صالحا، ولكن احتملته الحمية، فقال لسعد بن معاذ: كذبت، لعمر الله، لا تقتله، ولا تقدر على قتله، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل.

فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة، كذبت، لعمر الله لنقتلنّه، فإنك منافق تجادل عن المنافق، فتثاور الحيان:

الأوس والخزرج، حتى همّوا أن يقتتلوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فلم يزل يخفّضهم حتى سكتوا، وسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قالت: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي إذ استأذنت علي امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي، فبينا نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلّم ثم جلس، ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء.

فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس، ثم قال:«أما بعد، يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله، وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه، وتاب، تاب الله عليه» .

فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، قلص دمعي، حتى ما أحسّ منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله، فقال: والله ما أدري ما أقول

ص: 175

لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: والله، ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت-وأنا جارية حديثة السن، لا أقرأ كثيرا من القرآن-: والله لقد علمت، لقد سمعتم بهذا الحديث حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم به، فلئن قلت لكم: إني بريئة-والله يعلم أني بريئة- لا تصدقونني، ولئن اعترفت بأمر، والله يعلم أني بريئة، لتصدّقنّي، إني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ} [يوسف 18/ 12].

ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، وأنا-والله أعلم حينئذ أني بريئة-وأن الله تعالى مبرئي ببراءتي، ولكن والله، ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها.

فو الله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتى أنزل الله تعالى على نبيه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء

(1)

عند الوحي، حتى إنه ليتحدّر منه مثل الجمان من العرق، وهو في يوم شات، من ثقل القول الذي أنزل عليه.

فسرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال:«أبشري يا عائشة، أمّا الله عز وجل فقد برّأك» فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عز وجل، هو الذي أنزل براءتي، وأنزل الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} الآيات العشر كلها.

فلما أنزل الله هذا في براءتي، قال أبو بكر رضي الله عنه، وكان ينفق على

(1)

البرحاء: الشدة والانتفاضة من الجهد أو الألم.

ص: 176