الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دلالات على قدرة الله تعالى. {لَمُبْتَلِينَ} مختبرين ممتحنين قوم نوح بإرساله إليهم ووعظه، أي معاملتهم معاملة من يختبر.
المناسبة:
الارتباط بين هذه الآيات وبين ما قبلها جار على وفق العادة في سائر الآيات، بذكر قصص الأنبياء بعد بيان أدلة التوحيد، والقصد هو بيان كفران الناس بعد تعداد النعم المتلاحقة عليهم، وما حاق بهم من زوالها.
فبعد أن ذكر الله تعالى دلائل التوحيد من خلق الإنسان، والحيوان، والنبات، وخلق السموات والأرض، وعدّد نعمه على عباده، ذكر هنا الحالات المماثلة لكفار مكة من المكذبين من الأمم السابقة، فذكر خمس قصص: هي قصة نوح، وقصة هود، وقصة صالح ولوط وشعيب، وقصة موسى وهارون وفرعون، وقصة عيسى وأمه.
التفسير والبيان:
يبين الله تعالى موقف نوح عليه السلام مع قومه حينما أنذرهم عذاب الله، وبأسه الشديد، وانتقامه ممن أشرك به، وخالف أمره، وكذب رسله، فقال:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ}
…
{تَتَّقُونَ} :
أي ولقد بعثنا نوحا إلى قومه، فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له، وقال لهم: ألا تتقون، أي ألا تخافون من الله في إشراككم به؟ {فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا.}. أي فقال السادة والأكابر منهم: ما نوح إلا بشر مثلكم، ورجل منكم، يريد أن يترفع عليكم ويتعاظم بدعوى النبوة، وليس له ميزة في علم ولا خلق، فكيف يكون نبيا يوحى إليه دونكم وهو مثلكم؟!
وموانع نبوته هي:
1 -
{وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً} أي ولو أراد الله أن يبعث نبيا، لبعث أحد الملائكة من عنده، لأداء رسالته، ولم يكن بشرا، فإن إنزال الملك أدعى للإيمان، وأدل على الصدق. وهذا ناشئ من تصورهم سموا الرسالة التي تقتضي جعلها في عنصر أسمى من البشر وهم الملائكة، وأنه لا يمكن تكليف البشر بالرسالة الإلهية.
2 -
{ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ} أي ما سمعنا ببعثة البشر في عهد الأسلاف والأجداد في الدهور الماضية. وهذا ناشئ من اعتمادهم في العقيدة على التقليد، وإصرارهم على الكفر والعناد.
3 -
{إِنْ هُوَ إِلاّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ} أي وما نوح إلا رجل مجنون فيما يزعمه أن الله أرسله إليكم، واختصه من بينكم بالوحي.
{فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتّى حِينٍ} أي انتظروا به ريب المنون، واصبروا عليه مدة حتى تستريحوا منه، أو ييأس فيرجع إلى دينكم، أو يفيق من جنونه. وهذا مجرد مكابرة، فهم عرفوا نوحا برجحان عقله، واتزان قوله، واستقامة سيرته.
ولما يئس نوح من إجابة دعوته، وصبر على قومه ألف سنة إلا خمسين، فلم يؤمن معه إلا القليل، أوحى الله إليه أن يدعو ربه لنصره عليهم فقال:
{قالَ: رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ} أي قال نوح: ربّ انصرني على هؤلاء القوم، وأهلكهم بسبب تكذيبهم إياي، كما جاء في آية أخرى:{فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر 10/ 54]، وقوله أيضا:{رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً} [نوح 26/ 71].
فأجاب الله دعاءه وأمره بصنع السفينة فقال:
{فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا} أي فأمرناه بأن يصنع السفينة بحفظنا ورعايتنا، وتعليمنا وإرشادنا كيفية الصنع.
{فَإِذا جاءَ أَمْرُنا، وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، وَأَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ} أي فإذا حان وقت قضائنا بالعذاب والهلاك، ونبع الماء من وجه الأرض أو من التنور المخصص للخبز، فاحمل في السفينة فردين مزدوجين ذكرا وأنثى من كل صنف من الحيوانات والنباتات والثمار وغير ذلك، واحمل فيها أيضا أهل بيتك، أو كل من آمن معك، وهذا المعنى هو الأرجح، إلا من سبق عليه القول من الله بالهلاك، وهم الذين لم يؤمنوا به من أهله كابنه وزوجته، وهو كنعان وأمه.
روي أنه قيل لنوح عليه السلام: إذا رأيت الماء يفور من التنور، فاركب أنت ومن معك في السفينة، فلما نبع الماء من التنور، أخبرته امرأته، فركب.
{وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا، إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} أي ولا تسألني ولا تتشفع في الذين كفروا، ولا تأخذنك رأفة في قومك، فإني قد قضيت أنهم مغرقون، بسبب ما هم عليه من الكفر والطغيان، أي أن الغرق نازل بهم لا محالة.
ثم أمره الله أن يحمده ويثني عليه بعد ركوب السفينة:
{فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ.} . أي فإذا استقر بك وبمن معك من المؤمنين المقام في السفينة، فقل أنت وهم: الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين، أي أنقذنا من هؤلاء الكافرين المشركين الظلمة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان في السفينة ثمانون إنسانا، نوح وامرأته سوى التي غرقت، وثلاثة بنين: سام وحام ويافث، وثلاث نسوة لهم، واثنان وسبعون إنسانا، فكل الخلائق نسل من كان في السفينة.
ثم أمره أيضا أن يدعوه بعد خروجه من السفينة دعاء مقرونا بالثناء فقال: