الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخرج ابن أبي حاتم من مرسل الحسن البصري قال: كان الرجل إذا كان بينه وبين الرجل منازعة، فدعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو محق، أذعن، وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقضي له بالحق، وإذا أراد أن يظلم، فدعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعرض، فقال: انطلق إلى فلان، فأنزل الله:{وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ} الآية.
وقال مقاتل: نزلت هذه الآية في بشر المنافق، دعاه يهودي في خصومة بينهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا هو اليهودي إلى كعب بن الأشرف، ثم تحاكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحكم لليهودي؛ لأنه صاحب الحق، فلم يرض المنافق بقضائه صلى الله عليه وسلم. وقال: نتحاكم إلى عمر رضي الله عنه، فلما ذهبا إليه، قال له اليهودي:
قضى لي النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يرض بقضائه، فقال عمر للمنافق: أكذلك؟ قال:
بلى، فقال: مكانكما حتى أخرج إليكما، فدخل رضي الله عنه بيته، وخرج بسيفه، فضرب به عنق المنافق حتى برد، وقال: هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
المناسبة:
بعد بيان أدلة التوحيد، ذمّ الله تعالى قوما وهم المنافقون اعترفوا بالدين بألسنتهم، ولكنهم لم يقبلوه بقلوبهم، فيقولون:{آمَنّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ} ثم يفعلون نقيض ذلك.
التفسير والبيان:
هذه صفات المنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون، فقال تعالى:
(1)
وهذا الحكم حق وعدل؛ لأنهم في الواقع كفار استباحوا معارضة النبي صلى الله عليه وسلم في أحكامه، وشهروا بحكمه، وأحدثوا البلبلة والاضطراب في عدله ونبوته، وكل ذلك يختلف عن الكافر العادي.
أي ويقول المنافقون أمام الناس: صدقنا بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، وأطعنا الله فيما قضى، والرسول صلى الله عليه وسلم فيما حكم به، ثم يعرض فريق منهم عن قبول حكمه، فيخالفون أقوالهم بأعمالهم، ويقولون ما لا يفعلون، ويرجعون بعدئذ إلى الباقين منهم، فيظهرون الرجوع عما أعلنوه، والحقيقة أن أولئك المنافقين ليسوا بالفعل من أهل الإيمان، وإنما مردوا على النفاق.
وهذا دليل واضح على أن الإيمان لا يكون بالقول، إذ لو كان به، لما صح أن ينفي عنهم كونهم مؤمنين. ومن مظاهر نفاقهم وذبذبتهم:
{وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} أي وإذا طلبوا إلى تحكيم كتاب الله واتباع هداه، وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم في خصوماتهم، أعرضوا عن قبول حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، واستكبروا عن اتباع حكمه. وهذا ترك للرضا بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم، كقوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ، يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ، وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ، وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} .
{وَإِذا قِيلَ لَهُمْ: تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} [النساء 60/ 4 - 61].
وفي الآية دلالة على أن حكم الرسول صلى الله عليه وسلم هو حكم الله القائم على الحق والعدل.
{وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} أي إذا كان الحكم في صالحهم جاؤوا إليه سامعين مطيعين؛ لعلمهم بأنه لا يحكم إلا بالحق. وهذا دليل واضح على انتهازيتهم وإرادتهم النفع المعجل، فهم يعرضون عن حكم النبي صلى الله عليه وسلم متى عرفوا الحق لغيرهم أو شكّوا، فأما إذا عرفوه لأنفسهم أسرعوا إلى قبول الحكم النبوي والرضا به.