الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبعد الأمر بطاعة الله تعالى وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الله تعالى بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة شكرا للنعمة، وإحسانا إلى عباد الله الفقراء، مكررا للتأكيد الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال:
{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ، وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ، لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أي وأدوا الصلاة في أوقاتها تامة الأركان والشروط، واعبدوا الله وحده لا شريك له، وأعطوا الزكاة المفروضة عليكم؛ لما فيها من الإحسان إلى الضعفاء والفقراء، وأطيعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أمركم به أو نهاكم عنه أو زجركم عنه، لعل الله يرحمكم بذلك، وينجيكم من عذاب أليم. ولا شك أن من فعل هذا سيرحمه الله، كما قال:{أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ} [التوبة 71/ 9].
وأما المتنكرون لطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فهم كما قال تعالى:
{لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النّارُ، وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أي لا تظنن أيها الرسول أن الذين خالفوك وكذبوك وكفروا برسالتك يعجزون الله ويفرون من سلطانه إذا أراد إهلاكهم، بل الله قادر عليهم، وسيعذبهم على ذلك أشد العذاب في الدنيا بألوان مختلفة فردية كالمرض والهم والقلق والانتحار، أو جماعية كالقتل في الحروب والزلازل والبراكين والحرق والغرق، ومأواهم في الآخرة نار جهنم، وبئس المآل مآل الكافرين، وبئس المرجع والقرار والمهاد. ومعجزين: معناه فائتين، والمصير: المرجع، كما بيّنا.
فقه الحياة أو الأحكام:
هذه هي أصول دولة الإيمان، تنبئ عن قواعد ومبادئ أهمها الجمع بين الإيمان والعمل الصالح، وثمرتها أولا-إنجاز وعد الله بالعزة والسيادة في الأرض في الدنيا، ونصرة الإسلام على الكفر، وتمكين هذا الدين المرتضى وهو دين
الإسلام في الأرض، أي تثبيته وتوطيده وتأمينه وتأمين أهله وإزالة الخوف الذي كانوا عليه، وثانيا-الظفر برحمة الله في الآخرة.
ودلت الآيات على ما يلي
(1)
:
1 -
إثبات صفة الكلام لله عز وجل وأنه متكلم؛ لأن الوعد نوع من أنواع الكلام، ومن وصف بالنوع وصف بالجنس.
2 -
الله تعالى حيّ قادر على جميع الممكنات؛ لأنه قال: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ، وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} وقد فعل ذلك كما بيّنا في التفسير السابق، وصدور هذه الأشياء لا يصح إلا من القادر على كل المقدورات.
3 -
الله تعالى هو المستحق للعبادة وحده؛ لقوله: {يَعْبُدُونَنِي} .
4 -
إنه سبحانه منزه عن الشريك؛ لقوله: {لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} وذلك يدل على نفي الإله الآخر، وعلى أنه لا يجوز عبادة غير الله تعالى، سواء كان كوكبا كما يقول الصابئة، أو صنما كما يقول عبدة الأوثان.
5 -
صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أخبر عن الغيب في قوله تعالى:
{لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ.} . الآية، وقد تحقق الخبر المعجز، فدل على صدق المخبر وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
6 -
العمل الصالح خارج عن مسمى الإيمان.
7 -
إثبات خلافة الأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين، فالآية {وَعَدَ اللهُ.} .
أوضح دليل وأبينه؛ لأنهم المستخلفون الذين آمنوا وعملوا الصالحات، والذين
(1)
انظر تفسير الرازي: 24/ 24
وعدهم الله بالاستخلاف بعد النبي صلى الله عليه وسلم، والاستخلاف: الإمامة فقط، وأما الذين من قبلهم فهم الخلفاء إما بالنبوة وإما بالإمامة والخلافة.
ولكن لا تختص الخلافة بهم، بل تشمل غيرهم ممن استخلفوا على المسلمين.
8 -
إن من أتم النعم على الصحابة وتابعيهم بعد نصرة الإسلام هو تبديل خوفهم أمنا، كما وعد تعالى، وأكده رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال أصحابه: أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح؟
فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تلبثون إلا قليلا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيا، ليس عليه حديدة»
وقال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم في صحيحة: «والله ليتمنّ الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون» فالآية معجزة النبوة؛ لأنها إخبار عما سيكون، فكان، كما بيّنا.
9 -
إن أساس العمل الإسلامي عبادة الله بالإخلاص، دون أن يشوبها شرك ظاهر أو خفي وهو الرياء.
10 -
المراد بالكفران في قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ} في رأي أكثر المفسرين كفران النعمة؛ لأنه قال تعالى: {فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ} أما الكافر الحقيقي فهو فاسق بعد هذا الإنعام وقبله.
11 -
إن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإطاعة أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم واجتناب نواهيه سبب للرحمة الشاملة من الله تعالى.
12 -
لن يعجز الله هربا في الأرض أحد من الكفار، وإنما قدرة الله تطولهم في أي مكان، وهم المقهورون، ومأواهم النار. قال صاحب الكشاف: النظم في قوله تعالى: {وَمَأْواهُمُ النّارُ} لا يحتمل أن يكون متصلا بقوله: {لا تَحْسَبَنَّ} لأن ذلك نفي، وهذا إيجاب، فهو إذن معطوف بالواو على مضمر قبله تقديره:
لا تحسبنّ الذين كفروا معجزين في الأرض، بل هم مقهورون، ومأواهم النار.