المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌التفسير والبيان: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ} إلى قوله: {عَذابٌ - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ١٨

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة المؤمنون

- ‌تسميتها وفضلها:

- ‌مناسبة السورة لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌خصال المؤمنين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌من أدلة وجود الله وقدرته

- ‌1 -خلق الإنسان

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌2 -خلق السموات وإنزال الأمطار وتسخير الأنعام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌خلق السموات:

- ‌المطر والنبات:

- ‌أحوال الأنعام:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القصة الأولى-قصة نوح عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القصة الثانية-قصة هود عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القصة الثالثة-قصص صالح ولوط وشعيب وغيرهم عليهم السلام

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القصة الرابعة-قصة موسى وهارون عليهما السلام

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌القصة الخامسة-قصة عيسى وأمه مريم عليهما السلام

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مبادئ التشريع في الحياة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفات المسارعين في الخيرات

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إنكار أعمال الكفار ومشركي قريش وأسبابها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (67):

- ‌نزول الآية (76):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نعم الله العظمى على عباده

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إنكار المشركين البعث وإثباته بالأدلة القاطعة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌ الأول

- ‌التفسير والبيان:

- ‌والثاني:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نفي الولد والشريك لله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إرشادات إلى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تمني الإنسان عند الموت الرجوع إلى الدنيا ليعمل صالحا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌موازين النجاة في حساب الآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التنبيه على قصر مدة اللبث في الدنيا وعقاب المشركينورحمة المؤمنين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة النور

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌فضلها:

- ‌مشتملاتها:

- ‌ميزة سورة النور

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحكم الأول والثانيحد الزنى وحكم الزناة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌وحكمة حد الزنى:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌1 - تحريم الزنى:

- ‌2 - وجوب الحد في الزنى:

- ‌3 - صاحب الولاية في إقامة الحد:

- ‌4 - أداة الجلد:

- ‌5 - صفة الجلد وطريقة الضرب ومكانه عند الجمهور:

- ‌6 - الشفاعة في الحدود:

- ‌7 - الترغيب في إقامة الحدود:

- ‌8 - حضور إقامة الحد:

- ‌9 - حكمة الحد:

- ‌10 - هل الآية منسوخة

- ‌11 - عموم التحريم:

- ‌الحكم الثالثحد القذف

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحكم الرابعحكم اللعانأو قذف الرجل زوجته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌1 - آيات اللعان وآية القذف:

- ‌2 - وحكمة اللعان:

- ‌3 - هل ألفاظ اللعان شهادات أم أيمان

- ‌4 - شروط المتلاعنين:

- ‌5 - وترتب على الخلاف السابق أيضا الاختلاف في ملاعنة الأخرس

- ‌6 - إذا قذف الرجل زوجته بعد الطلاق

- ‌7 - إذا قذف زوجته ثم زنت

- ‌8 - إذا شهد أربعة على امرأة بالزنى، أحدهم زوجها

- ‌9 - إذا أبى الزوج اللعان

- ‌10 - كيفية اللعان:

- ‌11 - آثار اللعان وما يترتب عليه: يترتب على اللعان:

- ‌أولا

- ‌ثانيا

- ‌ثالثا

- ‌12 - ما يحتاج إليه اللعان:

- ‌13 - إذا قذف الرجل مع زوجته أجنبيا:

- ‌14 - استدل بمشروعية اللعان على جواز الدعاء باللعن على كاذب معين

- ‌15 - قال العلماء: لا يحل للرجل قذف زوجته

- ‌الحكم الخامسقصة الإفك

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول أو قصة الإفك في السنة النبوية الصحيحة:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء القذفة الأخروي في قصة الإفك

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحكم السادسالاستئذان لدخول البيوت وآدابه

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (27):

- ‌نزول الآية (29):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحكم السابعحكم النظر والحجاب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحكم الثامن والتاسع والعاشرزواج الأحرار ومكاتبة الأرقاء والإكراه على الزنى

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (33):

- ‌نزول آية: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ}:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الحكم الثامن-ما يتعلق بالزواج:

- ‌الحكم التاسع-مكاتبة الأرقاء:

- ‌الحكم العاشر-الإكراه على البغاء:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الله منوّر السموات والأرض بدلائل الإيمان وغيرها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة

- ‌أحدهما:

- ‌الثاني:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المؤمنون المهتدون بنور الله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال الكافرين في الدنيا وخسرانهم في الآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأدلة الكونية على وجود الله وتوحيده

- ‌الإعراب

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌النوع الأول-تسبيح المخلوقات:

- ‌النوع الثاني-إنزال المطر:

- ‌النوع الثالث-اختلاف الليل والنهار:

- ‌النوع الرابع-أنواع المخلوقات:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌البقاء على الضلال والنفاق بالرغم من البيان الشافي

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الطاعة والامتثال عند المؤمنين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أصول دولة الإيمان

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحكم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشرحالات الاستئذان في داخل الأسرة وتخفيف الثياب الظاهرةعن العجائز

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الحكم الحادي عشر:

- ‌الحكم الثاني عشر:

- ‌الحكم الثالث عشر:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إباحة الأكل من بيوت معينة دون إذن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌الأولى-في نفي الحرج عن الأكل من بيوت معينة:

- ‌الثانية-رفع الإثم عن المعذورين في التخلف عن الجهاد:

- ‌الثالثة-نفي الحرج عن الناس في مؤاكلة المرضى

- ‌سبب نزول آية: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً}:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الاستئذان عند الخروج وأدب خطاب النبي صلى الله عليه وسلموالتحذير من مخالفة أمره

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (63):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: ‌ ‌التفسير والبيان: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ} إلى قوله: {عَذابٌ

‌التفسير والبيان:

{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ} إلى قوله: {عَذابٌ عَظِيمٌ} أي إن الذين يتهمون بالفاحشة والفجور النساء المؤمنات بالله ورسوله العفائف البعيدات عن تلك التهمة، ومثلهم الرجال، هم مطردون من رحمة الله في الدنيا والآخرة، وعليهم غضب الله وسخطه، ولهم في الآخرة عذاب شديد كبير، جزاء جرمهم وافترائهم. وهذا دليل على أن القذف من الكبائر،

أخرج الإمام أحمد والشيخان وغيرهم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» .

وأخرج أبو القاسم الطبراني عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة» .

{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} أي إن عذابهم يوم القيامة يوم تشهد عليهم أعضاؤهم الألسنة والأيدي والأرجل بما عملوا في الدنيا من قول أو فعل؛ إذ إن الله ينطقها بقدرته، كما ذكر في آية أخرى:

{وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا؟ قالُوا: أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت 21/ 41].

روى ابن أبي حاتم وابن جرير عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

«إذا كان يوم القيامة عرّف الكافر بعمله، فيجحد ويخاصم، فيقال له: هؤلاء جيرانك يشهدون عليك، فيقول: كذبوا، فيقال: أهلك وعشيرتك، فيقول:

كذبوا، فيقال: احلفوا فيحلفون، ثم يصمّهم الله، فتشهد عليهم أيديهم وألسنتهم، ثم يدخلهم النار».

{يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} أي في

ص: 194

ذلك اليوم يوفيهم الله حسابهم أو جزاءهم على أعمالهم، ويعلمون أن وعد الله ووعيده وحسابه هو العدل الذي لا جور فيه.

قال الزمخشري رحمه الله وجزاه عن تفسيره الدقيق جدا للقرآن الكريم خير الجزاء: ولو فلّيت

(1)

القرآن كله، وفتّشت عما أوعد به العصاة، لم تر الله تعالى قد غلّظ في شيء تغليظه في إفك عائشة رضوان الله عليها، ولا أنزل من الآيات القوارع المشحونة بالوعيد الشديد، والعقاب البليغ، والزجر العنيف، واستعظام ما ركب من ذلك، واستفظاع ما أقدم عليه، على طرق مختلفة، وأساليب مفتنّة، كل واحد منها كاف في بابه، ولو لم ينزل إلا هذه الثلاث، لكفى بها، حيث جعل القذفة ملعونين في الدارين جميعا، وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة، وبأن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم تشهد عليهم بما أفكوا وبهتوا، وأنه يوفيهم جزاءهم الحق الواجب الذي هم أهله، حتى يعلموا عند ذلك أن الله هو الحق المبين

(2)

.

يفهم من هذا الكلام ومن كلام الفخر الرازي أن الله تعالى عاقب هؤلاء القذفة بثلاثة أشياء: كونهم ملعونين في الدنيا والآخرة، وهو وعيد شديد، وشهادة ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم على أعمالهم، وإيفاؤهم جزاء عملهم. والدين بمعنى الجزاء مثل قولهم:«كما تدين تدان» وقيل: بمعنى الحساب كقوله تعالى:

{ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} أي الحساب الصحيح، والحق: هو أن الجزاء الموفى هو القدر المستحق؛ لأنه الحق، وما زاد عليه هو الباطل.

ثم أورد الله تعالى دليلا ماديا حسيا على براءة عائشة فقال:

{الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ، وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ، وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ، وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ.} .

(1)

جعلها بعضهم: قلبت.

(2)

تفسير الكشاف: 380/ 2 وما بعدها.

ص: 195

أي النساء الزواني الخبيثات للخبيثين من الرجال، والخبيثون الزناة من الرجال للخبيثات من النساء؛ لأن اللائق بكل واحد ما يشابهه في الأقوال والأفعال، ولأن التشابه في الأخلاق والتجانس في الطبائع من مقومات الألفة ودوام العشرة. وذلك كقوله تعالى:{الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً، وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور 3/ 24].

وعلى هذا يكون المراد بالخبيثات والطيبات النساء، أي شأن الخبائث يتزوجن الخباث، أي الخبائث، وشأن أهل الطيب يتزوجن الطيبات.

ويجوز أن يكون المراد من الخبيثات الكلمات التي هي القذف الواقع من أهل الإفك، والمعنى: الخبيثات من قول أهل الإفك للخبيثين من الرجال، وبالعكس: والطيبات من قول منكري الإفك للطيبين من الرجال وبالعكس.

وبما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم درة الطيبين وخيرة الأولين والآخرين، فالصدّيقة رضي الله عنها من أطيب الطيبات، فيبطل ما أشاعه أهل الإفك. ويكون الكلام جاريا مجرى المثل لعائشة وما رميت به من قول لا يطابق حالها في النزاهة والطيب. والرأي الأول هو الظاهر.

{أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمّا يَقُولُونَ، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} أي أولئك الطيبون والطيبات كصفوان وعائشة بعداء مبرؤون مما يقوله أهل الإفك والبهتان الخبيثون والخبيثات.

وأولئك المبرؤون لهم مغفرة عن ذنوبهم بسبب ما قيل فيهم من الكذب ورزق كريم عند الله في جنات النعيم، كما في قوله تعالى:{وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً} [الأحزاب 31/ 33].

عن عائشة رضي الله عنها: «لقد أعطيت تسعا ما أعطيتهن امرأة: لقد نزل جبريل عليه السلام بصورتي في راحته حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني؛

ص: 196